ارتفاع نسبة الطلاق
جود عبد الله*
47- العدد السابع والأربعون خريف 2018
باتت مواقع التواصل الاجتماعي تهيمن على عقولنا وأنفسنا وقلوبنا، لتسلخنا من واقعنا شيئاً فشيئًا نحو عالم افتراضي، يسرق وقتنا ويغيّبنا عن مسؤولياتنا وعن دورنا في هذه الحياة.
قوانين الحياة ثابتة ولا تتغير، والطبيعة لا تقبل الفراغ… الفراغ النفسي وضعف العلاقات الزوجية وغياب لغة الحوار، والجفاء الروحي والعاطفي بين الزوجين، فتح الأبواب لهذا العالم الافتراضي للسيطرة على عالمنا الواقعي، ما أدى إلى إقامة علاقات غير شرعية وتقصير في الواجبات والمسؤوليات… الأمر الذي هدد كثيرًا من العلاقات الزوجية التي لم يرَ الكثيرون حلاً لها إلا بالطلاق!
البعيد منك قريب والقريب منك بعيد!
المعايير والمسافات تغيرت، والعلاقات تجردت من الروح!
هذا العالم الافتراضي مباح فيه التواصل دون حواجز ولا روادع، فيقرّب بين الرجال والنساء ويسهل الحديث مع الغرباء. يراه الكثيرون متنفسًا للتعبير عن المشاعر، لكنه في الحقيقة ينزع الخصوصية ويزعزع استقرار العلاقات الزوجية ويشعل نيران الغيرة عند كلٍ من الشريكين ويزرع بذرة الشك. وهو فيروس قاتل لا دواء له! فمن “يبحث عن التنفيس العاطفي في وسائل التواصل هو كمن يبحث عن الماء ولا يجد إلا السراب”(1) ، بحسب ما أكد استشاري العلاج الأسري والمراهقة الدكتور حمود القشعان، فالحب والعاطفة يرتكزان على الجانب النفسي والبيولوجي والاجتماعي، وهذه جميعها تنعدم في هذا العالم الافتراضي.
نسينا القريب واهتممنا بالبعيد! نرى الزوجة مثلاً تعبّر عن نفسها لصديقاتها عن مختلف أنشطتها، وزوجها يغفل عن هذا ويتعرّف على ذلك فقط من خلال منشوراتها وتفاعلها الإلكتروني! وهذا يعكس اضطراباً وفجوة في العلاقة، إذ يبدي أحد الطرفين إهتماماً بمن لا يعرف على مواقع التواصل ويهمل شريك حياته عاطفياً (2).
العديد من الدراسات أثبتت أن الحديث مع الغريب في أمور شخصية والكشف عن مكنونات الصدر أسهل بكثير من الإفصاح عنها للمقربين، بحسب ما أكدته الدكتورة في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت ملك الرشيد، وهذا شيءٌ خطيرٌ جداً! مبيّنة أن “وسائل التواصل الاجتماعي بدأت شيئًا فشيئًا تسحب البساط من تحت التواصل الاجتماعي الإنساني المباشر، وبدأت تستحوذ على نسبة كبيرة من وقت مستخدميها” (3) . إذ أصبح الغريب أو الشخصية الافتراضية تستحق الثقة والاهتمام أكثر من أهل بيت.
حالات طلاق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي
من الواضح أن مواقع التواصل الاجتماعي تهدد العلاقات الزوجية، وبحسب دراسة لجهاز التعبئة العامة والإحصاء فإن 40 ألف حالة طلاق من أصل 75 ألف حالة شهدتها مصر عام 2016 كانت بسبب انشغال الزوج عن زوجته بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك وتويتر (4).
وجريدة “ديلي ميل” البريطانية أيضًا نشرت دراسة تؤكد تزايد حالات الطلاق حول العالم، مبينة أن مواقع التواصل الاجتماعي هي السبب الرئيس وراءها، إذ إن حالة من بين كل سبع حالات طلاق كانت بسبب التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن حديثي الزواج هم الأكثر عرضة للخطر (5).
وبحسب استفتاء فرنسي أجراه موقع “طلاق أون لاين”، شاركت فيه 5 آلاف حالة طلاق، بيّن أن شبكة فيسبوك وراء طلب الطلاق لواحد من بين كل ثلاثة فرنسيين (6).
وفي الأردن، أظهرت دراسات رسمية زيادة في حالات الطلاق بنسبة 25% في المجتمع الأردني، والتي ساهمت فيها مواقع التواصل الاجتماعي. وأما المراجع العدلية والقضائية في الكويت فاعتبرت “أن الإنترنت هو أحد أبرز أسباب الطلاق وهو يشكل سبباً أساسيًا لانخفاض التفاعل الأسريّ، والعلاقات الاجتماعية” (7).
وفي الولايات المتحدة أشارت الإحصائيات إلى أن 20% من حالات الطلاق سببها المباشر فيسبوك، ويأتي من بعدها تطبيق واتساب. كما ذكرت صحيفة إنبدبندنت البريطانية أن رسائل واتساب تسببت في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وفقًا لتقديرات جمعية مُحامي الزواج الإيطاليين (8).
ولكل داء دواء
هذا العالم الافتراضي مليء بالفتن، يفتح بابًا للشيطان لمقارنة حياة الزوجين بحياة الآخرين، ويعلقنا بسلطان الوهم… ما يؤدي إلى سلب العقل، فقد حذّرنا الله عز وجل “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ” (9)، وأعطانا سبحانه وتعالى الحل بالتحصن بقوله “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.” (10)
إذاً، الزواج يوفّر السكينة والاطمئنان، فالمودة من المرأة والرحمة من الرجل. وذلك يتحقق من خلال تعزيز العلاقة روحيًا وجسديًا، فقد قال سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام “خيركم خيركم لأهله” (11) ، فالإصلاح بيدأ من داخل الأسرة ثم ينطلق إلى جميع الأصعدة، ولا ننسى أن المرأة تلعب دورًا كبيرًا في تحصين زوجها وإسعاده ويكفيها تطبيق الحديث “خَيْرُ النِّسَاءِ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِكَ وَنَفْسِهَا” (12)، فبذلك تقر عينه، ولا عذر له في أن يمد عينيه إلى غيرها؟
*من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
(1): http://www.alraimedia.com/Home/Details?Id=28ed9e71-22ef-465f-88ba-cc92d13f340b
(2): نفس المصدر
(3): نفس المصدر
(4): https://annabaa.org/arabic/informatics/9427
(5): المرجع ذاته
(6): المرجع ذاته
(7): المرجع ذاته
(8): المرجع ذاته
(9): سورة طه، آية 131
(10): سورة الروم، آية 21
(11): رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن عائشة بنت عبد الله
(12): رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان عن تأويل آي القران عن عبد الرحمن بن صخر