د. هارون يحيى*
قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7،8).
تتكون الذرة من نواة ، تحتوي على نيوترونات وبروتونات، وإلكترونات تدور من حولها.
أصغر مكونات الذرة من نمطين هما الكواركات(البروتونات والنيوترونات) والإلكترونات. كل مادة موجودة في الكون، و كل الروائح، وجميع النكهات وجميع الألوان، والصلابة،والليونة، وكل شيء آخر خلق من هذين العنصرين الصغيرين.
الإلكترونات دقيقة للغاية مقارنة مع النواة. ويمثل الإلكترون 1/2000 من البروتونات التي تشكل النواة.اذا وضعنا نقطة على قطعة من الورق، و فرضنا أن هذه النقطة هي نواة الذرة، إذا فالإلكترون الذي يدور حولها سيكون على بعد 50 مترًا من هذه النقطة.إذا فرضنا أن نواة الذرة هي بحجم التفاحة،ستكون الإلكترونات التي تدور حولها على بعد 50 كيلومترا من التفاحة. و سيكون من المستحيل على أي إنسان ان يقف هناك لرؤية الإلكترون.
لا يمكن لأي ضربة، أو صدمة أو إنفجار يحدث في هذا العالم أن يبدل موضع الذرة أو النواة أو الإلكترونات. حتى الكائن الحي الذي يتكون من الذرات يموت، لكن الذرات التي شكلت هذا الكائن تبقى في دوران.
الذرات التي تشكل الشجرة التي التهبت فيها النار لا تحترق ولا تزول معها، بل تبقى تدور في الهواء وتتحد مع ذرات مختلفة لإنتاج مواد جديدة.
النواة داخل الذرة تدور باستمرار. الإلكترونات تدور حول كل من النواة، وحول محاورها. والكواركات داخل النواة تدور أيضًا الى ما لا نهاية في نفس الاتجاه. كل واحد يدور بسرعة معينة. و لا ترتكب أية أخطاء ابدًا، ولا تحدث خللاً للنظام المخصص لها. الإلكترون يدور حول محوره وحول النواة في سرعة غير عادية تتراوح من 2000 إلى100,000كيلومتر في الثانية الواحدة.
ولم يصطدم أي إلكترون مع إلكترون آخر في أي وقت مضى طوال ال 15 بليون عام منذ ان خلق لأول مرة. ولا يمكن لمثل هذا التصادم ان يحدث أبدًا.
الإلكترونات تدور حول النواة في سبع مدارات مختلفة، وعدد الالكترونات التي تدور حول النواة قد تتجاوز أحيانا 100.
تقفز الإلكترونات من مداراتها إلى مدارات أخرى و تغير من أماكنها بسرعة نسبيًا عالية جدًا.لكن بالرغم من هذه السرعات والحركات الهائلة جدًا لا يحصل اي تصادم بينها(ببعضها البعض).
التبادل الإلكتروني بين اثنين من الذرات يحدث باستهلاك طاقة منخفضة للغاية. هذه نعمة عظيمة بالنسبة لنا من حيث استمرار الحياة، وهذا هو أحد الأسباب وراء وجود كل شيء، بدءًا من الخلايا في أجسامنا إلى الأشياء التي نستخدمها، و من النجوم في السماء إلى الأرض بحد ذاتها.
في لحظة واحدة هناك الكثير من نقل للطاقة الكهربائية يحدث في ادمغتنا مثل نقل الطاقة الكهربائية في عدد من النجوم في مجرة متوسطة الحجم. و هذا النقل الكهربائي ممكن الحدوث بواسطة الإلكترونات.
الإلكترونات تدور أيضا حول محاورها. وهذا معروف باسم “الغزل أو الدوران السريع”. ولو لم تكن كذلك، لتجمعت الإلكترونات كلها في مدار واحد، و لن يحدث تبادل إلكترونات، و بالتالي لن تتشكل المادة أبدا.
بينما نعتقد اننا جالسون بهدوء في المنزل، والأرض تدور حول محورها في 500 متر في الثانية الواحدة. ونحن أيضًا ندور معها. الأرض تدور حول الشمس بسرعة 30 كيلومترًا في الثانية الواحدة. ونحن أيضًا ندور معها. النظام الشمسي يدور داخل مجرة درب التبانة بسرعة 250 كيلومترًا في الثانية الواحدة. ونحن أيضًا ندور معها.
