جمال صبحي القعقور*
نشرت مجلّة Pour La Science الفرنسية ضمن عدد شباط 2012 تحقيق بعنوان : التوقيت العالمي بحاجة الى إعادة تعريف ، ونلاحظ بأنّ الاهتمام بالوقت يتزايد يوما بعد يوم نظرا للتطورات العلمية المتسارعة و بالتالي يرى الباحثون في الكثير من المجالات أنّ الوقت بات ضيّقا لاستيعاب ومتابعة الاحداث العلمية المتسارعة. ومن جهة أخرى فان التطورات العلمية وخاصة في مجال الاتصالات و النقل قد اختصرت الكثير من الوقت وسهّلت التواصل والانتقال بين المناطق ضمن وقت أقل والحصول على المعلومات بطريقة سريعة وهكذا أصبح الانسان يستفيد من حاجات كثيرة ضمن وقت أقل مما كان عليه في السابق.
أهمية الوقت ورد في عدّة سور في القرآن الكريم وفي عدّة أحاديث للرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم ، ففي سورة العصر أقسم الله تعالى بمطلق الزمن وبالوقت {وَالْعَصْرِ} وجواب القسم هو:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} اي أنّ الانسان خاسر يوم القيامة – { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }، اذن الاستثناء من هذه الخسارة هم الذين آمنوا وعملوا وتواصوا (أي أولئك الذين لم يضيعوا وقتهم وأعملوه بالعمل والعبادة والنصح).
في الثامن من رمضان ، 3 ت2 من العام 2003 ألقى الدكتور محمد راتب النابلسي محاضرة في بيروت حول تفسير سورة “العصر” بعنوان “ادارة الوقت” وأهم ما جاء فيها:
أن أي شيء يتحرك يصبح وقتاً وأساساً، ورأس مال الانسان هو الوقت لأن الانسان هو بضع سنينوأيام وأثمن وأخطر ما يملكه الانسان هو الوقت لان الوقت الذي يمضي لايمكن تعويضه.
القسم بالوقت ينبهنا فورا الى أن الوقت أمر عظيم ، وتجنّب الخسارة يوم الحساب يحتاج الى الايمان بالله تعالى والعمل الصالح ، هذا العمل الذي يحتاج الى وقت لتنفيذه ، وأما مرور الوقت باللهو والمعاصي فهوخسارة لايمكن تعويضها حيث لاضمانة لاستمرار الحياة لأن الموت يأتي بغتة .
لقد تعودنا أن نتأثر بمقاييس دنيوية حيث التقدير والاعجاب للغني وللجميل وللذكي ، ونسينا مقاييس القرآن الكريم حيث:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا } [الأنعام: 132]، و {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. اذن حدد القرآن مقياسين للتقييم هما:العلم والعمل الصالح ، تماما كما ورد في السورة أعلاه بالاضافة الى الايمان بالله وطاعته ، هذه المقاييس هي التي تقودنا الى الفوز بالدنيا والآخرة.
إدارة الوقت موضوع هام علينا إدراكه جيّدا ، فاذا كان وقت العمل محدد لجلب الدخل والمال، فالسؤال والاستفهام هو حول وقت الفراغ الذ ي يمكن انفاقه استهلاكيا عبر الملذات والشهوات والمعاصي ودون تخطيط ، أو يمكن انفاقه بطريقة استثمارية من خلال التعلم بما أمر الله والعمل الصالح وبالتالي يصبح الوقت بالنسبة لنا نعمة كبيرة.
تكمن أهمية الوقت عند الكثيرين من خلال المثال التالي: لو مرض رجل غني مرضا شديدا تبين أنه يحتاج الى علاج مكلف يوازي كامل ثروته، فان المريض الذي يتوهم أنّه يمكنه تمديد عمره مستعد لبيع كامل ثروته لانجاز العملية أو العلاج كي يستمر في الحياة ويعيش وقتا أطول. ومن السخف أن يعتقد الناس أن الشخص الذي يحرق مليون دولار هو مجنون ، ولا يعتبرون الشخص الذي يحرق وقته على مسلسلات الكلام والقصص و المقاهي للتسلية هو أشد جنونا منه. لأن اتلاف الوقت هو أشد سفاهة من اتلاف المال.
ان من أهم ركائز نجاح أي مشروع تجاري في الدنيا هو الوقت لأنّه ركيزة كل عوامل المشروع من مواد وخدمات وأفراد ومال ، والوقت أيضاهو أساس النجاح والفوز بالجنّة التي تحتاج الى كفاح واستغلال للوقت في طاعة الله وتحتاج الى التمسّك بالحق في مواجهة الباطل هذا الصراع القديم المستمر الى يوم القيامة ، كما اننا نحتاج الى التسلّح بالصبر على طلب العلم والعمل والدعوة به ، تماما كما جاء في السورة أعلاه.
وحده العمل الصالح هو الذي يدفن مع الميت، واعلم بأنّ الماضي مفقود والمستقبل غير معلوم وليس لنا من الوقت الا الحاضر كي نستغلّه حسن الاستغلال.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُو َيَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ “. فالوقت موضوع هام في حياتنا فلنحسِن إدارته.
________________________
* jkaakour@setsintl.net