رضي الله عنه
مقدمة: من هو زيد؟ لعله أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، إنه زَيْدُ بْنُ حارثة.
زَيْد الحِب بْن حارثة بْن شَرَاحِيلَ ويعود في نسبه إلى قحطان أبي أغلب اهل اليمن. وأم زَيْد سعدى بِنْت ثَعْلَبَة من بني معن من طيّئ. فزارت سعدى أم زَيْد بْن حارثة قومها وزيد معها. فأغارت خيل لبني القين بْن جسر فِي الجاهلية فمروا على أبيات بني معن رهط أم زيد. فاحتملوا زيدا إذ هُوَ يومئذ غلام يفعة قد أوصف. فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه منهم حكيم بْن حزام بْن لعمته خديجة بِنْت خويلد بأربع مائة درهم. فَلَمَّا تزوجها رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وجدت من النبي صلى الله عليه وسلم عطفاً عليه ومحبة له فوهبته له. فتعهده رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وقد كان أبوه حارثة بْن شراحيل حين فقده قَالَ فيه قصيدة مطلعها: بكيت على زَيْد ولم أدر ما فعل … أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل.
وكان جبلة بْن حارثة أخا زَيْد وكان أكبر من زَيْد. قَالَ فحج ناس من كلب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فانطلق الكلبيون وأعلموا أَبَاهُ فقال: ابني ورب الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند من هُوَ فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه. وقدما مكّة فسألا عن النبي.ص. فَقِيل هُوَ فِي المسجد. فدخلا عليه فقالا: يا ابن عَبْد اللَّه. يا ابن عَبْد المطلب. يا ابن هاشم. يا ابن سيد قومه. أنتم أَهْل الحرم وجيرانه وعند بيته تفكون العاني وتطعمون الأسير. جئناك فِي ابننا عندك. فامنن علينا وأحسن إلينا فِي فدائه فإنا سنرفع لك فِي الفداء. قَالَ: من هُوَ؟ قَالُوا: زَيْد بْن حارثة. فقال رسول الله. ص: فهل لغير ذلك؟ قَالُوا: ما هُوَ؟ قَالَ: دعوه فخيروه فَإِن اختاركم فهو لكما بغير فداء. وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدًا. قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت. قَالَ فدعاه فقال: هَلْ تعرف هَؤُلَاء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: من هما؟ قَالَ: هَذَا أبي وهذا عمي. قَالَ: فإنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما. فقال زَيْد: ما أَنَا بالذي أختار عليك أحدًا. أنت مني بمكان الأب والأم.
فقالا: ويحك يا زَيْد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟
قَالَ: نعم. إني قد رأيت من هَذَا الرجل شيئًا ما أَنَا بالذي اختار عليه أحدًا أبدًا. فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذلك أَخْرَجَهُ إِلَى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني. فَلَمَّا رَأَى ذلك أَبُوهُ وعمه طابت أنفسهما وانصرفا. فدعي زَيْد بْن مُحَمَّد حتى جاء الله بالإسلام.] فَقَامَ حَارِثَةُ بِمَكَّةَ مَعَ ابْنِهِ زَيْدٍ مُؤَانِسًا لَهُ مُسْلِمًا، وَخَرَجَ جَبَلَةُ ثُمَّ رَجَعَ جَبَلَةُ بعد ذلك فَأَسْلَمَ وَآمَنَ وَكَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْ زَيْدٍ.
كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَبَيْنَ زَيْدِ بن حارثة عشر سنين. رسول الله. ص. أَكْبَرُ مِنْهُ. وَكَانَ زَيْدٌ رَجُلا قَصِيرًا آدَمَ شَدِيدَ الأَدَمَةِ. فِي أَنْفِهِ فَطَسٌ. وَكَانَ يُكْنَى أَبَا أُسَامَةَ.
2-في مكة المكرمة:
كان زيد اول من اسلم وآخَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.ولم يكن يترك رسول الله وحده ابداً فكان معه حين افتقده أبو طالب وحضر شباب بني هاشم للانتقام من كبار المشركين.
وفي مكة قبل الهجرة زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أُمَّ أَيْمَنَ حَاضِنَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَمَوْلاتَهُ وَجَعَلَ لَهُ الْجَنَّةَ. فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ فَكَانَ يُكْنَى بِهِ.