كل ذرة من ذرات أجسامنا تدور باستمرار في كل مكان حولنا وفي اي مكان نعيش فيه. كل شيء، من المجرات العملاقة وصولاً الى أصغر كوارك، تحت مراقبة وعلم الله سبحانه وتعالى، الله خالق كل شيء ورب العالمين.
قال الله عز و جل {ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم}(سورة النور – آية 64 ).
معجزة الذرة: العنصر المكون لأي شيء
عندما يموت كائن حي ما، تتلاشى الذرات المكونة له وتصبح ذرات مكونة لأشياء أخرى (شجرة، بكتيريا، أو قطرة من المطر). هذه الأجزاء الهيكلية الأساسية لكل شيء تكون جد دقيقة الحجم لدرجة أن شعرة واحدة بإمكانها إخفاء خلفها 500000 من الذرات الموضوعة فوق بعضها البعض. بعبارة أخرى، يكاد يكون مستحيلاً تخيل مقدار صغر الذرة ودقتها.
نستطيع أن نذكر المقارنة التالية من أجل فهم ما تقدم: 1 مم هو عبارة عن خط بهذا الطول:«-»، فلنتخيل أننا قسمنا هذا الخط إلى 1000 من الأجزاء المتماثلة. كل جزء إذاً يكون طوله 1 ميكرون وهو حجم الكائنات الدقيقة. ان حجم برامسيوم نموذجي يساوي 2 ميكرون (دقيق جدا)، فاذا كنا نريد رؤية هذا التركيب في قطرة ماء يتوجب علينا تكبيرها الى أن يصبح قطرها حوالي 12 م. من جهة أخرى، اذا كنا نريد رؤية الذرات في نفس هذه القطرة سيكون علينا تكبير قطرها الى طول 24 كم. و هو ما يجعل الذرات اذا تتواجد بابعاد مختلفة كليًا.
من أجل التعامل بالمقياس الذري يجب أخذ كل شريحة طولها 1 ميكرون و تقسيمها 10000 مرة وهذا هو حجم الذرة أي عشر المليون من الملمتر (1/10 مليون مم).
المقارنة التالية ستساعدنا على فهم أحسن لما سبق:
حجم ذرة ما بالمقارنة مع حجم خط بطول 1 مم هو بمثابة سمك ورقة واحدة مقارنة مع ارتفاع مبنى Empire state ،واحد من أطول المباني في الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقا لارادة الله سبحانه عز و جل، كل ما هو موجود من الكائنات مكون من ذرات بهذا الحجم العجيب، بل الأكثر إثارة للدهشة هو أن 99.9999 %من كل ذرة هو في الواقع فارغ. السبب الوحيد الذي يجعل الذرات تتجمع لتشكيل الجزيئات هو تواجد الالكترونات التي لا تحتل إلا مساحة صغيرة داخل هذه الكتلة (حيث 99.9999 %عبارة عن فراغ). و هذا ما يكمن وراء وجود الكون من شموس، جبال، ناطحات سحاب، طائرات، بشر… و كل شيء آخر.
فهل يوجد احتمال واحد أن يكون أحد العلماء الدارسين للخلايا والذرات المكونة لجسمه في المخبر قادرًا على صنع ذرة واحدة؟ بالطبع لا. لأن العلماء بعيدون جدًا عن اكتشاف جميع تفاصيل الجزيئات دون حجم الذرة. ولذلك، القوة العظيمة وروعة خلق الله، الذي يخلق مجرات بطول مليارات الكيلومترات انطلاقًا من مكونات بمقدار عشر مليون الملمتر (مم)، هما شيئان واضحان لقوم يتفكرون.
الله سبحانه وتعالى يخلق كائنات بمجرد القول لها “كن” ويزودها بتفاصيل خارقة فكل شيء يتركب من ذرات يعني أن كل ما هو موجود عبارة عن دليل كبير على هذا الخلق الرائع.
قال تعالى: {وهو الذي خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} (الأنعام: الآية 73).
______________________________
* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.harunyahya.com