رضي الله عنه
تعريف: مُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ. بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيِّ بْن كعب بْن عَمْرو بْن أدي بْن سعد أخي سَلَمَة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج. قال: ويكنى معاذ أبا عبد الرحمن. وأمه هند بنت سهل من جهينة. وأخوه لأمه عَبْد الله بْن الجد بْن قيس من أهل بدر. وشهد معاذ العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد بَدْرًا وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سنة. وشهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلى اليمن عاملًا ومعلمًا وقُبِض رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو باليمن واستخلِف أبو بكر وهو عليها (على اليمن)، على الجند. ثم قدم مكة فوافى عمر عامئذ على الْحَجِّ.
ثُمَّ خَرَجَ مُعَاذٌ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وفقيها معلماً، حتى أصيب بالطاعون وتوفي.
إسلامه وأعماله الأولى:
اسلم معاذ كسائر فتيان الأنصار قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة على يد مصعب بن عمير والمسلمين الأوائل من الأنصار رضي الله عنهم. ثم كان من السبعين من الأنصار الذين بايعوه ليلة العقبة.
ولما أسلم فتيان بني سَلِمة؛ معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح، في فتيان منهم ممّن أسلم وشهد العقبة – كانوا يُدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حُفَر بني سَلِمة وفيها عِذَرُ الناس منكَّساً على رأسه. فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عَدَا على إلهنا في هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهَّره وطيَّبه، ثم قال: وايْمُ لله، لو أني أعلم من صنع بك هذا لأخزيَّنه. فإذا أمسى عمرو ونام عَدَوا عليه ففعلوا به مثل ذلك.
فلما أكثروا عليه إستخرجه من حيث ألقَوه يوماً، فغسله وطهَّره وطيَّبه، ثم جاء بسيفه فعلَّقه عليه ثم قال: إنِّي والله ما أعلم من يفعل بك ما ترى فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عدَوا عليه فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه معه بحبل، ثم ألقَوه في بئر من أبيار بني سَلِمة فيها عَذِرَة من عِذَر الناس. وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده مكانه الذي كان فيه، فخرج في طلبه حتى وجده في تلك البئر منكَّساً مقروناً بكلب ميت.
فلما رآه وأبصر شأنه وكلَّمه مَنْ أسلم من قومه، أسلم – يرحمه الله – وحسن إسلامه.
مع النبي صلى الله عليه وسلم:
آخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عَبْد اللَّهِ بْن مسعود. جمهما حب القرآن وحفظه وتلاوته.
أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم؛ زيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، معاذ بن جبل، وأبو زيد، رضوان الله عليهم أجمعين.
أعطى صلى الله عليه وسلم الرايات في غزوة تبوك لأكثر الناس أخذاً للقرآن، فكان معاذ بن جبل يحمل راية بني سلمة.
عن أنس بن مالك أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أصبحت يا معاذ» ؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله تعالى، قال: «إنَّ لكل قول مصداقاً، ولكل حق حقيقة، فما مصداق ما تقول» ؟ قال: يا بني الله، ما أصبحت صباحاً قط إلاَّ ظننت أنِّي لا أمسي، وما أمسيت مساء قط إلاَّ ظننت أنِّي لا أصبح، ولا خطوت خطوة إلاَّ ظظنت أَنِّي لا أتبعها أخرى، وكأني أنظر إلى كل أمة جائية تُدعى إلى كتابها معها نبيهاً وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة، قال: «عرفت فالزم» .
روى جابر بْن عَبْد اللَّهِ: أن معاذ بْن جبل صلى بالأنصار المغرب، وأن حازمًا الأنصاري لم يصبر لذلك، فغضب عليه معاذ، فأتى حازم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن معاذا طول علينا، فقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ: أفتان أنت يا معاذ، خفف عَلَى الناس، فإن فيهم المريض، والضعيف، والكبير.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بِهِ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَسَجَدَ سَجْدَةً ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسَهُ قُبِضَتْ فِيهَا، فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَجَدْتَ سَجْدَةً فَظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسَكَ قَدْ قُبِضَتْ فِيهَا، قَالَ: ” إِنِّي صَلَّيْتُ مَا كَتَبَ لِي رَبِّي، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَفْعَلُ بِأُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: يَا رَبِّ أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنِّي لَنْ أُخْزِيَكَ فِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَسَجَدْتُ لِرَبِّي بِهَا، وَرَبُّكَ شَاكِرٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ.
عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم علي وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرأهم أبي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)
وعن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس نعم الرجل معاذ بن جبل نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح
عن مجاهد قال لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكة وسار إلى حنين استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلي بالناس وخلف معاذ بن جبل يقرئهم القرآن ويفقههم.
لما سار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حنين، ترك مُعَاذَ بْن جبل بمكة يفقه أهلها، واستعمل عليها عتاب بن أسيد بعد عوده من حصن الطائف، وقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يا عتاب، تدري عَلَى من استعملتك؟ استعملتك عَلَى أهل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ولو أعلم لهم خيرًا منك استعملته عليهم “.