ولم يهاجر زيد بل بقي يكافح مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرافقه في رحلته إلى الطائف: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ تَنَاوَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. وَذَلِكَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ حِينَ نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قفَأَقَامَ بِالطَّائِفِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لا يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ إِلا جَاءَهُ وَكَلَّمَهُ. فَلَمْ يُجِيبُوهُ وَخَافُوا عَلَى أَحْدَاثِهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا وَالْحِقْ بِمُجَابِكَ مِنَ الأَرْضِ. وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ. فَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ حتى إن رجلي رسول الله. ص. لَتَدْمِيَانِ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ. حَتَّى لَقَدْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ شِجَاجٌ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – من الطائف رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ مَحْزُونٌ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلا امْرَأَةٌ. فَلَمَّا نَزَلَ نَخْلَةَ قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَصُرِفَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ. سَبْعَةٌ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ. فَاسْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْجِنِّ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ: «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ» الأحقاف: 29. فَهُمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَانُوا صُرِفُوا إِلَيْهِ بِنَخْلَةَ. وَأَقَامَ بِنَخْلَةَ أَيَّامًا. فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ. يَعْنِي قُرَيْشًا. وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟ [فَقَالَ: يَا زَيْدُ إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ. ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حِرَاءٍ.
فَأَرْسَلَ رَجُلا مِنْ خُزَاعَةَ إِلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَدْخُلُ فِي جِوَارِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلاحَ وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا.
فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَامَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا فَلا يَهْجُهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ. فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ. وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَوَلَدُهُ مُطِيفُونَ بِهِ.
3- في المدينة: آخَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ.
تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ وَكَانَ مُقَامُهُ فيه سبعة أشهر. وبعث رسول الله. ص. مِنْ مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ وَأَعْطَاهُمَا بَعِيرَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى مَكَّةَ فَقَدِمَا عَلَيْهِ بِفَاطِمَةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَتِي رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ زَوْجَتَهُ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَكَانَتْ رقية بنت رسول الله – صلى الله عليه وَسَلَّمَ – قَدْ هَاجَرَ بِهَا زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَحَبَسَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
وَحَمَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ امْرَأَتَهُ أُمَّ أَيْمَنَ مَعَ ابْنِهَا أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَعَهُمْ بِعِيَالِ أَبِي بَكْرٍ فِيهِمْ عَائِشَةُ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَنْزَلَهُمْ فِي بَيْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ.
4- زيجاته رضي الله عنه:
فزوجه رسول الله.ص. زَيْنَبَ بِنْت جَحْشِ بْن رِئَابٍ الأَسَدِيَّةَ. وَأُمُّهَا أميمة بِنْت عَبْد المُطَّلِب بْن هاشم.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} [الأحزاب: 36، 37].
فطلقها زَيْد بعد ذلك فتزوجها رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَتَكَلَّمَ المنافقون فِي ذلك وطعنوا فِيهِ. وقالوا: مُحَمَّد يحرم نساء الولد وقد تزوج امْرَأَة ابنه زَيْد. فأنزل الله جل جلاله:
«مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» الأحزاب:
40. إلى آخر الآية. وقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ الأحزاب: 5. فدعي يومئذ زيد ابن حارثة ودعي الأدعياء إلى آبائهم. فدعي المقداد إلى عَمْرو وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود. وكان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه.
وما كان يدعى قبل ذلك إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» الأحزاب: 5. «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» الأحزاب: 40. قَالَ: نَزَلَتْ فِي زَيْدٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي حَدِيثِ ابْنَةِ حَمْزَةَ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا] .وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: يَا زَيْدُ أَنْتَ مَوْلايَ وَمِنِّي وَإِلَيَّ وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ] .
أن أم كلثوم بنت عقبة أقامت بمكة إِلَى أن صالح النَّبِيّ كفار قريش سنة سبع بالحديبية، ثم هاجرت فجاء أخواها يطلبانها، فأنزل اللَّه تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآية.
