رضي الله عنه
ويكنى أبا عبد الله. أسلم عند قَدُومِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ وكان قبل ذلك يقرأ الكتب ويطلب الدين. وكان عبدا لقوم من بني قريظة فكاتبهم فأدى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كتابته. وعتق وهو إلى بني هاشم. وأول مشاهده الخندق. وقد كان نزل الكوفة وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان بن عفان.
وهو من أهل بلاد في فارس يقال لها ” رَام َهُرْمُزَ”، من قرية “جِيٍّ”.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جِيُّ. وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَلْتَمِسُ الدِّينَ فَأَخَذَنِي قَوْمٌ مِنْ كَلْبٍ فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ. ثُمَّ بَاعَنِي ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ مِنْ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَدِمَ بِيَ الْمَدِينَةَ. وَهَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَشُغِلْتُ عَنْهُ بِالرِّقِّ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ وَأُحُدٌ. ثُمَّ قَالَ لِي رسول الله. ص: كَاتِبْ. فَكَاتَبْتُ وَأَعَانَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي كِتَابِي بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَدَّيْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الْمَالِ وَعُتِقْتُ وشهدت الخندق وبقية مشاهد رسول الله ص. حُرًّا مُسْلِمًا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – :«أَنَا سَابِقُ الْعَرَبِ، وَبِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشَةِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّومِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ فَارِسَ»
[اخْتَصَمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ رَسُولُ الله. ص: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ] .
كَانَ سَلْمَانُ أَمِيرًا عَلَى الْمَدَائِنِ. وكان بالمدائن من المحدثين والفقهاء وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِالْمَدَائِنِ.
– سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قبل الإسلام.
قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جِيُّ. وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أُرْضِهِ. وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ فَمَا زَالَ فِي حُبِّهِ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ. قَالَ فَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّتِي نُوقِدُهَا لا نَتْرُكُهَا تَخْبُو. وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ وَكَانَ يُعَالِجُ بُنْيَانًا لَهُ فِي دَارِهِ فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي بُنْيَانِي كَمَا تَرَى فَانْطَلِقْ إِلَى ضَيْعَتِي فَلا تَحَبَّسَ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ شَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ ضَيْعَةٍ وَكُنْتَ أَهَمَّ عِنْدِي مِمَّا أَنَا فِيهُ. فَخَرَجْتُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ لِلنَّصَارَى فسمعت صلاتهم فيها فدخلت عليهم انظر مَا يَصْنَعُونَ فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُمْ. وَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ صَلاتِهِمْ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ. فَمَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَمَا ذَهَبْتُ إِلَى ضَيْعَةِ أَبِي وَلا رَجَعْتُ إِلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ الطَّلَبَ فِي أَثَرِي. وَقَدْ قُلْتُ لِلنَّصَارَى حِينَ أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ أَمْرِهِمْ وَصَلاتِهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ؟ قَدْ كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ وَتَقَدَّمْتُ أَلا تُحْتَبَسَ.
قَالَ قُلْتُ: إِنِّي مَرَرْتُ عَلَى نَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ أَمْرِهِمْ وَصَلاتِهُمْ وَرَأَيْتُ أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهُمْ. قَالَ قُلْتُ: كَلا وَاللَّهِ. قَالَ فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلِي حَدِيدًا وَحَبَسَنِي.
وَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّصَارَى أُخْبِرُهُمْ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ أَمَرَهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَآذِنُونِي. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْهُمْ مِنَ التُّجَّارِ فَأَرْسَلُوا إِلَيَّ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ: إِنْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ فَآذِنُونِي. فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ أَرْسَلُوا إِلَيَّ فَرَمَيْتُ بِالْحَدِيدِ مِنْ رِجْلِي ثُمَّ خَرَجْتُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ إِلَى الشَّامِ. فَلَمَّا قَدِمْتُ سَأَلْتُ عَنْ عَالِمِهِمْ فَقِيلَ لِي صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ أَسْقُفَهُمْ. قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ فَإِنِّي قَدْ رَغِبَتْ فِي دِينِكَ. قَالَ: أَقِمْ. فَكُنْتُ مَعَهُ. وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ فِي دِينِهِ.( عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَبْنَاءِ أَسَاوِرَةَ فَارِسٍ وَكُنْتُ فِي كُتَّابٍ. وَكَانَ مَعِي غُلامَانِ. فَكَانَا إِذَا رَجَعَا مِنْ عِنْدِ مُعَلِّمِهِمِا أَتَيَا قِسًّا فَدَخَلا عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا فَقَالَ لَهُمَا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تَأْتِيَانِي بِأَحَدٍ؟ قَالَ فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ حَتَّى كُنْتُ.