رفع الإسلام قدره:
عن سَعِيدِ بْنِ مسلم، قال: لم يكن أحد من كبراء قريش الذي تأخر إسلامهم، فأسلموا يَوْم الفتح، أكثر صلاة، ولا صومًا، ولا صدقة، ولا أقبل عَلَى ما يعنيه من أمر الآخرة، من سهيل بْن عمرو، حتى إنه كان قد شحب وتغير لونه، وكان كثير البكاء، رقيقًا عند قراءة القرآن، لقد رؤي يختلف إِلَى معاذ بْن جبل، يقرئه القرآن، وهو يبكى، حتى خرج معاذ من مكة، فقال له ضرار بْن الأزور: يا أبا يزيد، تختلف إِلَى هذا الخزرجي يقرئك القرآن، ألا يكون اختلافك إِلَى رجل من قومك؟ فقال: يا ضرار، هذا الذي صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق، لعمري اختلف، لقد وضع الإسلام أمر الجاهلية، ورفع اللَّه أقوامًا بالإسلام، كانوا في الجاهلية لا يذكرون، فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا،…
إيفاده إلى اليمن:
كان معاذ بن جبل رجلاً سمحاً شاباً جميلاً من أفضل شباب قومه، وكان لا يمسك شيئاً، لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، فلم يزل يَدَّان حتى أُغلِق ماله كله من الدين. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب له أن يسأل له غرماءه أن يضعوا له فأبَوا – فلو تركوا لأحد من أجل أحد تركوا للنبي صلى الله عليه وسلم ـ. فباع النبي صلى الله عليه وسلم كل ماله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميراً ليَجْبُره، وقال: «لعلَّ الله أن يَجْبُرك ويؤدِّي عنك دينك» .
أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن فقال تياسرا وتطاوعا وبشرا ولا تنفرا قال فقدما اليمن فخطب الناس معاذ بن جبل فحضهم على الإسلام وأمرهم بالصدقة والقرآن فقال إذا فعلتم ذلك فسلوني أخبركم بأهل الجنة وأهل النار فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا فقالوا لمعاذ كيف أمرتنا إذا نحن تفقهنا يعني فقال إذا ذكر أحدكم بخير فهو من أهل الجنة وإذا ذكر بسوء أو بشر فهو من أهل النار
ولما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته.
عن معاذ بن جبل قال لما بعثني النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قال لي كيف تقضي إن عرض قضاء قال قلت أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال قلت أقضي بما قضى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فإن لم يكن قضى به الرسول قال قلت أجتهد رأيي ولا آلو قال فضرب صدري وقال الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) لما يرضي رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فلما فرغ قال: «يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري» ، فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: «إن أولى الناس بي المتَّقون مَنْ كانوا وحيث كانوا».
قال عَمْرو بْن ميمون: قدم علينا مُعَاذ بْن جبل إِلَى اليمن رسولًا من عند رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ السحر، رافعًا صوته بالتكبير، وكان رجلًا حسن الصوت، فألقيت عَلَيْهِ محبتي، فما فارقته حتَّى جعلت عَلَيْهِ التراب.
قدوم معاذ بن جبل عليهم اليمن رسولا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال لنا معاذ: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم، صلوا خمسا، وصوموا شهر رمضان، وحجوا البيت من استطاع إليه سبيلا،..
ومن اليمن بعث معاذ بن جبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بخاتم من اليمن من ورق فصه حبشي كتب عليه محمد رسول الله وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتختم به ويتختم به أبو بكر ويتختم به عمر ويتختم به عثمان ست سنين من إمارته فبينا هو على بئر أريس سقط منه فنزحت البئر فلم يوجد.
في عهد أبي بكر:
قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتي الناس بالدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.
مكث معاذ باليمن أميراً – وكان أول من اتَّجر في مال الله هو – ومكث حتى أصاب (مالاً وعبيدا)، وحتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم
فوافى السنة التي حج فيها عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مكة فاستعمله أبو بكر رضي الله عنه على الحج، فالتقيا يوم التروية بها فاعتنقا وعزّى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخلدا إلى الأرض يتحدَّثان، فرأى عمر عند معاذ غلماناً. أي مماليك، فقال: ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء أُهدوا لي، وهؤلاء لأبي بكر (أي لبيت مال المسلمين). فقال له عمر: إني أرى لك أن تأتي بهم أبا بكر. قال: فلقيه من الغد، فقال: يا ابن الخطاب لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إِلى النار وأنت آخذ بحُجْزَتي، وما أُراني إِلا مطيعك. قال: فأتى بهم أبا بكر فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لك. قال: فإنَّا قد سلمنا لك هديتك، فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلُّون خلفه، فقال معاذ: لمن تصلون؟ قالوا: لله عزّ وجلّ، فقال: أفأنتم له، فأعتقهم.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب يقول: خرج معاذ إِلى الشام لقد أخلّ خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى ليّ وقال: رجل أراد وجهاً يريد الشهادة فلا أحبسه. فقلت: والله إنَّ الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته عظيم الغنى عن مِصره.