فلم يسلمها إليهما، فَخَطَبَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. فَاسْتَشَارَتْ أَخَاهَا لأُمِّهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَأَشَارَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَتَتْهُ فَأَشَارَ عَلَيْهَا بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَتَزَوَّجَتْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدَ بْنَ زَيْدٍ وَرُقَيَّةَ. فَهَلَكَ زَيْدٌ وَهُوَ صَغِيرٌ. وَمَاتَتْ رُقْيَةُ فِي حِجْرِ عُثْمَانَ.
فقتل عنها بمؤتة سنة ثمان، وقيل أنه طلقها، فتزوجها الزبير بْن العوام، فولدت له زينب، ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بْن عوف، فولدت له إِبْرَاهِيم، وحميدًا، وغيرهما.
وَطَلَّقَ زَيْدُ ابن حَارِثَةَ أُمَّ كُلْثُومٍ وَتَزَوَّجَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي لَهَبٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ هِنْدَ بِنْتَ الْعَوَّامِ أخت الزبير ابن الْعَوَّامِ. وتزوج أيضاً ام مبشر بنت البراء بن معرور.
5- جهاده رضي الله عنه:
شَهِدَ زَيْدٌ بَدْرًا وَبَعَثَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زيد بْن حارثة بشيرا إلى المدينة يخبرهم بِسَلامَةِ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالْمُسْلِمِينَ وخبر بدر وما أظفر الله بِهِ رسوله وغنمه منهم.
كما شهد أُحُدًا ولما توجه النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بمن معه بعد وقعة أحد إلى حمراء الأسد خشية من رجوع أبي سفيان ومن معه إليهم وجد هناك أبا عزة الجمحيّ ومعاوية بن المغيرة المذكور، فأمر عاصم بن ثابت بقتل أبي عزة، واستأمن عثمان بن عفان لمعاوية، فشرط ألا يوجد بعد ثلاث، فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بعد ذلك زيد بن حارثة، وعمار بن ياسر، فقال: لهما ستجدانه بمكان كذا قتيلا.
وَاسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى الْمَدِينَةِ حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى الْمُرَيْسِيعِ. في غزوة بني المصطلق. وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ فحمل زيد لواء المهاجرين وحمل سعد بن عبادة أمير الأنصار لواءهم.
كما شهد الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ. وَكَانَ مِنَ الرماة المذكورين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلا أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ اسْتَخْلَفَهُ.
– سرايا زيد بْن حارثة: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِيرَ سَبْعِ سَرَايَا:
الأولى: سرية زيد بْن حارثة إلى القردة. أَوَّلُ سراياه إلى الْقَرَدَةُ. فَاعْتَرَضَ لِلْعِيرِ فَأَصَابُوهَا وَأَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَأَعْيَانُ الْقَوْمِ. وَأُسِرَ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ الْعِجْلِيُّ يَوْمَئِذٍ. وَقَدِمَ بِالْعِيرِ عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَخَمَّسَهَا.
وكانت لهلال جمادى الآخرة عَلَى رأس ثمانية وعشرين شهرًا مِن مهاجر رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهي أول سرية خرج فيها زيد أميرا. والقردة مِن أرض نجد بين الربذة والغمرة ناحية ذات عرق. بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَعْتَرِضُ لعير قريش. فيها صفوان بْن أُميّة وحويطب بْن عَبْد العزى وَعَبْد اللَّه بْن أبي ربيعة. ومعه مال كثير نقر وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم. وكان دليلهم فرات بْن حيان العجلي. فخرج بهم عَلَى ذات عرق طريق العراق. فَبَلَغَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَمَرَهُمْ فوجه زيد بْن حارثة فِي مائة راكب فاعترضوا لها.
فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم. وقدموا بالعير على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخمسها فبلغ الخمس فِيهِ عشرين ألف درهم. وقسم ما بقي عَلَى أهل السرية. وأسر فرات ابن حيان فَأَتَى بِهِ النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقِيلَ لَهُ: إن تسلم تترك! فأسلم فتركه رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِن القتل.