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا فَقَالَ لِي: إِذَا سَأَلَكَ أهلك ما حبسك؟ فقل معلمي. وإذا سَأَلَكَ مُعَلِّمُكَ مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ أَهْلِي. ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ فَقُلْتُ: أَنَا أَتَحَوَّلُ مَعَكَ.
فَتَحَوَّلْتُ مَعَهُ فَنَزَلَ قَرْيَةً فَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَأْتِيَهِ. فَلَمَّا حُضِرَ قَالَ: يَا سَلْمَانُ احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي. فَحَفَرْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ فَقَالَ لِي: صُبَّهَا عَلَى صَدْرِي. فَصَبَبْتَهَا عَلَى صَدْرِهِ. ). وَكَانَ يَأْمُرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ الأَمْوَالَ اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالِ دَنَانِيرٍ وَدَرَاهِمَ. ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعُوا لِيَدْفِنُوهُ. قَالَ قُلْتُ: تَعْلَمُونَ أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ. فَأَخْبَرْتُهُمْ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِي صَدَقَتِهِمْ. قَالَ فَقَالُوا: فَمَا عَلامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمُ عَلَى ذَلِكَ. فَأَخْرَجْتُهُ فَإِذَا سَبْعُ قِلالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا. فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لا نغيبه أَبَدًا. ثُمَّ صَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ وجاؤوا بِآخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ. قَالَ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخُمُسَ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ أَعْظَمَ رَغْبَةً فِي الآخِرَةِ وَلا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَلا أَدْأَبَ لَيْلا وَلا نَهَارًا مِنْهُ. وَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا مَا عَلِمْتُ أَنِّي أَحْبَبْتُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ. فَلَمَّا حَضَرَهُ قَدَرُهُ قُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَمَاذَا تَأْمُرُنِي وَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ. فَأَمَّا النَّاسُ فَقَدْ بَدَّلُوا وَهَلَكُوا. فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَتَيْتُ صَاحِبَ الْمَوْصِلِ فَأَخْبَرْتُهُ بِعَهْدِهِ إِلَيَّ أَنْ أَلْحَقَ بِهِ وَأَكُونَ مَعَهُ. قَالَ: أَقِمْ. فَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُقِيمَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى أَمْرِنَا إِلا رَجُلا بِنَصِيبِينَ وَهُوَ فُلانٌ فَالْحَقْ بِهِ. قَالَ فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُقِيمَ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فلان وفلان إلى فلان وفلان إِلَيْكَ. فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ. وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي وَخَبَرَ مَنْ أَوْصَى بِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَقِمْ. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ وَثَّابَ لِي شَيْءٌ حَتَّى اتَّخَذْتُ بَقَرَاتٍ وَغَنِيمَةً. ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ: إِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟
فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ. وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْبَحَ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ. وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ بِدَيْنِ إبراهيم الحنيفية يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ مُهَاجَرِهِ وَقَرَارِهِ ذَاتِ نَخْلٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَيْهِ فَاخْلُصْ وَإِنَّ بِهِ آيَاتٍ لا تَخْفَى. إِنَّهُ لا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَإِنَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتَهُ. قَالَ: وَمَاتَ فَمَرَّ بِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ بِلادِهِمْ فَأَخْبَرُونِي عَنْهَا فَقُلْتُ: أُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغَنَمِي عَلَى أَنْ تَحْمِلُونِي حَتَّى تَقْدُمُوا بِي أَرْضَكُمْ. قَالُوا: نَعَمْ. فَاحْتَمَلُونِي حَتَّى قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى فَظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ فَرَأَيْتُ بِهَا النَّخْلَ. وَطَمِعْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلْدَةَ الَّتِي وُصِفَتْ لِي وَمَا حَقَّتْ لِي وَلَكِنِّي قَدْ طَمِعْتُ حِينَ رَأَيْتُ النَّخْلَ. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ثُمَّ خرج بي حتى قدمت المدينة. فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَّفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي وَأَيْقَنْتُ أَنَّهَا هِيَ الْبَلْدَةُ الَّتِي وُصِفَتْ لِي.