معركة اليرموك: التشكيل: خرج بهم أبو عبيدة وقد جعل على ميمنته معاذ بن جبل وعلى ميسرته قثامة بن أسامة الكنانة وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعلى الخيل خالد بن الوليد وكان الأمراء عمرو بن العاص على ربع ويزيد بن أبي سفيان على ربع وشرحبيل بن حسنة على ربع وكان أبو عبيدة على ربع.
وجعل كل قائد يعظ على جهته، وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول يا أهل القرآن ومستحفظي الكتاب وأنصار الهدى والحق والرحمة إن رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني ولا يؤتي الله تعالى المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق ألم تسمعوا لقول الله عز وجل ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ” إلى آخر الآية واستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فرارا عن عدوكم وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره يمشي في الصفوف ويذكرهم حتى إذا بلغ من ذلك ما أحب ورأى من الناس الذي سره لهم ثم حرضهم وانصرف إلى موقفه رحمه الله.
فبرز معاذ بن جبل فنادى المسلمين يا معشر أهل الإسلام إنهم قد تهيؤا للشدة ولا والله لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء والصبر عند القراع قالوا ثم نزل عن فرسه وقال من يريد فرسا يركبه ويقاتل عليه قال فوثب ابنه عبد الرحمن وهو غلام حين احتلم فأخذه فقال يا أبة إني لأرجوه أن لا يكون فارسا أعظم غناء في المسلمين مني فارس وأنت يا أبة راجل أعظم غناء منك فارس الرجالة هم عظم المسلمين فإذا رأوك حافظا مترجلا صبروا إن شاء الله تعالى وحافظوا قال فقال أبوه وفقني الله وإياك يا بني قال ثم إن الروم تداعوا وتحاضوا وذكرتهم الأساقفة والرهبان قال فجعل معاذ إذا سمع ذلك منهم يقول اللهم زلزل أقدامهم وأرعب قلوبهم وأنزل علينا السكينة وألزمنا كلمة التقوى وحبب إلينا اللقاء ورضنا بالقضاء وخرج باهان صاحب الروم فجال فيهم حتى وقف وأمرهم بالصبر والقتال دون ذراريهم وأموالهم وسلطانهم ثم بعث إلى صاحب الميسرة أن احمل وهو الاذربيجان وكان عدو الله متنسكا فقال للبطارقة والرؤوس الذين معه قد أمركم أميركم أن تحملوا قالوا فتهيأت البطارقة فشدت على الميمنة وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وحمير.
في عهد عمر بن الخطاب:
عن سُوَيد بن غَفْلة رضي الله عنه قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام قام إليه رجل من أهل الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ رجلاً من المؤمنين صنع بي ما ترى، فقال: – وهو مشجوج مضروب -. فغضب عمر رضي الله عنه غضباً شديداً، ثم قال لصهيب رضي الله عنه: إنطلق وانظر مَنْ صاحبه فأتني به. فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، فقال: إن أمير المؤمنين قد غضب عليك غضباً شديداً فأتِ معاذ بن جبل فلْيكلِّمْه، فإنِّي أخاف أن يَعْجَل إليك. فلما قضى عمر الصلاة قال: أين صهيب؟ أجئت بالرجل؟ قال: نعم. وقد كان عوف أتى معاذاً فأخبره بقصته، فقام معاذ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تَعْجَل إليه. فقال له عمر: ما لك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيت هذا يسوق بامرأة مسلمة على حمار، فنخس بها ليصرع بها، فلم يصرع بها، فدفعها فصُرِعت فغَشِيَها أو أكب عليها. فقال له: إئتني بالمرأة فلتصدِّق ما قلت. فأتاها عوف فقال له أبوها وزوجها: ما أردت إلى صاحبتنا قد فضحتنا. فقالت: والله لأذهبنَّ معه، فقال أبوها وزوجها: نحن نذهب فنبلِّغ عنك. فأتيا عمر رضي الله عنه فأخبراه بمثل قول عوف، وأمر عمر باليهودي فصُلِب. وقال: ما على هذا صالحناكم، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله في ذمَّة محمد، فمن فعل منهم هذا فلا ذمَّة له. قال سويد: فذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في الإِسلام.
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام: إذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: إجعل هذه في بعض حاجتك، فقال وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالَي يا جارية، إذهبي بهذه السبعة إِلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفدها. ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال: إذهب بها إلى معاذ بن جبل وتَلَهَّ في البيت حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: إجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعالَي يا جارية، إذهبي إلى بيت فلان بكذا، إذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطَّلعت إمرأة معاذ وقالت: ونحن – والله – مساكين فأَعطِنا، فلم يبقَ في الخرقة إلا ديناران، فدحى بهما إليها؛ ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض. وخرج معاذ بعد ذلك إلى الشام.
كان عمر بن الخطاب يقول حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به ولقد كنت كلمت أبا بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى علي وقال رجل أراد وجها يريد الشهادة فلا أحبسه فقلت والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي وقال ابن شجاع وهو في بيته عظيم الغنى عن مصره.
