رضي الله عنه
اليمان هو لقب أبيه حسيل بن جابر من بني عبس حلفاء بني عبد الأشهل (من الأوس)، لقِّب باليمان لأنه أصاب دما في قومه، فهرب إِلَى المدينة، وحالف بني عبد الأشهل من الأنصار، فسماه قومه اليمان لأنه حالف الأنصار، والأنصار من اليمن. وأمه الرباب بنت كعب ابن عدي بن كعب بن عبد الأشهل.
وحذيفة يكنى أبا عبد الله. شهد أحدا وما بعد ذلك من المشاهد وتوفي بالمدائن سنة ست وثلاثين. كان نزل الكوفة والمدائن وله عقب بالمدائن.
لَمْ يَشْهَدْ حُذَيْفَةُ بَدْرًا ، وَشَهِدَ أُحُدًا هُوَ وَأَبُوهُ وأخوه صفوان ابن الْيَمَانِ. وَقُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَئِذٍ.
وَشَهِدَ حُذَيْفَةُ الْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بن الخطاب. رضي الله عَنْهُ. عَلَى الْمَدَائِنِ (عاصمة الفرس في العراق قبل الفتح تقع على نهر دجلة).
روى عنه: ابنه أَبُو عبيدة، وعمر بْن الخطاب، وعلي بْن أَبِي طالب، وقيس بْن أَبِي حازم، وَأَبُو وائل، وزيد بْن وهب، وغيرهم.
جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم:
هَاجَرَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يشهد بدراً، عن حذيفة، قَالَ: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل، فأخذنا كفار قريش، وقالوا: إنكم تريدون مُحَمَّدا، فقلنا: ما نريد إلا المدينة. فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لننصرف إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرناه، فقال: ” انصرفا، نفي لهما بعهدهم، ونستعين بالله “.
في غزوة أحد: حذيفة ووالده وأخوه في غزوة أحد:
لما خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أحد، رفع حسيل بْن جابر، وهو اليمان، أَبُو حذيفة بْن اليمان، وثابت بْن وقش بْن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان، وهما شيخان كبيران، فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك، ما تنتظر؟ فوالله ما بقي لواحد منا من عمر إلا مثل ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غدًا، أفلا نأخذ أسيافنا، ثم نلحق برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعل اللَّه أن يرزقنا الشهادة مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذا أسيافهما، ولحقا برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودخلا في المسلمين ولا يعلم بهما، فأما ثابت بْن وقش، فقتله المشركون، وأما حسيل بْن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين وهم لا يعرفونه، فقتلوه، فقال حذيفة: أَبِي أبي، فقالوا: والله ما عرفناه، وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَدِيَه، فتصدق حذيفة بديته عَلَى المسلمين، فزاده ذلك عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرًا.
في غزوة الخندق:
قال عمرو بن عوف فكنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن وستة من الانصار في أربعين ذراعا.
مهمة خاصة في غزوة الأحزاب (الخندق) :
ذكر حذيفة رضي الله عنه، مرّة لبعض التابعين، مشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا فقال حذيفة لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الاحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا منها في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا اصبعه فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ويأذن لهم ويتسللون ونحن ثلاثمائة ونحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا حتى أتى علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامر أتى ما يجاوز ركبتي قال فأتانى وأنا جاث على ركبتى فقال من هذا فقلت حذيفة فقال حذيفة فتقاصرت للارض فقلت بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم فقمت فقال انه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم قال وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا قال فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال فوالله ما خلق الله فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئا قال فلما وليت قال يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني قال فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت ضوء نار لهم توقد واذا رجل أدهم ضخم يقول بيديه على النار ويمسح خاصرته ويقول الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني فأمسكت ورددت سهمي الى كنانتي ثم اني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت من أنت قال فلان ابن فلان. ثم قال: يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي لاتحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهم.
وإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم واذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا فوالله اني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضرب بها ثم اني خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصفت بي الطريق أو نحو من ذلك اذا أنا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين فقالوا أخبر صاحبك أن الله قد كفاه قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف فأومأ الي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي فدنوت منه فأسبل علي شملته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم أخبرته أني تركتهم يرحلون. فلما رآني أدخلني الى رجليه وأسبل عليً شملته ثم ركع وسجد واني لفيه فلما سلّم من الصلاة أخبرته خبر قريش وغطفان وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أبرح نائما حتى الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا نومان.
وجعل الناس يرحلون وأبو سُفْيَان قائم حتى خف العسكر. فأقام عَمْرو بْن العاص وخالد بْن الوليد فِي مائتي فارس ساقة للعسكر وردءا لهم مخافة الطلب. فرجع حذيفة إلى رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فأخبره بذلك كله وأصبح رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وليس بحضرته أحد مِن العساكر قد انقشعوا إلى بلادهم فأذن النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – للمسلمين فِي الانصراف إلى منازلهم فخرجوا مبادرين مسرورين بذلك.
صاحب سر رسول الله:
وحذيفة صاحب سر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنافقين، لم يعلمهم أحد إلا حذيفة، أعلمه بهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسأله عمر: أفي عمالي أحد من المنافقين؟ قال: نعم واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكره، قال حذيفة: فعزله، كأنما دل عليه، وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وَإِن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر.
موفد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دبا (دبي حالياً):
قدم وفد من من أزد دباء ودباء فيما بين عمان والبحرين. وقد كانوا أسلموا وقدم وفدهم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مقرين بالإسلام فبعث عليهم مصدقًا منهم يقال له حذيفة بن اليمان الأزدي من أهل دباء وكتب له فرائض الصدقات فكان يأخذ صدقات أموالهم ويردها على فقرائهم. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ارتدوا ومنعوا الصدقة. فكتب حذيفة إلى أبي بكر بذلك فوجه أبو بكر عكرمة بن أبي جهل إليه فالتقوا فاقتتلوا ثم رزق الله عكرمة عليهم الظفر فهزمهم الله. وأكثر فيهم القتل. ومضت فلولهم إلى حصن دباء فتحصنوا فيه وحصرهم المسلمون في حصنهم ثم نزلوا على حكم حذيفة بن اليمان الأزدي فقتل مائة من أشرافهم وسبى ذراريهم وبعث بهم إلى أبي بكر إلى المدينة وفيهم أبو صفرة غلام فلم يبلغ يومئذ فأراد أبو بكر قتله. فقال عمر: يا خليفة رسول الله قوم إنما شحوا على أموالهم. فيأبى أبو بكر أن يدعهم. فلم يزالوا موقوفين في دار رملة بنت الحارث حتى تُوُفّي أبو بكر وولي عمر بن الخطاب فدعاهم فقال: قد أفضى إلي هذا الأمر فانطلقوا إلى أي البلاد شئتم فأنتم قوم أحرار لا فدية عليكم. فخرجوا حتى نزلوا البصرة ورجع بعضهم إلى بلاده فكان أبو صفرة وهو أبو المهلب ممن نزل البصرة وشرف بها هو وولده.
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَامِلُهُ عَلَى دَبَا (دبي) حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ.
علاقته بالخلفاء الراشدين:
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي. وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ]
قال حذيفة رضي الله عنه: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة، إن فلاناً قد مات، فاشهد، ثم مضى حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس، فعرف، فرجع إلي، فقال: يا حذيفة: أنشدك بالله، أمن القوم أنا؟ قلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك، قال حذيفة: فرأيت عيني عمر جادتا (أي بالدمع).
كان حذيفة ينزل في العراق (الكوفة والمدائن) حين جاءه نعي عثمان. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ خَيْرًا فليس مِنْهُ نَصِيبٌ. وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ شَرًّا فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ. وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ قَتْلُهُ خَيْرًا لَيَحْلُبُنَّهَا لَبَنًا. وَلَئِنْ كَانَ قَتْلُهُ شَرًّا لَيَمْتَصُّنَ بِهَا دَمًا.
خوفه وغيرته على القرآن:
بعد أن مضت سنة كاملة من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام الجيشان الإسلاميان العراقي، والشامي بفتح أرمينية وأذْرَبيجان. وكان في هذا الجيش العظيم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فرأى في صفوف الجيش وبين الجند اختلافاً في قراءة القرآن، حتى إنه سمع من اختلافهم ما يكره.
كما رأى أيضاً في البصرة نحواً من ذلك، فقد كان ذات يوم جالساً في حلقة مسجد من مساجدها، زمن ولاية الوليد بن عقبة عليها؛ فإذا هاتف يهتف: من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت الزاوية التي عند أبواب كندة، ومن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود، فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبد الله. فاجتمع القوم، واختلفوا في آية من سورة البقرة، قرأ أحدهم: {وأتموا الحج والعمرة للبيت} وقرأ آخر: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.
فغضب حذيفة رضي الله عنه حتى احمرّت عيناه، فقام وغرز قميصه في حجزته، وقال لرجل منهم: إما أن تركب إلى أمير المؤمنين، وإما أن أركب، فأقبل على الناس، وقال:
إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، فقاتل بمن أقبل من أدبر، حتى أظهر الله دينه، ثم إن الله قبضه، فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف أبا بكر فكان ما شاء الله، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف عمر فن-زل الناس وسط الإسلام، ثم إن الله قبضه، فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف عثمان وأيم الله ليوشكنَّ أن تطعنوا فيه طعنة تحلقونه كله1.
وركب رضي الله عنه إلى عثمان بن عفان2فقال له: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى في الكتب، ففزع لذلك عثمان بن عفان، وجمع الصحابة – وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال:
ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً؟.
فقالوا: ما ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف، فقالوا: فنعم ما رأيت.
وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن قد بقيت عند أبي بكر، وبعد وفاته انتقلت إلى عمر رضي الله عنه وبعد استشهاده انتقلت إلى ابنته حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
فأرسل عثمان إلى حفصة -رضي الله عنها- أن أرسلي إلينا بالصحف التي جُمع فيها القرآن؛ لننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه.
فقام يحث الناس على تسليم ما لديهم من القرآن قائلاً: أيها الناس، عهدكم بنبيكم صلى الله عليه وسلم منذ ثلاث عشرة سنة1وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبيّ، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم، ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به.
فاستجاب الناس، فكان الرجل يجيء بالورقة، والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة. ثم دخل عثمان رضي الله عنه فدعاهم رجلاً رجلاً، وناشدهم بالله: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم.
ثم قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص2فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها، وقال للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا3ونسخوا الصحف في المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة.
من فضائله رضي الله عنه:
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّرِّ،
أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي بين أولاد عم اختلفوا على ارض لأبويهما، فقضى بالحق ولما عاد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قضى فقال له: احسنت وأصبت.
لما استعمل عمر حذيفة عَلَى المدائن كتب في عهده: أن اسمعوا له وأطيعوا، وأعطوه ما سألكم، فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين، فلما قرأ عهده، قَالُوا: سلنا ما شئت، قال: أسألكم طعامًا آكله، وعلف حماري ما دمت فيكم، فأقام فيهم، ثم كتب إليه عمر ليقدم عليه، فلما بلغ عمر قدومه كمن له عَلَى الطريق، فلما رآه عمر عَلَى الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه فالتزمه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك.
عمر بْن الخطاب قال لأصحابه: تمنوا، فتمنوا ملء البيت الذي كانوا فيه مالا وجواهر ينفقونها في سبيل اللَّه، فقال عمر: لكني أتمنى رجالا مثل أَبِي عبيدة، ومعاذ بْن جبل، وحذيفة بْن اليمان، فأستعملهم في طاعة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثم بعث مال إِلَى أَبِي عبيدة، وقال: انظر ما يصنع، فقسمه، ثم بعث بمال إِلَى حذيفة، وقال: انظر ما يصنع، قال: فقسمه،
وسأل رجل حذيفة: أي الفتن أشد؟ قال: أن يعرض عليك الخير والشر، لا تدري أيهما تركب.
قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله -تعالى-: {حم. عسق} ؟ فأعرض عنه حتى أعاد عليه ثلاثاً، فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لِمَ تركها؛ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له: عبد الإله أو عبد الله؛ ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقّاً، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما ناراً ليلاً، فتصبح سوداء مظلمة، فتحترق كلها كأنها لم تكن مكانها، فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قُلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعاً؛ فذلك قوله: {حم. عسق} . أي: عزمة من عزمات الله، وفتنة وقضاء حُمّ: حم. «ع» : عدلاً منه، «س» : سيكون، «ق» : واقع في هاتين المدينتين» ،
زهده رضي الله عنه:
عن سعد بن حذيفة أنَّ حذيفة رضي الله عنه كان يقول: ما من يوم أقرَّ لعيني ولا أحب لنفسي من يوم آتي أهلي فلا أجد عندهم طعاماً، ويقولون ما نقدر على قليل ولا كثير وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله أشد حِمْية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله الطعام. والله تعالى أشد تعاهداً للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير» .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث عاملاً كتب في عهده أن اسمعوا له وأطيعوا ما عدل عليكم، فلما استعمل حذيفة رضي الله عنه على المدائن كتب في عهده أن اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم. فخرج حذيفة من عند عمر على حمار موكّف وعلى الحمار زاده، فلما قدم المدائن استقبله أهل الأرض والدَّهاقين وبيده رغيف وعَرْق من لحم على حمار على إكاف، فقرأ عهده إليهم، فقالوا: سَلْنا ما شئت، قال: أسألكم طعاماً آكله، وعلف حماري هذا ما دمت فيكم. فأقام فيهم ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقدم، فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق في مكان لا يراه، فلما رآه عمر على الحال الذي خرج من عنده عليه أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك.
ورؤي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَاقِفًا عَلَى نَاقَتِهِ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَهُوَ يَقُولُ: ” لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَمْ تُطِقْ، وَكَانَ حُذَيْفَةُ عَلَى جُوْخَى وَعُثْمَانُ عَلَى مَا سَقَى الْفُرَاتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَوْ شِئْتُ لأَضْعَفْتُ أَرْضِي، وَقَالَ عُثْمَانُ: حَمَّلْتُهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، وَمَا فِيهَا كَثِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: انْظُرَا أَنْ لا تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَهُ تُطِيقُ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ بَقِيتُ لأَرَامِلِ الْعِرَاقِ لا أَدَعُهُنَّ لا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي.
جهاده رضي الله عنه:
تعاون الجيشان الإسلاميان العراقي، والشامي بفتح أرمينية وأذْرَبيجان. وكان في هذا الجيش العظيم حذيفة بن اليمان. وتعاونا من قبل في فتح الجزيرة بين دجلة والفرات شمال العراق.
لِمَا قتل النعمان بن مقرن المزني بنهاوند، خلفه في القيادة أخوه نعيم بن مقرن فأخذ الراية فدفعها إلى حذيفة بن اليمان، وكانت عَلَى يد نعيم فتوح بفارس، ونعيم وإخوته من جلة الصحابة، ومن وجوه مزينة،..
وكان فتح همذان، والري، والدينور عَلَى يد حذيفة، وشهد فتح الجزيرة، ونزل نُصَيْبين،( في تركيا على الحدود السورية شمالي القامشلي) وتزوج فيها.
مما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن حذيفة، قال: قالت لي أمي: متى عهدك بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت لها: ما لي به عهد منذ كذا وكذا، فأتيته وهو يصلي المغرب، فقال: ” يا حذيفة، أما رأيت العارض الذي عرض؟ (أي الوحي)، ” قلت: بلى، قال: ” ذاك ملك أتاني وبشرني بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة “.
عن حذيفة بْن اليمان، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه، فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان “، قيل: يا رَسُول اللَّه، كيف هِيَ للأحياء؟ قَالَ: ” هِيَ لأحياء أهدم وأهدم “.
عَنْ حذيفة بْن اليمان قَالَ لو لم تذنبوا أو تخطئوا لجاء اللَّه بقوم يذنبون ويخطئون فيغفر لَهُم يوم القيامة.
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان رضي الله عنه يستعينه في جيش العُسْرة، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فصُبَّت بين يديه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها بين يديه ظهراً لبطن ويدعو له يقول: «غفر الله لك يا عثمان، ما أسررتَ وما أعلنتَ، ما أخفيتَ، وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا» .
احتضاره ووفاته:
لما نزل بحذيفة الموت وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدَائِنِ جزع جزعًا شديدًا، وبكى بكاء كثيرًا، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي أسفا عَلَى الدنيا بل الموت أحب إلي، ولكني لا أدري علام أقدم، عَلَى رضا أم عَلَى سخط؟ وقيل: لما حضره الموت قال: هذه آخر ساعة من الدنيا، اللهم إنك تعلم أني أحبك، فبارك لي في لقائك ثم مات.
وكان موته بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، سنة ست وثلاثين. وَلَهُ عَقِبٌ بِالْمَدَائِنِ.
صفوان بْن اليمان العبسي:
أخو حذيفة بْن اليمان، وهو عبسي، حليف بني عبد الأشهل، شهدا أحدًا مع أبيه حسيل، ومع أخيه حذيفة، وعن عَبْد العزيز بْن صفوان بن اليمان وهو ابن أخ حذيفة، قَالَ: ” كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة “.
فاطمة أخت حذيفة ولها صحبة:
فَاطِمَةُ بِنْتُ الْيَمَانِ أخت حذيفة بن اليمان العبسي وهم حلفاء بني عبد الأشهل. أسلمت وبايعت رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وروت عنه. قَالَتْ: عُدْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي نِسْوَةٍ وَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ وَمَاؤُهُ يَقْطُرُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى.
فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَأَذْهَبَ عَنْكَ هَذَا. [فَقَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ] .
وعنها أيضاً قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَلَيْسَ لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ؟ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تَحَلَّى ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إِلا عُذِّبَتْ بِهِ.
أم سلمة بنت حذيفة بن اليمان:
العبسي حليف بني عبد الأشهل. روت عن أبيها أنه كان ينهاهم أن يصوموا في اليوم الذي يشك فيه من رمضان.
سعد بن حذيفة بن اليمان: روى عن أبيه: مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ فَارَقَ الإِسْلامَ.
جُمَانَةُ بِنْتُ الْمُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ الْفَزَارِيِّ. زوجة حذيفة وروت عنه:
تزوجها حذيفة بن اليمان وروت عنه أنه كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فيَدَخَلَ مَعَهَا فِي لِحَافِهَا يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ يَسْتَدْفِئُ بِقُرْبِهَا وَلا يُقْبِلُ عَلَيْهَا بِوَجْهِهِ.
إبن أخته: عَمْرو بْن ثابت بْن وقش الْأَنْصَارِيّ الأوسي الأشهلي وهو أخو سَلَمة بْن ثابت، وابن عم عباد بْن بشر، ويعرف عَمْرو بأصيرم بني عَبْد الأشهل، وهو ابْنُ أخت حذيفة بْن اليمان استشهد يَوْم أحد، وهو الَّذِي قيل: إنه دخل الجنة ولم يصل صلاة. (أصيرم تصغير أصرم ويقال أصرم النخل أي حان قطعه وقد غيّر النبي من سمي أصرما لكراهة المعنى فسماه زرعة).