إسلام سلمان:
فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَعْمَلُ لَهُ فِي نَخْلِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَخَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهُ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عمرو بن عوف. فو الله إِنِّي لَفِي رَأْسِ نَخْلَةٍ وَصَاحِبِي جَالِسٌ تَحْتِي إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيْ فُلانُ. قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ إِنَّهُمْ آنِفًا لَيَتَقَاصَفُونَ على رجل بقباء قدم من مكة فَرَجِفَتِ النَّخْلَةُ حَتَّى ظَنَنْتُ لأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي. ثُمَّ نَزَلْتُ سَرِيعًا أَقُولُ: مَاذَا تَقُولُ. مَا هَذَا الْخَبَرُ؟ قَالَ فَرَفَعَ سَيِّدِي يَدَهُ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. قُلْتُ: لا شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ. قَالَ: أَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَى عَمَلِي وَلَهِيتُ مِنْهُ. فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَيْسَ بِيَدِكَ شَيْءٌ وَإِنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ. وَأَنَّكُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَغُرْبَةٍ وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ فَلَمَّا ذُكِرَ لِي مَكَانُكُمْ رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ فَجَئْتُكُمْ بِهِ. ثُمَّ وَضَعْتُهُ لَهُ [فقال رسول الله. ص: كُلُوا] . وَأَمْسَكَ هُوَ. قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاللَّهِ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ رَجَعْتُ وَتَحَوَّلَ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة وجمعت شيئا (جمع حطبا وباعه واشترى به تمرا)، ثم جئته فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَيْتُهَا كَرَامَةً لَكَ لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ. فَأَكَلَ وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ. قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ أُخْرَى. قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدْ تَبِعَ جَنَازَةً وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ مُؤْتَزِرًا بِوَاحِدَةٍ مُرْتَدِيًا بِالأُخْرَى. قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ عَدَلْتُ لأَنْظُرَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفَ أَنِّي أُرِيدُ ذَلِكَ وَأَسْتَثْبِتُهُ. قَالَ فَقَالَ بِرِدَائِهِ فَأَلْقَاهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي. قَالَ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُ الْخَاتَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي. قَالَ فَقَالَ: تَحَوَّلْ عَنْكَ. فَتَحَوَّلْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ. فَأَحَبَّ أَنْ يُسْمِعَهُ أَصْحَابَهُ. ثُمَّ أَسْلَمْتُ.
تحرير سلمان من الرق:
وَشَغَلَنِي الرِّقُّ وَمَا كُنْتُ فِيهِ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ وَأُحُدٌ. [ثُمَّ قَالَ لِي رسول الله. ص: كَاتِبْ. فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ بِثَلاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ وَرِقٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله. ص: أَعِينُوا أَخَاكُمْ بِالنَّخْلِ. فَأَعَانَنِي كُلُّ رَجُلٍ بِقَدْرِهِ بِالثَّلاثِينَ وَالْعِشْرِينَ وَالْخُمُسَ عَشْرَةَ وَالْعَشْرَ. ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا فَإِذَا أَنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلا تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي] . فَقُمْتُ فِي تَفْقِيرِي فَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَّرْنَا شَرَبًا ثَلاثَمِائَةِ شَرْبَةٍ. وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنَ النَّخْلِ. فَإِذَا عَلِقَتْ فَأَنَا حُرٌّ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فَقَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي] . قَالَ فَآذَنْتُهُ فَجَعَلَ يَضَعُهَا بِيَدِهِ وَجَعَلَ يُسَوِّي عَلَيْهَا شَرَبَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ جَمِيعًا. إلا واحدة غرستها بيدي فعلقن جمع إلا الواحدة التي غرست.
وَعَتَقَ سَلْمَانُ وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حُرًّا مُسْلِمًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
في غزوة الخندق: س5ه.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خَطَّ الْخَنْدَقَ مِنْ أُجُمِ الشَّيْخَيْنِ طَرَفَ بَنِي حَارِثَةَ عَامَ ذُكِرَتِ الأَحْزَابُ خُطَّةً مِنَ الْمَذَادِ فَقَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارَ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَكَانَ رَجُلا قَوِيًّا. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ:
سلمان منا. وقالت الأنصار: لا بل سلمان منا. [فقال رسول الله. ص: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ] .
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَنُعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ وَسِتَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَحْتَ أَصْلِ ذُبَابٍ فَضَرَبْنَا حَتَّى بَلَغَنَا النَّدَى فَأَخْرَجَ اللَّهُ صَخْرَةً بَيْضَاءَ مُرْوَةً مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا فَقُلْتُ لِسَلْمَانَ: ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً. فَرَقَى إِلَيْهِ سَلْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ خَرَجَتْ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا فَإِمَّا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا وَالْمَعْدِلُ قَرِيبٌ أَوْ تَأْمُرَنَا بِهَا بِأَمْرِكَ فَإِنَّا لا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ. [فَقَالَ: أَرِنِي مِعْوَلَكَ يَا سَلْمَانُ. فَقَبَضَ مُعْوَلَهُ ثُمَّ هَبَطَ عَلَيْنَا فَكُنَّا عَلَى شُقَّةِ الْخَنْدَقِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَتْحًا فَضَرَبَ ضَرْبَةً صَدَعَهَا وَبَرِقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا. فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَكْبِيرَ فَتْحٍ.
فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَبَرِقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَتَّى كَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ. فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَكْبِيرَ فَتْحٍ فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَكَسَرَهَا وبرق منها برقة أضاء ما بين قبتيها فَكَبَّرَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ رَقِيَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي مَقْعَدِ سَلْمَانَ قَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ. فَالْتَفَتَ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. بِأَبِينَا أَنْتَ وَأَمِّنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ. رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ فَخَرَجَ بَرَقٌ كَالْمَوْجِ فَتُكَبِّرُ فَنُكَبِّرُ لا نَرَى ضِيَاءً غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ: صَدَقْتُمْ. ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الأُولَى فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ فَأَضَاءَ لِي مِنْهَا قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلابِ وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِيَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا. ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَ لِي مَعَهَا قُصُورُ الْحُمُرِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلابِ. وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِيَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا. ثم ضربت الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَ لِي مَعَهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلابِ وَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِيَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا يَبْلُغُهُمُ النَّصْرُ فَأَبْشِرُوا. يُرَدِّدُهَا ثَلاثًا. فَابْتَشَرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: مَوْعُودٌ صَادِقٌ بَارٌّ وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ وَالْفُتُوحَ. فَتَرَاءَوُا الأحزاب. فقال الله: «وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» الأحزاب: 22- 23. إِلَى آخِرِ الآيَةِ.]
سلمان وابو الدرداء:
آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ». صحيح البخاري (3/ 38).
ودَخَلَ سَلْمَانُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فَقِيلَ لَهُ هُوَ نَائِمٌ. قَالَ: فقال مَا لَهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ إِذَا كَانَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَحْيَاهَا وَيَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ: فَأَمَرَهُمْ فَصَنَعُوا طَعَامًا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَكَلَ.
ثُمَّ أَتَيَا النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ [فَقَالَ النبي. ص: عُوَيْمِرُ سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ وَهُوَ يَضْرِبُ عَلَى فَخِذِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرُ سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لا تَخُصَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ بَيْنَ اللَّيَالِي وَلا تَخُصَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ بين الأيام] .
حافظ سلمان على الأخوة فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالتَ: زَارَنَا سَلمانُ مِن المَدائِن إِلَى الشَّامِ مَاشِياً وَعليهِ كِساءٌ واندَرْورْد( سراويل مشمرة).
من فضائل سلمان:
وفي المدائن كَانَ عَطَاءُ سَلْمَانَ خَمْسَةَ آلافٍ ثم جعله عمر ستة آلاف وَكَانَ عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ يَخْطُبُ فِي عَبَاءَةٍ يَفْتَرِشُ نِصْفَهَا وَيَلْبَسُ نِصْفَهَا. وَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَمْضَاهُ وَيَأْكُلُ مِنْ سَفِيفِ يديه.
كان يلبس عباءة متواضعة بالية وَهُوَ أمير الناس. ورُؤيَ وعَليهِ كِساء مَطمُومُ الرَّأسِ بالٍ رث، فَقِيل لَه: شَوهْتَ نَفسَكَ. قَالَ: إِنَّ الخَيرَ خَيرُ الآخِرةِ.
عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الفارسي وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى سَرِيَّةٍ فَمَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ فِتْيَانِ الْجُنْدِ فَضَحِكُوا وَقَالُوا: هَذَا أَمِيرُكُمْ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلا تَرَى هَؤُلاءِ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: دَعْهُمْ فَإِنَّمَا الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فيما بعد الْيَوْمِ. إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ التُّرَابِ فَكُلْ مِنْهُ وَلا تَكُونَنَّ أَمِيرًا عَلَى اثْنَيْنِ. واتق دعوة المظلوم والمضطر فإنها لا تحجب.
وفي المدائن اشترى رجلٌ من أهل الشام حملاً فرأى رجلاً رث الثياب فقال له: تَعَالَ احْمِلْ فحمل، فَمَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالُوا: نَحْمِلُ عَنْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا امير المدائن سَلْمَانُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقُلْتُ: لَمْ أَعْرِفْكَ. ضَعْهُ عَافَاكَ اللَّهُ. فَأَبَى حَتَّى أَتَى بِهِ مَنْزِلِي فَقَالَ: قَدْ نَوَيْتُ فِيهِ نِيَّةً فَلا أَضَعُهُ حَتَّى أَبْلُغَ بَيْتَكَ.
وكَانَ من عادة العجم ان يسجدوا لأميرهم فكان سَلْمَانَ إِذَا سَجَدَتْ لَهُ الْعَجَمُ طأطأ رأسه وقال: خشعت لله.
من فضائله رضي الله عنه:
قَالَ النُّعْمَانَ: دَخَلْتُ مَعَ خَالِي عَلَى سَلْمَانَ بِالْمَدَائِنِ وَهُوَ يَعْمَلُ الْخُوصَ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَشْتَرِي خُوصًا بدرهم فأعمله فأبيعه دَرَاهِمَ فَأُعِيدُ دِرْهَمًا فِيهِ وَأَنْفِقُ دِرْهَمًا عَلَى عِيَالِي وَأَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ. وَلَوْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطاب نهاني عنه ما انتهيت.
كَانَ سَلْمَانُ إِذَا أَصَابَ الشَّيْءَ اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا ثُمَّ دَعَا الْمُحَدِّثِينَ فأكلوه معه. وكان إِذَا أَكَلَ قَالَ: الْحَمْدُ لله الذي كفانا المؤونة وأوسع علينا في الرزق.
قال غلام لسلمان: كَاتِبْنِي. قَالَ: أَلَكَ مَالٌ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَتَأْمُرُنِي أَنْ آكُلَ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ؟ (مال التسوّل).
وَسُرِقَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِجَارِيَتِهِ أَوْ لِغُلامِهِ: ولولا أني أخاف القصاص لضربتك.
دَخَلَ رجل عَلَى سَلْمَانَ وَهُوَ يَعْجِنُ. قَالَ فَقَالَ: أَيْنَ الْخَادِمُ؟ قَالَ: بَعَثْنَاهَا لِحَاجَةٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَجْمَعَ عَلَيْهَا عَمَلَيْنِ. قَالَ: إِنَّ فُلانًا يُقْرِئُكَ السَّلامَ. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: مُنْذُ كَمْ قَدِمْتَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تُؤَدِّهَا لكانت أمانة لم تؤدها.
حدث مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ كَانَ يستظل بالفيء حيث ما دَارَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلا أَبْنِي لَكَ بَيْتًا تَسْتَظِلُّ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَتَسْكُنُ فِيهِ مِنَ الْبَرْدِ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَدْبَرَ صَاحَ بِهِ فَسَأَلَهُ سَلْمَانُ: كَيْفَ تَبْنِيهِ؟ فَقَالَ: أَبْنِيهِ إِنْ قمت فيه أصابك رَأْسَكَ وَإِنِ اضْطَجَعْتَ فِيهِ أَصَابَ رِجْلَكَ. فَقَالَ سلمان: نعم.
قِيلَ لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: مَا يُكْرِهُكَ الإِمَارَةَ؟ قَالَ: حَلاوَةُ رضاعتها ومرارة فطامها.
العلم بعد معاذ عند أربعة:
كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ عَمِيرَةَ. وَكَانَ تِلْمِيذًا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. فَحَدَّثَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَعَدَ يَزِيدُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَبْكِي. فَنَظَرَ إِلَيْهِ مُعَاذٌ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَبْكِي لِدُنْيَا كُنْتُ أُصِيبُهَا مِنْكَ وَلَكِنِّي أَبْكِي لِمَا فَاتَنِي مِنَ الْعِلْمِ! فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إِنَّ الْعِلْمَ كَمَا هُوَ لَمْ يَذْهَبْ. فَاطْلُبِ الْعِلْمَ بَعْدِي عِنْدَ [أَرْبَعَةٍ: عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هُوَ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ.] وَعِنْدَ عُمَرَ وَلَكِنَّ عُمَرَ يُشْغَلُ عَنْكَ. وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ.