وكان يشهد على كتب الصلح التي يعقدها قادة الجيوش لنه كان من كبار امراء الجيش: فلما صالح عمر بالجابية (من بلاد الشام)، كتب كتابا ووضع عليهم الجزية وكتب (بسم الله الرحمن الرحيم:) أنتم امنون على دمائكم وأموالكم وكنائسكم ما لم تحدثوا أو تؤوا محدثا فمن أحدث منهم أو اوى محدثا فقد برئت منه ذمة الله وأني برئ من معرة الجيش شهد معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وكتب أبي بن كعب.
وخطب عمر بن الحطاب الناس بالجابية فقال من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاد بن جبل ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله تعالى جعلني له خازنا وقاسما.
نزل عمر بن الخطاب الجابية قال فمر معاذ بن جبل وهو في مجلس قال فقال له يا معاذ ائتني ولا يأتيني معك أحد قال يا معاذ ما قيام هذا الأمر قال الصلاة وهي الملة قال ثم مه قال ثم الطاعة وسيكون اختلاف قال فقال له عمر حسبي وأراد أن يزيده قال فلما ولي عمر قال معاذ أما ورب معاذ ما سنيّك بشر سنيّهم قال وأخبرني أنه سمع عمر يدعو على المنبر يقول اللهم ثبتنا على أمرك واعصمنا بحبلك وارزقنا من فضلك.
قال عمر لو أدركت معاذ بن جبل فاستخلفته فلقيت ربي فسألني عن ذلك لقلت سمعت نبيك (صلى الله عليه وسلم) يقول إذا حضرت العلماء ربهم يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم بقذفه حجر
وكان عمر يستشير في خلافته إذا حزبه الأمر أهل الشورى ومن الأنصار معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت.
مكانته بين الصحابة رضي الله عنهم اجمعين:
عَنْ أنس ابن مالك قال: [قال رسول الله. ص: أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ] .
عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فقلت غلط أبو عبد الرحمن إنما قال الله ” إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ” قال فأعادها علي فقال إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فعرفت أنه تعمد الأمر تعمدا فسكت فقال أتدري ما الأمة وما القانت قلت الله أعلم فقال الأمة الذي يعلم الناس الخير والقانت المطيع لله ولرسوله وكذلك كان معاذ كان يعلم الخير وكان مطيعا لله ولرسوله.
ومن وقار معاذ بن جبل رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا تحدّثوا وفيهم معاذ بن جبل رضي الله عنه نظروا إليه هيبة له.
عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ فَإِذَا فِيهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاثِينَ كَهْلا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَإِذَا فِيهِمْ شَابٌّ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ بَرَّاقُ الثَّنَايَا سَاكِتٌ لا يَتَكَلَّمُ فَإِذَا امْتَرَى الْقَوْمُ فِي شَيْءٍ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَسَأَلُوهُ. فَقُلْتُ لِجَلِيسٍ لِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.
ولما انطلق أبو عبيدة بن الجراح من الجابية إلى بيت المقدس للصلاة استخلف على الناس معاذ بن جبل.
عن أبي إدريس الخولاني عن يزيد بن عميرة الزبيدي قال لما حضر معاذ بن جبل الموت قال التمسوا العلم عند أربعة رهط عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول إنه عاشر عشرة في الجنة
عن معاذ بن جبل قال خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويمينه في يد أبي بكر ويساره في يد عمر وعلي آخذ بطرف ردائه وعثمان من خلفه فقال هكذا ورب الكعبة ندخل الجنة
عن معاذ بن جبل قال كنت ردف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حمار يقال له عفير فقال يا معاذ هل تدري ما حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحقهم على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا قال فقلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا.
كان عبد الله بن عمرو يقول حدَّثونا عن العاقلين فيقال له من العاقلان فيقول معاذ بن جبل وأبو الدرداء
لسان دافيء: حتى هنا
قال كعب بن مالك: ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك. فقال – وهو جالس في القوم بتبوك -: «ما فعل كعب؟» فقال رجل من بني سِلمة؛ يا رسول الله، حبسه بُراده ونَظَرُه في عِطْفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إِلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تُخْبِرُنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ» ثُمَّ قَالَ: «أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]- حَتَّى – {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» ، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ «ثُمَّ قَالَ:» أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ «، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ:» اكْفُفْ عَلَيْكَ هَذَا «، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَإِنَّا لَمَأْخُوذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ؟ قَالَ:» ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ – أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ “
من فقه معاذ وورعه رضي الله عنه:
قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: -ح: «يأتي أمام العلماء برتوة»…وفي رواية بقذفة حجر. وقال عمر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة.