الثانية: سرية زيد بْن حارثة إلى بني سليم بالجموم:
وكانت إلى بني سليم بالجموم فِي شهر ربيع الآخر سنة ست مِن مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالُوا: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زيد بْن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل عَن يسارها. وبطن نخل مِن المدينة عَلَى أربعة برد. فأصابوا عَلَيْهِ امْرَأَة مِن مزينة يقال لها حليمة. فدلتهم على محله مِن محال بني سليم فأصابوا فِي تلك المحلة نعما وشاء وأسرى. فكان فيهم زوج حليمة المزنية. فلما قفل زيد بْن حارثة بما أصاب وهب رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – للمزنية نفسها وزوجها فَقَالَ بلال بْن الحارث فِي ذَلِكَ شعرا:
لعمرك! ما أخنى المسول ولا ونت … حليمة حتى راح ركبهما معا
الثالثة: سرية زيد بْن حارثة إلى العيص:
ثُمَّ سرية زيد بْن حارثة إلى العيص. وبينها وبين المدينة أربع ليال. وبينها وبين ذي المروة ليلة. فِي جمادى الأولى سنة ست مِن مهاجر رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالُوا: بلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن عيرا لقريش قَدْ أَقْبَلَتْ مِن الشَّامِ فَبَعَثَ زَيْدُ بْن حارثة فِي سبعين ومائة راكب يتعرض لها. فأخذوها وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بْن أُميّة وَأَسَرُوا نَاسًا مِمَّنْ كَانَ فِي الْعِيرِ. مِنْهُمْ أَبُو العاص بْن الربيع. وقدم بهم المدينة فاستجار أَبُو العاص بزينب بِنْت رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فأجارته ونادت فِي النّاس حين صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الفجر: إني قد أجرت أَبَا العاص! فَقَالَ رسول الله. ص:
[وما علمت بشيء مِن هذا وقد أجرنا مِن أجرت] . ورد عَلَيْهِ ما آخذ منه.
الرابعة:سرية زيد بْن حارثة إلى الطرف:
ثُمَّ سرية زيد بن حارثة إلى الطرف فِي جمادى الآخرة سنة ست مِن مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالُوا: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زيد بْن حارثة إلى الطرف. وهو ماء قريب مِن المراض دون النخيل عَلَى ستة وثلاثين ميلا مِن المدينة طريق البقرة عَلَى المحجة. فخرج إلى بني ثعلبة فِي خمسة عشر رجلا فأصاب نعما وشاء وهربت الأعراب وصبح زيد بالنعم المدينة. وهي عشرون بعيرا. ولم يلق كيدا وغاب أربع ليال وكان شعارهم: أمت أمت!
الخامسة: سرية زيد بْن حارثة إلى حسمى:
ثُمَّ سرية زيد بْن حارثة إلى حسمى وهي وراء وادي القرى فِي جمادى الآخرة سنة ست مِن مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالُوا: أقبل دحية بْن خليفة الكلبي مِن عند قيصر وقد أجاره وكساه. فلقيه الهنيد بْن عارض وابنه عارض بْن الهنيد فِي ناس مِن جذام بحسمى. فقطعوا عَلَيْهِ الطريق فلم يتركوا عَلَيْهِ إلا سمل ثوب. فسمع بذلك نفر مِن بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه. وقدم دحية عَلَى النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
فَأَخْبَرَهُ بذلك فبعث زيد بْن حارثة فِي خمسمائة رَجُل ورد معه دحية. فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار. ومعه دليل لَهُ مِن بني عذرة. فأقبل بهم حتى هجم بهم مَعَ الصبح عَلَى القوم. فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأغاروا على
ماشيتهم ونعمهم ونسائهم. فأخذوا مِن النعم ألف بعير. ومن الشاء خمسة آلاف شاة.
ومن السبي مائة مِن النساء والصبيان. فرحل زيد بن رفاعة الجذامي فِي نفر مِن قَوْمِهِ إِلَى رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فدفع إلى رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كتابه الَّذِي كَانَ كتب لَهُ ولقومه ليالي قدم عَلَيْهِ. فأسلم وَقَالَ: يا رَسُول اللَّهِ لا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا حراما.
فَقَالَ: كيف أصنع بالقتلى؟ قَالَ أَبُو يزيد بْن عَمْرو: أطلق لنا يا رَسُول اللَّهِ مِن كَانَ حيًّا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين. [فقال رسول الله. ص: صدق أَبُو يزيد!] فبعث معهم عليا. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. إلى زيد بْن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم. فتوجه عَلِيّ فلقي رافع بْن مكيث الجهني بشير زيد بْن حارثة عَلَى ناقة مِن إبل القوم. فردها عَلِيّ عَلَى القوم. ولقي زيدا بالفحلتين. وهي بين المدينة وذي المروة. فأبلغه أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فرد إلى النّاس كل ما كَانَ أخذ لهم.