روي عنه:
قَالَ سَلْمَانُ إِنَّ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مِنْ آدَمَ رَأْسُهُ فَجُعِلَ يُخْلَقُ جَسَدُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ. قَالَ: فَبَقِيَتْ رِجْلاهُ عِنْدَ الْعَصْرِ. قَالَ: يَا رَبِّ اللَّيْلُ أَعْجِلْ قَدْ جَاءَ الليل. قال الله: «وخُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» الأنبياء: 37.
عَنْ سَلْمَانَ. قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ خَيْرًا فَأَصْبَحَ ثُلُثَا رَأْسِهِ أَبْيَضَ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فقيل له: عبرة الدُّنْيَا. وَنُورٌ فِي الآخِرَةِ.
قَالَ سَلْمَانُ لا نَؤُمُّكُمْ (يعني نحن الفرس) فِي مَسَاجِدِكُمْ وَلا نَنْكِحُ نِسَاءَكُمْ. يَعْنِي الْعَرَبَ. والأمر هنا ليس مفاضلة عرق ولا نسب ولكن يقدم للإمامة من يحسن لسانه قراءة القرآن، والزواج الناجح هو الذي لا يتسبب بصراع عادات ولا تنافر اجتماعي.
عَنِ النُّعْمَانِ أَبِي قُدَامَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي جَيْشٍ عَلَيْهِمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ. فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ سَلْمَانُ. وكَانَ يَقُولُ لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: قم فذكر قومك. (وكان زيد قائدا في جيش سلمان في جبهة الفرس في عهد عمر، وقطعت يده اليسرى في معركة نهاوند).
مع أبي بكر الصديق:
قَالَ سَلْمَانُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرَضِهِ فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ اعْهَدْ إِلَيَّ عَهْدًا فَإِنِّي لا أَرَاكَ تَعْهَدُ إِلَيَّ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: أَجَلْ يَا سَلْمَانُ إِنَّهَا سَتَكُونُ فُتُوحٌ فَلا أَعْرِفَنَّ مَا كَانَ مِنْ حَظِّكَ مِنْهَا مَا جَعَلْتَ فِي بَطْنِكَ أَوْ أَلْقَيْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ. فَلا تَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ اللَّهِ فَيَطْلُبَكَ اللَّهُ بِذِمَّتِهِ فَيُكِبَّكَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ.
مع عمر بن الخطاب:
أَنَّ سَلْمَانَ لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ(من فتوح فارس) قَالَ لِلنَّاسِ: اخْرُجُوا بنا نتلق سلمان.
كان عطاء سلمان الْفَارِسِيِّ من بيت المال فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ وَابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ثَلاثَةِ آلافِ وَخَمْسِمِائَةٍ؟ قَالُوا: إِنَّ سَلْمَانَ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَشْهَدًا لَمْ يشهده ابن عُمَرَ.
عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَمَلِكٌ أَنَا أَمْ خَلِيفَةٌ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنْ أَنْتَ جَبَيْتَ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ وَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ فَأَنْتَ مَلِكٌ غَيْرُ خَلِيفَةٍ. فَاسْتَعْبَرَ عُمَرُ. (دمعت عيناه).
مرضه ووفاته:
كانت آخر أيامه في المدائن في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكَانَ سَلْمَانُ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: سَلْمَانُ بِمِيرِ. يَقُولُ: مُتْ. فكأنه يذكر نفسه بأن الموت حق فلا يستغربنن وفي ذلك يقول الله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}.
قَالَ أَصْحَابُ سَلْمَانَ لِسَلْمَانَ: أَوْصِنَا. فَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا أَوْ فِي نَقْلِ الْقِرَاءَةِ فَلْيَمُتْ. وَلا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ فَاجِرًا وَلا خَائِنًا.
ودَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى سَلْمَانَ يَعُودُهُ. قَالَ فَبَكَى سَلْمَانُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ. وَتَلْقَى أَصْحَابَكَ. وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْحَوْضَ. قَالَ سَلْمَانُ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا وَلَكِنَّ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَهْدٌ إِلَيْنَا عَهْدًا [فَقَالَ: لِتَكُنْ بُلْغَةُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مِثْلَ زَادِ الرَّاكِبِ وَحَوْلِي هَذِهِ الأَسَاوِدُ] . قَالَ وَإِنَّمَا حَوْلَهُ جَفْنَةٌ أَوْ مَطْهَرَةٌ أَوْ إِجَّانَةٌ. قَالَ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ نَأْخُذُهُ بَعْدَكَ. فَقَالَ: يَا سَعْدُ اذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ وَعِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حكمت وعند يدك إذا قسمت.
ولما حضرته الوفاة دَعَا زوجته وَهُوَ فِي عُلَيَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ فَقَالَ: افْتَحِي هَذِهِ الأَبْوَابَ يَا بُقَيْرَةُ فَإِنَّهُ يَحْضُرُنِي اللَّيْلَةَ مَلائِكَةٌ يَجِدُونَ الريح ولا يأكلون الطعام. وإِنَّ لِيَ الْيَوْمَ زُوَّارًا لا أَدْرِي مِنْ أَيِّ هَذِهِ الأَبْوَابِ يَدْخُلُونَ عَلَيَّ. ثُمَّ دَعَا بِصرة فيها مِسْكٍ لَهُ (كان قد أَصَابَها يَوْمَ فُتِحَتْ جَلُولاءُ فَاسْتَوْدَعَهَا امْرَأَتَهُ). فَمَرَسَهَا فِي مَاءٍ ثُمَّ قَالَ: انْضَحِيهَا حَوْلِي وحَوْلَ فِرَاشِي ثُمَّ انْزِلِي. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ وَجَلَسْتُ هُنَيْهَةً فَسَمِعْتُ هَسْهَسَةً. قَالَتْ ثُمَّ صَعِدْتُ فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ أُخِذَ رُوحُهُ فَكَأَنَّمَا هُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ.
بعد الموت:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لَهُ: أَيْ أُخَيَّ. أَيُّنَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَلْيَتَرَاءَ لَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: أَوَيَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنَّ نَسَمَةَ الْمُؤْمِنِ مُخَلاةٌ تَذْهَبُ فِي الأَرْضِ حَيْثُ شَاءَتْ وَنَسَمَةُ الْكَافِرِ فِي سِجْنٍ. فَمَاتَ سَلْمَانُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ قَائِلٌ بِنِصْفِ النَّهَارِ عَلَى سَرِيرٍ لِي فَأَغْفَيْتُ إِغْفَاءَةً إِذْ جَاءَ سَلْمَانُ فقال: السلام عليك وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ؟ قَالَ: خَيْرًا . قلت: وأَيُّ الأَعْمَالِ وَجَدْتَهَا أَفْضَلَ؟ قَالَ: وَجَدْتُ التَّوَكُّلَ شَيْئًا عجيبا. عَلَيْكَ بِالتَّوَكُّلِ فَنِعْمَ الشَّيْءُ التَّوَكُّلُ. وَعَلَيْكَ بِالتَّوَكُّلِ فَنِعْمَ الشَّيْءُ التَّوَكُّلُ. وَعَلَيْكَ بِالتَّوَكُّلِ فَنِعْمَ الشيء التوكل.
خلاصة: بماذا تميّز سلمان؟
-ح: ثَكِلَتْ سَلْمَانَ أُمُّهُ لَقَدْ أُشْبِعَ مِنَ الْعِلْمِ! [تهذيب تاريخ ابن عساكر (6/ 203) ] .
وكيف اشبع من العلم؟ سأل قوم سيدنا علي عن سلمان رضي الله عنهما:أَخْبِرْنَا عَنْ سَلْمَانَ. قَالَ: أَدْرَكَ الْعِلْمَ الأَوَّلَ وَالْعِلْمَ الآخِرَ بَحْرٌ لا يُنْزَحُ قَعْرُهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ!
كل ذي عقل لم يتعلم رياءً بل أخلص في العلم وإن لم يكن مسلماً تتفتح مدارك عقله ومسامع قلبه، فإذا انتهى إليه خبر الإسلام وجد ضالته وارتاح قلبه وهدأت نفسه لما يسمع من الحق، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83]. واما من تعلم رياء فإنه يجد في الإسلام ما يدفعه إلى التواضع والإذعان فتكابر نفسه فيعاند وذلك هو الخسران المبين.