عن أبي سعيد أن معاذ بن جبل دخل المسجد ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) ساجد فسجد معاذ مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلما سلم النبي (صلى الله عليه وسلم) قضى ما سبقه فقال له رجل كيف صنعت سجدت ولم تعتد بالركعة قال لم أكن لأرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حال إلا أحببت أن أكون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيها فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسره وقال هذه سنة لكم.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى فشاور عمر الناس في رجمها فقال معاذ بن جبل يا أمير المؤمنين إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع فتركها فولدت غلاما قد خرجت ثنيتاه فعرف الرجل الشبه فيه فقال ابني ورب الكعبة فقال عمر عجزت النساء أن تلدن مثل معاذ رضي الله عنهـ لولا معاذ هلك عمر.
أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قالت: «طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله تعالى، فإنَّ له بكل كلمة سبعين ألف حسنة، كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد» . قيل: يا رسول الله النفقة؟ قال: «النفقة على قدر ذلك» . قال بعد الرحمن: فقلت لمعاذ رضي الله عنه: إنّما النفقة بسبع مائة ضعف. فقال معاذ: قلّ فهمك إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون بين أهليهم غير غُزاة. فإذا غزوا وأنفقوا خبَّأ الله لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد ووصفهم، فأولئك حزب الله، وحزب الله هم الغالبون.
أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه كانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ من بيت الأخرى، و لم يشرب من بيتها الماء. ثم توفيتا في السقم الذي أَصابهما بالشام والناس في شغل، فدفنتا في حفرة فأسهم بينهما أَيتهما تقدّم في القبر.
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه مرَّ بمعاذ ابن جبل رضي الله عنه وهو قائم على بابه يشير بيده كأنه يحدِّث نفس، فقال له عبد الله بن عمور: ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدِّث نفسك؟ قال: ما لي يريد عدوُ الله أن يُلفتني عما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكابد دهرك في بيتك؟ ألاَ تخرج إلى المجلس؟ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خرج في سبيل الله كان ضامناً على الله، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله عز وجل، ومن غدا إلى المسجد، أو راح كان ضامناً على الله عز وجل، ومن دخل على إمام يُعزِّره كان ضامناً على الله عز وجل، ومن جلس في بيته لم يغتب أحداً بسوء كان ضامناً على الله عز وجل» ، فيريد أن يخرجني عدو الله من بيتي إلى المجلس.
قال معاذ : من سرَّه أن يأتي الله عز وجل آمناً فليأت هذه الصلوات الخمس حيث ينادي بهن، فإنهن من سنن الهدى، وممّا سنه لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا يقل: إنَّ لي مصلَّى في بيتي فأصلِّي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم.
عن سلمة ابن سبرة: خطبنا معاذ بن جبل فقال أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة والله لأني لأطمع أن يكون عامة من تصيبون من أهل فارس والروم في الجنة لأن أحدهم يعمل لكم العمل فيقول: أحسنت بارك الله فيك والله يقول ” ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله “.
عن مالك بن يخامر قال رأيت النساء حول حجرة معاذ بن جبل بالجابية يوم الأضحى يذبحن لأنفسهن ويكبِّرن.
مرض ابي عبيدة:
لما طُعن أبو عبيدة رضي الله عنه قال: يا معاذُ صلِّ بالناس، فصلى معاذ بالناس، ثم مات أبو عبيدة بن الجراح، فقام معاذ في الناس فقال: (يا أيّها الناس، توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحاً فإِن عبد الله لا يلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أَن يغفر له. ثم قال: إنكم أيها الناس، قد فُجِعتم برجل – والله – ما أَزعم أَني رأيت من عباد الله عبداً قطُّ أَقل غِمْراً، ولا أبرأ صدراً، ولا أَبعد غائلة، ولا أَشد حباً للعاقبة، ولا أَنصح للعامة منه، فترحَّموا عليه ثم أَصْحِروا للصلاة عليه، فوالله لا يلي عليكم مثله أبداً) . فاجتمع الناس وأُخرج أَبو عبيدة رضي الله عنه وتقدَّم معاذ رضي الله عنه فصلّى عليه، حتى إذا أُتي به قبره دخل قبره معاذ بن جبل وعمرو ابن العاص والضحَّاك بن قيس، فلما وضعوه في لحده وخرجوا فشنّوا عليه التراب، فقال معاذ بن جبل: (يا أبا عبيدة، لأثنِيَنَّ عليك ولا أقول باطلاً أَخاف أَن يلحقني بها من الله مَقْتٌ: كنتَ – والله – ما علمتُ من الذاكرين الله كثيراً، ومن الذين يمشون على الأَرض هَوْناً وإِذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، ومن الذين إِذا أَنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتُروا وكان بين ذلك قواماً، وكنت والله من المُخبتين، المتواضعين، الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويُبغضون الخائنين المتكبرين) .
مرض معاذ ووفاته:
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تنزلون منزلا يقال له الجابية يصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل تستشهد فيه أنفسكم وذراريكم وتزكي به أعمالكم.