السادسة: سرية زيد بْن حارثة إلى أم قرفة بوادي القرى:
ثُمَّ سرية زيد بْن حارثة إلى أم قرفة بناحية بوادي القرى. عَلَى سبع ليال مِن المدينة. فِي شهر رمضان سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالُوا: خرج زيد بْن حارثة فِي تجارة إلى الشأم ومعه بضائع لأصحاب النَّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فلما كَانَ دون وادي القرى لقيه ناس مِن فزارة مِن بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كَانَ معهم.
ثُمَّ استبل زيد وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم – فأخبره فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إليهم فكمنوا النهار وساروا الليل. ونذرت بهم بنو بدر ثُمَّ صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة. وهي فاطمة بِنْت ربيعة بْن بدر. وابنتها جارية بِنْت مالك بْن حذيفة بْن بدر. فكان الَّذِي أخذ الجارية مسلمة بْن الأكوع فَوَهَبَهَا لِرَسُولِ اللَّه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فوهبها رَسُول اللَّهِ بعد ذَلِكَ لحزن بْن أبي وهب. وعمد قيس بْن المحسر إلى أم قرفة. وهي عجوز كبيرة. فقتلها قتلا عنيفا: ربط بين رجليها حبلا ثُمَّ ربطها بين بعيرين ثُمَّ زجرهما فذهبا فقطعاها. وقتل النعمان وَعُبَيْد اللَّه ابني مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن بدر. وقدم زيد بْن حارثة مِن وجهه ذَلِكَ فقرع باب النبي – صلى الله عليه وسلم – فقام إليه عريانا يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وسائله فأخبره بما ظفره الله به.
وكانت السابعة: غزوة مؤتة التي استشهد فيها.
7- قيادته للمسلمين في غزوة مؤتة واستشهاده:
[بعث رسول الله. ص. جَيْشَ الأُمَرَاءِ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. قَالَ فَوَثَبَ جَعْفَرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَرْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ عَلَيَّ زَيْدًا. فَقَالَ: امْضِهْ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خير] .
عَقَدَ لَهُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على النَّاسِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ وَقَدَّمَهُ عَلَى الأُمَرَاءِ. فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ كَانَ الأُمَرَاءُ يُقَاتِلُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ فَأَخَذَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ اللِّوَاءَ فَقَاتَلَ وَقَاتِلَ النَّاسُ مَعَهُ. وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى صُفُوفِهِمْ. فَقُتِلَ زَيْدٌ طَعَنَا بِالرِّمَاحِ شَهِيدًا فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وقال: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى. وَكَانَتْ مُؤْتَةُ فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَقُتِلَ زَيْدٌ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً] .
ولَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرَ وَابْنَ رَوَاحَةَ قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَذَكَرَ شَأْنَهُمْ فَبَدَأَ بِزَيْدٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَعْفَرَ وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ] .
ولَمَّا أُصِيبَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَتَاهُمُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ فَجَهَشَتْ بِنْتُ زَيْدٍ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى انْتَحَبَ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا شَوْقُ الْحَبِيبِ إِلَى حَبِيبِهِ] .
تفصيل وقائع سرية مؤتة. وهي بأدنى البلقاء. والبلقاء دون دمشق. فِي جمادى الأولى سنة ثمان من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
قَالُوا: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الحارث بْن عمير الْأَزْدِيّ أحد بني لهب إلى ملك بصرى بكتاب. فَلَمَّا نَزَلَ مُؤْتَةَ عَرَضَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْن عَمْرو الغساني فقتله وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللَّه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رسول غيره. فاشتد ذَلِكَ عَلَيْهِ وندب النّاس فأسرعوا وعسكروا بالجرف. وهم ثلاثة آلاف. [فقال رسول الله. ص: أمير الناس زيد بن حارثة. فإن قتل فجعفر بْن أَبِي طالب. فإن قتل فعبد اللَّه بْن رواحة. فإن قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه عليهم] . وعقد لَهُمْ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لواء أبيض ودفعه إلى زيد بْن حارثة وأوصاهم رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن يأتوا مقتل الحارث بْن عمير وأن يدعوا مِن هناك إلى الْإِسْلَام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم. وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف وودعهم. فلما ساروا مِن معسكرهم نادى المسلمون: دفع اللَّه عنكم وردكم صالحين غانمين! فَقَالَ ابن رواحة عند ذَلِكَ:
لكنني أسأل الرَّحْمَن مغفرة. … وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
قَالَ: فلما فصلوا مِن المدينة سَمِعَ العدو بمسيرهم فجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بْن عَمْرو فجمع أكثر مِن مائة ألف وقدم الطلائع أمامه. وقد نزل المسلمون معان مِن أرض الشأم وبلغ النّاس أن هرقل قد نزل مآب مِن أرض البلقاء فِي مائة ألف مِن بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام. فأقاموا ليلتين لينظروا فِي أمرهم وقالوا: نكتب إلى رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فنخبره الخبر. فشجعهم عَبْد اللَّه بْن رواحة عَلَى المضي.
فمضوا إلى مؤتة ووافاهم المشركون فجاء منهم ما لا قبل لأحد بِهِ مِن العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب. فالتقى المسلمون والمشركون فقاتل الأمراء يومئذ عَلَى أرجلهم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل. وقاتل المسلمون معه على صفوفهم.
حتى قتل طعنا بالرماح رحمه الله. ثم أخذ اللواء جَعْفَر بْن أَبِي طالب فنزل عَن فرس لَهُ شقراء فعرقبها فكانت أول فرس عرقبت فِي الْإِسْلَام وقاتل حتى قتل. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ضربه رَجُل مِن الروم فقطعه بنصفين. فوجد فِي أحد نصفيه بضعة وثلاثون جرحا ووجد فيما قِيلَ مِن بدن جَعْفَر اثنتان وسبعون ضربة بسيف وطعنة برمح. ثُمَّ أخذ اللواء عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رحمه اللَّه. فاصطلح النّاس عَلَى خالد بْن الوليد فأخذ اللواء وانكشف النّاس فكانت الهزيمة. فتبعهم المشركون فقتل مِن قتل مِن المسلمين ورفعت الأرض لرسول اللَّه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى نظر إلى معترك القوم. فلما أخذ خالد بن الوليد اللواء [قال رسول الله. ص: الآن حمي الوطيس!] فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم بالجرف. فجعل النّاس يحثون فِي وجوههم التراب ويقولون: يا فرار! أفررتم فِي سبيل اللَّه؟ [فيقول رسول الله. ص: ليسوا بفرار ولكنهم كرار إن شاء اللَّه!] .
وعَنْ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى الشَّامِ. فَلَمَّا رَجَعْتُ مَرَرْتُ عَلَى أَصْحَابِي وَهُمْ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ بِمُؤْتَةَ. قُلْتُ وَاللَّهِ لا أَبْرَحُ الْيَوْمَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمَرُهُمْ. فَأَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلَبِسَ السِّلاحَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَخَذَ زَيْدٌ اللِّوَاءَ وَكَانَ رَأْسَ الْقَوْمِ ثُمَّ حَمَلَ جَعْفَرٌ حَتَّى إِذَا هَمَّ أَنْ يُخَالِطَ الْعَدُوَّ رَجَعَ فَوَحَّشَ بِالسِّلاحِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ وَطَاعَنَ حَتَّى قُتِلَ. ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ زيد بن حارثة وَطَاعَنَ حَتَّى قُتِلَ. ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَطَاعَنَ حَتَّى قُتِلَ. ثُمَّ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَسْوَأَ هَزِيمَةٍ رَأَيْتُهَا قَطُّ حَتَّى لَمْ أَرَ اثْنَيْنِ جَمِيعًا. ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ثُمَّ سَعَى بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ أَمَامَ النَّاسِ رَكَزَهُ ثُمَّ قَالَ: إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ! فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَثُرُوا مَشَى بِاللِّوَاءِ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: لا آخُذُهُ مِنْكَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ. فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ:
وَاللَّهِ مَا أخذته إلا لك! فأخذ خالد اللِّوَاءَ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ أَسْوَأَ هَزِيمَةٍ رَأَيْتُهَا قَطُّ حَتَّى وَضَعَ الْمُسْلِمُونَ أَسْيَافَهُمْ حَيْثُ شَاءُوا وَقَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
فَأَخْبَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ دَخَلَ. وَكَانَ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْقَوْمِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.
ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ صَلَّى الْعَتَمَةَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ صَلاةَ الصُّبْحِ دَخَلَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَبَسَّمَ. وَكَانَ تِلْكَ السَّاعَةِ لا يَقُومُ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّي الْغَدَاةَ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ حِينَ تَبَسَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَنْفُسِنَا أَنْتَ! مَا يَعْلَمُ إِلا اللَّهُ مَا كَانَ بِنَا مِنَ الْوَجْدِ مُنْذُ رَأَيْنَا مِنْكَ الَّذِي رأينا! قال رسول الله. ص:
[كَانَ الَّذِي رَأَيْتُمْ مِنِّي أَنَّهُ أَحْزَنَنِي قَتْلُ أَصْحَابِي حَتَّى رَأَيْتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ إِخْوَانًا عَلَى سُرَرٍ مُتَقَابِلِينَ وَرَأَيْتُ فِيَ بَعْضِهِمْ إِعْرَاضًا كَأَنَّهُ كَرِهَ السَّيْفَ وَرَأَيْتُ جَعْفَرًا مَلَكًا ذَا جَنَاحَيْنِ مُضَرَّجًا بِالدِّمَاءِ مَصْبُوغَ الْقَوَادِمِ] .
8- مآثر زيد واخباره رضي الله عنه:
أ- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَسْرُورًا. قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثُونَا عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تبرق أسارير وجهه.
ب- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ كَمَا فَرَضَ لِلْبَدْرِيِّينَ أربعة آلاف. وفرض لي ثلاثة آلاف وخمس مائة فَقُلْتُ: لِمَ فَرَضْتَ لأُسَامَةَ أَكْثَرَ مِمَّا فَرَضْتَ لي ولم يشهد مشهدا وَقَدْ شَهِدْتُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْكَ وَكَانَ أَبُوهُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى الله عليه وسلم – من أبيك.
ت- بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى مَدِينَةِ مَقْنَا فَأَصَابُوا مِنْهُمْ سَبَايَا. مِنْهُمْ ضُمَيْرَةُ مَوْلَى عَلِيٍّ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِبَيْعِهِمْ وَهُمْ إِخْوَةٌ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَبْكُونَ. فَقَالَ: مَا لَهُمْ يَبْكُونَ؟ فَقَالُوا: فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ قَالَ: لا تفرقوا بينهم. بيعوهم جميعا.
ث- عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: تَصَدَّقْتُ بِفَرَسٍ فَرَأَيْتُ ابْنَتَهَا تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تَبْتَعْهَا».
ج- عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِنُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاطِعٍ»
9- أم أيمن زوجة زيد:
اسمها بركة، وكانت لأمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فورثها عن أمّه وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «أمّ أيمن أمّي بعد أمّي» . فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أم أيمن حين تزوّج خديجة، وتزوّجت عبيد بن زيد، من بني الحارث بن الخزرج، أمّ أيمن، فولدت له أيمن فصحب النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فاستشهد يوم خيبر، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، فأعتقه وزوّجه أم أيمن بعد النبوّة فولدت له أسامة.
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول لأم أيمن: «يا أمّه» . وكان إذا نظر إليها يقول «هذه بقيّة أهل بيتي» .وكانت أم أيمن تلطف النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وتقدّم عليه، فقال: «من سرّه أن يتزوّج امرأة من أهل الجنّة فليتزوّج أمّ أيمن» .فتزوّجها زيد بن حارثة.
كان النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يدخل على أم أيمن فقرّبت إليه لبنا فإمّا كان صائما وإما قال:«لا أريد» ، فأقبلت تضاحكه، فلما كان بعد وفاة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قال أبو بكر لعمر: انطلق بنا نزر أم أيمن كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يزورها، فلما دخلا عليها بكت، فقالا: ما يبكيك؟ فما عند اللَّه خير لرسوله.
قالت: أبكي أنّ وحي السماء انقطع، فهيّجتهما على البكاء، فجعلت تبكي، ويبكيان معها.