ولَمَّا أُصِيبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ اسْتَخْلَفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَاشْتَدَّ الْوَجَعُ فَقَالَ النَّاسُ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: ادْعُ اللَّهَ يَرْفَعْ عَنَّا هَذَا الرِّجْزَ. قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِرِجْزٍ وَلَكِنَّهُ دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَشَهَادَةٌ يَخْتَصُّ اللَّهُ بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ. اللَّهُمَّ أَدِّ آلَ مُعَاذٍ نَصِيبَهُمُ الأَوْفَى مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ. فَطُعِنَ ابْنَاهُ فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدَانِكُمَا؟ قَالا: يَا أَبَانَا الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. * فَقَالَ:
وَأَنَا سَتَجِدَانِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ثُمَّ. طُعِنَتِ امْرَأَتَاهُ فَهَلَكَتَا. وَطُعِنَ هُوَ فِي إِبْهَامِهِ فَجَعَلَ يَمُصُّهَا بِفِيهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهَا صَغِيرَةٌ فَبَارِكْ فِيهَا فَإِنَّكَ تُبَارِكُ فِي الصَّغِيرِ. حَتَّى هَلَكَ.
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمِيرَةَ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ: إِنِّي:
قال معاذ بن جبل اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذا البلاء قال فطعنت له امرأتان فماتتا ثم طعن ابن معاذ فدخل عليه فقال ” الحق من ربك فلا تكن من الممترين ” فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين ” قال ثم مات ابنه ذلك فدفنه معاذ ثم طعن معاذ بن جبل فقال جَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ يَمُوتُ اخذ يُغْمَى مَرَّةً وَيُفِيقُ مَرَّةً. فَسَمِعهُ يَقُولُ عِنْدَ إِفَاقَتِهِ رب غمني غمك فوعزتك إنك لتعلم أني أحبك قال ثم يغشى عليه فإذا أفاق قال مثل ذلك “.
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما ثقل معاذ قال ارفعوا سجفي القبة وأذنوا لمن بالباب فقال يا أيها الناس إني محدثكم بحديث لم يمنعني أن أحدثكم به إلا مخافة أن تتكلوا سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله من نفس يقين دخل الجنة.
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لما أن حضره الموت بكى فقال له: ما يبكيك؟ قال: والله لا أبكي جزعاً من الموت ولا دنيا أخلِّفها بعدي؛ ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما هما قبضتان: فقبضة في النار، وقبضة في الجنة»
وعن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَجُلا طَوِيلا أَبْيَضَ حَسَنَ الثَّغْرِ عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ مَجْمُوعَ الْحَاجِبَيْنِ جَعْدًا قَطَطًا. شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سنة أو إحدى وعشرين سنة و. خرج إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ أَنْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَبُوكًا وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَتُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ بِالشَّامِ فِي نَاحِيَةِ الأُرْدُنِّ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الخطاب وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: رُفِعَ عِيسَى – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً وَمَاتَ مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً.
قبر معاذ. رضي الله عَنْهُ. في منطقة القصير في الشونة الشمالية بالأردن بمحافظة إربد، (الأغوار الشمالية وادي اليرموك جنوبي بحيرة طبريا).
ولما مات أَبُو عبيدة استخلف معاذ بن جبل، ومات معاذ فاستخلف يزيد، ومات يزيد فاستخلف أخاه معاوية، وَكَانَ موت هؤلاء كلهم فِي طاعون عمواس سنة ثمان عشرة.
مما تعلمه من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن معاذ بن جبل قال أخذ بيدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فمشى ميلا ثم قال يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث ووفاء العهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ورحم اليتيم وحفظ الجوار وكظم الغيظ ولين الكلام وبذل السلام ولزوم الإمام والفقه في القرآن والجزع من الحساب وقصر الأمل وحسن العمل وأنهاك أن تشتم مسلما أو تصدق كاذبا أو تكذب صادقا أو تعصي إماما عادلا وأن تفسد في الأرض يا معاذ اذكر الله عند كل شجر وحجر وأحدث لكل ذنب توبة والسر بالسر والعلانية بالعلانية
عن معاذ بن جبل قال لما بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قال لي لقد علمت الذي لقيت في أمر الله وفي سببي والذي ذهب من مالك وركبك من الدين فقد طيبت لك الهدية فما أهدي لك من شئ تكرم به فهو لك هنيئا إذا قدمت عليهم فعلمهم كتاب الله وأدبهم على الأخلاق الصالحة وأنزل الناس منازلهم من الخير والشر ولا تحاب في أمر الله ولا في مال الله فإنه ليس لك ولا لأبيك وأد إليهم الحق في كل قليل أو كثير وعليك باللين والرفق في غير ترك الحق حتى يقول الجاهل قد ترك يعني الحق واعتذر إلى أهل عملك في كل أمر خشيت أن يقع في أنفسهم عليك عتب حتى يعذروك وليكن من أكبر همك الصلاة فإنها رأس سلام بعد الإقرار بالدين إذا كان الشتاء فعجل الفجر عند طلوع الفجر وأطل القراءة في غير أن تمل الناس أو تكره إليهم أمر الله وعجل الظهر حين تزول الشمس وصل العصر والمغرب على ميقات واحد في الشتاء والصيف وصل العصر والشمس بيضاء وصل المغرب حين تغرب الشمس وصل العتمة واعتم بها فإن الليل طويل وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوها وأخر الظهر بعد أن يتنفس الظل ويتحول الريح فإن الناس يقيلون وأمهلهم حتى يدركوها وصل العتمة ولا تعتم بها فإن الليل قصير وأتبع الموعظة الموعظة فإنها أقوى لهم على العمل بما يحب الله وبث في الناس المعلمين واحذر الله الذي إليه ترجع قال معاذ يا رسول الله ما سئلت عنه أو تخوصم إلي فيه مما لم أجده في كتاب الله ولم أسمعه منك قال اجتهد رأيك.
وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين اليمن وحضرموت وقال يا معاذ إنك تقدم على أهل كتاب وإنهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم أن مفاتيح الجنة لا إله إلا الله وأنها تخرق كل شئ حتى تنتهي إلى الله عز وجل لا تحجب دونه من جاء بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب فقال يعني معاذ إذا سئلت واختصم إلي فيما ليس في كتاب الله ولم أسمع منك فيه سنة فقال تواضع لله عز وجل يرفعك واستدق الدنيا تلقك الحكمة فإنه من تواضع لله عز وجل واستدق الدنيا أظهر الله الحكمة من قلبه على لسانه ولا تقضين ولا تقولن إلا بعلم فإن أشكل عليك أمر فاسأل ولا تستحي واستشر فإن المستشير معان والمستشار مؤتمن ثم اجتهد فإن الله عز وجل إن يعلم منك الصدق يوفقك فإن ألبس عليك فقف وأمسك حتى تتبينه أو تكتب إلي فيه ولا تضربن فيما لم تجد في كتاب الله ولا في سنتي على قضاء إلا عن ملأ واحذر الهوى فإنه قائد الأشقياء إلى النار وإذا قدمت عليهم فأقم فيهم كتاب الله وأحسن أدبهم وأقرئهم القرآن يحملهم القرآن على الحق وعلى الأخلاق الجميلة وأنزل الناس منازلهم فإنهم لا يستوون إلا في الحدود لا في الخير ولا في الشر على قدر ما هم عليه من ذلك ولا تحابين في أمر الله وأد إليهم الأمانة في الصغير والكبير وخذ ممن لا سبيل عليه العفو وعليك بالرفق وإذا أسأت فاعتذر إلى الناس وعاجل التوبة وإذا سروا عليك أمرا بجهالة فبين لهم حتى يعرفوا ولا تحافدهم وأمت أمر الجاهلية إلا ما حسنه الإسلام واعرض الأخلاق على أخلاق الإسلام ولا تعرضها على شئ من الأمور وتعاهد الناس في المواعظ والقصد القصد والصلاة الصلاة فإنها قوام هذا الأمر اجعلوها همكم وآثروا شغلها على الأشغال وترفقوا بالناس في كل ما عليهم ولا تفتنوهم وانظروا في وقت كل صلاة فإنه كان أرفق بهم فصلوا بهم فيه أوله وأوسطه وآخره…
جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هذا فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ تلبيبه ثم أتى به النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبره بمقالته فقام النبي (صلى الله عليه وسلم) قائما يجر رداءه حتى دخل المسجد ثم نودي أن الصلاة جامعة وقال يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبه قال فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله قال دعه إلى النار فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل.
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الملحمة الكبرى فسطاط المؤمنين بالغوطة بمدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام
-عن معاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر عبدا على خطيئة فدعا عليه فأوحى الله عز وجل إليه أن يا إبراهيم إنك عبد مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فإني أو قال فإنك من عبدي على ثلاث إما أن أخرج من صلبه ذرية يعبدوني وإما أن يتوب في آخر عمره فأتوب عليه وإما أن يتولى فإن جهنم من ورائه.
-عن أبي إدريس قال دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتى براق الثنايا وإذا الناس حوله وإذا اختلفوا في شئ أسندوه إليه فصدروا عنه فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير فوجدته يصلي فانتظرته حتى إذا قضى صلاته جئته من قبل وجهه فسلمت عليه وقلت له والله إني لأحبك قال الله فقلت الله فقال الله فقلت الله فأخذ بحبوتي وردائي فجذبني وقال أبشر فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول (قال الله عزوجل حقت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في).
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبعث الله ناقة صالح فيشرب من لبنها هو ومن آمن به من قومه ولي حوض كما بين عدن إلى عمان أكوابه عدد نجوم السماء فيستسقي الأنبياء ويبعث الله صالحا على ناقته قال [معاذ بن جبل يا رسول الله وأنت على العضباء قال أنا على البراق يخصني الله به من بين الأنبياء وفاطمة ابنتي على العضباء ويؤتى بلال على ناقه من نوق الجنة فيركبها وينادي بالأذان فيصدقه من سمعه من المؤمنين حتى يوافي المحشر ويوفى بلال بحلتين من حلل الجنة فيكساهما فأول من يكسى من المسلمين بلال وصالح المؤمنين بعد.
عن معاذ بن جبل قال إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن قال لي أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل
عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إني أحبك فقل اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك
عن معاذ بن جبل قال سيلي عليكم أمراء يعظون على منابرهم الحكمة فإذا نزلوا أنكرتم أعمالهم فخذوا أحسن ما تسمعون ودعوا ما أنكرتم من أعمالهم
عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول من حافظ على سبع تسبيحات في كل ركعة وسجدة من الصلاة المكتوبة أدخله الله الجنة
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام
عن ابن الديلمي قال: كنت ثالث ثلاثة ممن يخدم معاذ بن جبل فلما حضرته الوفاة قلنا يرحمك الله إنما صحبناك وانقطعنا إليك لمثل هذا اليوم ولتحدثنا حديثا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ننتفع به قال ساء ساعة الكذب هذه سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول من مات وهو يؤمن بثلاث أن الله حق وأن الساعة قائمة وأن الله يبعث من في القبور دخل الجنة ونجا من النار.
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
عن معاذ بن جبل قال احتبس عنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتجوز في صلاته فلما سلم دعا بصوته قال لنا على مصافكم كما انتم ثم انفتل الينا فقال اني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة اني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي تعالى في احسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك رب قال فيما يختصم الملأ الأعلى قلت لا أدري قالها ثلاث مرات قال فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد انامله بين ثديي فتجلى لي كل شئ وعرفته فقال يا محمد قلت لبيك رب قال فيم يختصم الملأ الأعلى قال قلت في الكفارات أي رب قال وما هي قال بمشي الأقدام الى المساجد في الجمعات وجلوس في المساجد بعد الصلوات وابلاغ الوضوء في الكريهات قال ثم فيم قال قلت اطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام قال قلت اللهم اني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم ان توفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب الى حبك وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انها حق فادرسوها وتعلموها.
عن معاذ بن جبل قال قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع خصال شبابه فيما أبلاه وعمره فيما أفناه وماله ومن أين اكتسبه وفيما انفقه وعن عمله ماذا عمل فيه.
عن معاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يطّلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن
عن معاذ بن جبل قال لما بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قلت يا رسول الله إن جاءني ما ليس في كتاب الله ولم أسمع منك فيه شيئا قال اجتهد رأيك فإن الله إذا علم منك الحق وفقك للحق
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وسلم)
عن معاذ بن جبل قال أتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لصلاة العشاء ليلة فأخر بها حتى ظن الظان أن قد صلى وليس بخارج ثم إنه خرج بعد فقال له قائل يا رسول الله لقد ظننا أنك صليت أو لست بخارج فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعتمر بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم. (أعتمر: بمعنى اتعبد أو أتوّج عبادتي أو أبني بنيان آخرتي).
عن الشعبي عن معاذ بن جبل قال ما خلق الله من يوم ولا ليلة إلا وللعبد فيه رزق معلوم بينه وبينه ستر فإن هو أجمل في الطلب وفاه الله رزقه ولم يهتك ستره وإن هو لم يجمل في الطلب هتك الستر ولم يزد على رزقه الذي رزقه الله شيئا.
عن معاذ قال كيف أنتم عند ثلاث دنيا تقطع رقابكم وزلة عالم وجدال منافق بالقرآن قال فسكتوا فقال معاذ بن جبل أما دنيا تقطع رقابكم فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هدي ومن لا فليس بنافعته دنياه وأما زلة عالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب واما جدال منافق بالقرآن فإن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد فما عرفتم فتمسكوا به وما أشكل عليكم فكلوه إلى عامله.
وكان معاذ بن جبل له مجلس يأتيه فيه ناس من أصحابه فيقول يا أيها الرجل وكلكم رجل اتقوا الله وسابقوا الناس إلى الله وبادروا أنفسكم إلى الله تعالى الموت وليسعكم بيوتكم ولا يضركم أن لا يعرفكم أحد.
وكان معاذ بن جبل إذا تهجد من الليل قال اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم اللهم طلبي للجنة بطئ وهربي من النار ضعيف اللهم اجعل لي عندكم هدى ترده إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
وعن الأصمعي قال بلغني أن معاذ بن جبل كان يقول إذا تعار في الليل من وسنه اللهم غارت النجوم ونامت العيون وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم فراري من النار بطئ وطلبي الجنة ضعيف وليس عندي إلا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك.
عن مكحول عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):” رحم الله أخي يحيى حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير فقال: )أللعب خلقنا؟)، فكيف بمن أدرك الحنث من مقاله”.
وعن معاذ قال: شهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إملاك رَجُل من الأنصار، فزوّجه وقَالَ:”عَلَى الخير والألفة، والطائر الميمون، والسعة فِي الرزق، دففوا عَلَى رأسه”، فجاءوا بالدف فضرب بِهِ، وجاءت الأطباق عليها فاكهة وسكر فنثرت عَلَيْهِ، فكف النَّاس أيديهم، فقال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ما لكم لا تنتهبون “؟ فقالوا: يا رَسُول اللَّه، ألم تنه عن النهبة؟ قَالَ: ” أَنَا نهيتكم عن نهبة العساكر فأمَّا العرسات فلا “، فجاذبهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاذبوه.