أ.د. فؤاد يحيى أحمد*
مقدمة:
أولى القرآن الكريم القلب المكانة الأكبر من بين أعضاء جسم الإنسان التي ذكرت في آيات الذكر الحكيم ( حوالي 70 عضوًا ). فهو أول عضو جاء ذكره ، وهو أكثرها تكرارًا ضمن آياته ( 131 مرة ) وسنرى أن هذا ليس من قبيل المصادفة ؟! بل من المثير للدهشة والتساؤل أن كل الآيات التي ذكر فيها القلب جاء ذلك بوصفه عضوًا تناط به وظائف معرفية، مثل التدبر والتفقه والتعقل والتذكر! أو وظائف مشاعرية، مثل الرأفة والرحمة والقسوة والغلظة، وصولاًإلى الوظائف الروحية، مثل الإيمان والتقوى والهداية والزيغ وكل هذه الوظائف بعيدة كل البعد عن المعروف لدينا طبيًا؛ كمضخة عضلية قوية تضخ الدم ليل نهار، من هنا كان السؤال الجوهري والمنطقي الذي هو محور هذا البحث، وتمثل الإجابة عليهالهدف من هذا البحث: (هل وظائف وصفات القلب التي ذكرت في الآيات القرآنية حقائق طبية أم أنها مجرد ألفاظ مجازية استعملت في غير ما وضعت لمناسبة بينها وبين المعنى اللازم المنشور؟)
للإجابة على هذا السؤال سوف نبدأ بذكر أمثلة من الآيات الكريمة الدالة على هذه الوظائف والصفات القلبية، ثم ننتقل إلى الآليات الطبية التي يمكن أن تفسر هذه الوظائف.
وظائف معرفية:
قال تعالى:{ أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ القُرءَانَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد:24
{ وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَيَسْمَعٌونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ همأَضَلُّ أُوْلئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ } الأعراف:179
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فيِ الأَرَضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهاَ فإِنَّهاَ لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمى القُلُوبُ التّيِ فيِ الصُّدُورِ } الحج: 46
وظائف مشاعرية :
قال تعالى: { ثُمَّ قَفِّينَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وقفينا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرُهْبَانِيَةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلِيهِم إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعُوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتِيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}الحديد27.
{يَا أَيُّهَا النَّبيُ قُل لِمَن فيِ أَيدِيِكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِن يَعلَمِ الله فيِ قُلُوبِكُم خَيراً يُؤتِكُم خَيْراً ممَّا أُخِذَ مِنكُم وَيَغفِر لَكُم والله غَفُرٌ رَحِيمٌ } الأنفال:70
{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبًكم مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسوَةً وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأنهَارُ وإنَّ مِنهاَ لَمَا يَشَقّقُ فَيَخرُجُ مِنْهُ المَاءُ وإَنَّ مِنْها لَمَا يَهبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } البقرة:74
{وَيَذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِم وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة:15
وظائف روحية:
قال تعالى: { وَاعلَمُوا أنَّ فِيكُم رَسُولَ اللهِ لَو يُطِيعُكُم في كَثِيرٍ مِنَ الأَمرِ لَعَنِتُّم وَلَكِنَّ اللهَ حَبَبَ إَلَيكُمُ الإِيمَان وَزَيَّنَهُ فيِ قُلُوبِكُم وكرَهَ إِليكُم الكُفْر والفُسُوقَ والعِصيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ } الحجرات:7
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوِى القُلُوب } الحج:32
{مَا أَصَابَ منْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذنِ اللهِ وَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ يَهدِ قِلبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شئٍ عَلِيمٌ } التغابن:11
{ رَبَّنا لَا تُزِع قُلُوبَنَا بَعدَ إَذ هدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إنَّكَ أَنتَ الوهَابُ }آل عمران:8
ونلاحظ هنا ناحيتين هما:
الآليات البيولوجية (الطبية ) التي تفسر قيام القلب بهذه الوظائف.
الآليات الذاتية وهي عبارة عن الشبكة العصبية للقلب ويطلق عليها ( مخ القلب )
ولبيان ذلك نبدأ كلامنا عن قضية مثيرة هي :
مخ القلب ! BrainHeart
بالرغم من أن دراسة تشريح الجهاز العصبي اللا إرادي المغذي للقلب أخذت اهتماماً كبيراً طيلة عقود القرن العشرين، وأن دراسة الشبكة العصبية الداخلية للقلب في الثدييات قد بدأت في النصف الثاني من القرن نفسه. الا أن دراسة هذه الشبكة العصبية في قلب الإنسان لم تكتشف إلا في عام 1991 م. وذلك يرجع لصعوبة أخذ العينات الآدمية وكذا وجود هذه الخلايا العصبية في الدهن المغلف للقلب مما يصعب من رأيته هيستولوجياً لدى قيام العالم “أرمور” وزملائه في كندا ببحث مثير على قلوب أموات حديثي الوفاة، تم حفظها في محلول دهنت وعمل الشرائح النسيجية بصباغات خاصة خلال ساعتين على الأكثر. وقد قاموا بفحص الشرائح بالميكروسكوب الضوئي والإلكتروني وعمل صور ثلاثية الأبعاد باستعمال الكمبيوتر، مما مكنهم من الحصول على نتائج مدهشة نوجزها فيما يلي:
تتكون هذه الشبكة العصبية من العقد (ganglia ) توجد أساساً في الطبقة السطحية للقلب وبنسبة أقل في الدهن المغلف للقلب وتكون كل عقدة من خلايا هذه الشبكة العصبية (neurons ) تشبه مثيلاتها في المخ تمامًا، ويخرج منها ألياف عصبية تتصل بدورها بالخلايا الأخرى عن طريق تشابكات عصبية ( synapses ) وتختلف حجم هذه العقد بدرجة كبيرة بدءًا من تلك التي تحتوي عدة خلايا عصبية ( أقل من 5 )إلى أن تصل في بعض الأماكن إلى 200 خلية. وتتركز معظم العقد في الأذينين حيث يصل عددها حوالي 500 وعدد أقل في البطينين حوالي 100، أي حوالي 80 % منها يقع في الأذينين ( وخاصة الجزء العلوي والجدار الخلفي منهما ) وقدرت عدد الخلايا العصبية في بحث أمور السابق 14000 خلية. في حين قدرها ماك كريتى وزملائه فيما بعد ( بمعهد .M.H.I )بكاليفورنيا بـ40000 خلية عصبية داخل القلب. وقد أظهرت التجمعات تنوعاً كبيراً في الشكل والحجم من شخص لآخر بل ومن تجمع لآخر. وقد شوهد عدد من المحاور العصبية ( axons) التي تصل هذه التجمعات بعضها ببعض مكونة عدد من الدوائر العصبية المعقدة (circuits ) والتي يصل قطرها إلى 1 سم وتشبه مثيلاتها بالمخ تماماً .
وقد أظهر حجم الخلايا العصبية تفاوتاً واضحاً ( متوسط 24 ميكرون ) وكذا في عدد الزوائد المتفرعة من جسم الخلية ( محور وشجيرات ) وقد تبين أن معظم هذه الخلايا متعددة الأقطاب أي لها أكثر من شجرتين (multipolar ) مما يزيد من مدى التعقيد في الاتصالات (synapses ) بين الخلايا والدوائر العصبية للقلب. بالأضافة إلى وجود عدد أقل من ذوات المحور الواحد أو الاثنين. وقد أظهر الفحص بالميكروسكوب الإلكتروني أن غالبية هذه الخلايا تشبه خلايا الجهاز العصبي اللا إرادي وتتصل به، حيث توجد بها نواة طرفية وعدد كبير من العضيات (organelles ) داخل السيتوبلازم مما يدل على أنها خلية نشيطة من ناحية التمثيل الغذائي. أي أنها تقوم بوظائف عصبية كثيرة ومعقدة. ومن الجدير بالذكر أن الخلايا الداعمة للجهاز العصبي (glial cells) وجد مثيل لها أيضاً في هذه الشبكة العصبية للقلب. ومن المدهش أن جميع الوصلات العصبية كانت بين محور خلية وشجيرة خلية أخرى ( وليس مع جسم الخلية الأخرى ) وكان هذا هو الإختلاف الوحيد مع الجهاز العصبي المركزي. ويتيح هذا التمحور السابق عدداً أكبر من التشابكات بين الخلايا وزيادة عدد الدوائر العصبية؛ حيث أن كل خلية لها عدد من المحاور وعدد من الشجيرات. وقد وجد أيضاً عند التشابكات انتفاخات مليئة بنفس المواد الكميائية ( النواقل العصبية ) الموجودة في المخ، وعلى وجه الخصوص وجدتوفرة من الحبيبات الصفراء اللون داخل الخلية تسمى ليبوفوشين ومن المعروف أنها تميز الخلايا ذات التمثيل الغذائي النشيط والتي توجد في الأنسجة التي تعمل عمليات معقدة لفترة طويلة مثل خلايا المخ والعضلات والكبد وخلافه، مما يدل على النشاط الكبير لهذه الخلايا.
مما سبق من تحورات تشريحية ونسيجية يمكن الظن بأن العمليات التي تقوم بها هذه الشبكة قد تكون أكثر تعقيداً من مثيلتها بالمخ،بالرغم من أن عدد الخلايا أقل بالمقارنة من تلك الموجودة بالمخ ( 10مليار بالمخ ). ومن المهم هنا التفرقة بين بين هذه الخلايا العصبية وبين الخلايا المسئولة عن خروج وتوصيل النبضة الكهربائية للقلب وهي خلايا عضلية خاصة modified myocytes. وتشكل هذه الخلايا سلسلة أو جهاز توصيل conductive system يوزع النبضة الكهربائية إلى باقي عضلة القلب أي يجب أن يكون واضحاً أنها لا تمت للجهاز العصبي للقلب بصلة.
وقد أثبتت التجارب بأن توزيع هذه الشبكة العصبية لقلب الإنسان تشبه إلى حد كبير مثيلتها الموجودة في الثدييات ولكن تفوقها في الغزارة والتعقيد. وفي أحد هذه التجارب (يوان وزملائه )ثبت أن عدد الخلايا العصبية في القوارض نصف عددها في الإنسان. ونلاحظ من السابق أيضاً أن النظرة التقليدية للأذينين أن لا وظيفة لهما إلا استقبال الدم العائد من الجسم أو الرئة ولا يوجد لهما دور حتى في دفع الدم لقلة الخلايا العضلية بهما. هذه النظرة قد تغيرت تماماً بعد هذه الأبحاث الأخيرة واتضح أن الأذينين يمثلان أكثر من 80%من الجهاز العصبي للقلب ومن المدهش أن هذه الشبكة العصبية داخل القلب بلغت من التعقيد بحيث أن كثيراً من العلماء قالوا أنها قادرة على التفكير والإحساس والتذكر لدرجة أن العالم armour سنة 1991 أول من أطلق عليها المصطلح heart brain أي (مخ القلب ) وقد ذاع صيت هذا المفهوم كثيراً بعد أن أصدرت كتاباً بهذا الاسم. وإمعاناً في الدقة أفضل نقل بعض ما جاء في منشورات معهد رياضيات القلبI.H.M. نصاً في هذا الشأن.
The neurocardiologistDr. J.A.Armour in 1991 introduced the concept of a functional “heat brain”, his work revealed that the heart has a complex intrinsic nervous system that is sufficiently sophisticated to qualify as a “little brain” in its own right.This plexus includes neuronal circuits that enables it to act independently of the cranial brain to learn remember and even feel and sense.It includes 40000 neurons which detect circulating hormones and neurochemicals and can sense heart rate, and pressure information.These signals are transmitted to the different parts of the brain starting by the medulla to regulate the vital centers, that occur through the afferent autonomic impulses.
من كل ماسبق يمكن أن نتبين مدى الإعجاز العلمي للقرآن الكريم فيما يتعلق بالآيات التي جاء فيها ذكر القلب، وهو أكثر أعضاء جسم الإنسان ذكراً (131 مرة ) وقد ذكرت فيها كل الوظائف التي بدأ اكتشافها قريباً. وكما سبق أن أشرنا أعلاه فهي وظائف مشاعرية مثل الرحمة والقسوة أو معرفية مثل التدبر والتعقل أو إيمانية مثل الهداية والتقوى! فتبارك الله أحسن الخالقين، خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير. وصدق الله العظيم القائل: { سَنُرِيهِمآياتِنَا فيِ الآفَاقِ وَفيِ أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ } فصلت:53. وإتمامًا للفائدة نذكر ما قد ورد بصدد العلاقة بين المخ والقلب وهي كما يأتي: أربع آليات للتواصل بين القلب والمخ.
الآلية العصبية:
تقتصر المعلومات الطبية المتعلقة بالتغذية العصبية للقلب،والتي تدرس حتى يومنا هذا في علوم التشريح ووظائف الأعضاء، على أن الجهاز العصبيالمركزي يرسل نوعين من الأعصاب غير إرادية إلى القلب.
1_ العصب المتعاطف (sympathetic) ويساعد في حالات الأنفعال على إسراع النبض، ورفع ضغط الدم.
2_ العصب الجار متعاطف parasympathetic وهو العصب العاشر الدماغي أو العصب الغامض vagus يعمل على إكساب الجسم حالة من السكينة والاطمئنان وذلك بخفض النبض وبالتالي ضغط الدم (أي عكس السابق).
من المثير للدهشة أنه في العقدين الأخيرين أظهرت الأبحاث مفهوماً جديداً وهو أن مخ القلب يرسل إلى مخ الدماغ إشارات كهربائية efferent أكثر 80% مما يرسل المخ إلى القلبefferent 20% وذلك من خلال العصب العاشر المخي!؟. وفي محاولة لفهم طبيعة الحوار بين القلب والمخ أجريت دراسات لتتبع أين تصل نهايات العصب العاشر بالمخ، …
الآلية الهرمونية:
منذ اكتشاف أول هرمون يفرزه القلب سنة 1983 والمسمى ANH يتوالى اكتشاف المزيد من الهرمونات القلبية حتى وصلت حوالي ستة. وتفرز جميعها من الخلايا العضلية للأذين(خاصة الأيمن) مباشرة إلى مجرى الدم بالداخل، وبذلك أصبح القلب بمثابة غدة صماء كبرى!. وقد تبين أن القلب يقوم على إفراز هرموني ANH,BNH في حالات التوتر وارتفاع ضغط الدم، وهما يعملان على زيادة إدرار الصوديوم والماء من الكلى وتوسيع الشرايين المتوسطة وبالتالي على خفض ضغط الدم واكتساب حالة الطمأنينة والسكينة. وقد أثبتت التجارب في معهد رياضيات القلب بكاليفورنيا(IHM) بأن الاسترخاء أو الصلاة الإسلامية تؤدي إلى خفض ضغط الدم وإزالة التوتر وهدوء القلب مصداقًا لقوله تعالى{ألا بذكر الله تطمئن القلوب}!. ويقوم هرمون ANHعلى زيادة إفراز هرمون آخر من الغدة الفوق كلوية يسمى DHEA وهذا الأخير يحسن من صحة الجسم كله بمعنى أنه يرفع مناعة الجسم للأمراض، يساعد على إلتئام الجروح والأنسجة، يزيد من إفراز الهرمونات الجنسية وصولاً إلى زيادة حدة الرؤية من العين!؟. وبناءً على ما سبق وصف العالم McCratyهرمون ANH على أنه يضبط وظائف الجسم كلها!؟
يفرز القلب أيضاً هرمون دوبامين (dopamine) فهو أحد الهرمونات العصبية التي تفرزها مراكز المخ المسئولة عن عملية التعلم والتذكر! مما يوضح قوله تعالى {وَاتَّقوا الله وَيُعَلِّمَكُمُ الله}. وقوله تعالى:{إنَّ في ذَلِكَ لَذَكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَوْ أَلْقى السَّمْعَ وَهُوَ شَهيدٌ}وكذا فإن هذا الهرمون يكسب الإنسان حالة من البهجة والانتعاش مما يوضح العلاقة بين الراحة النفسية وعملية التعلم والتذكر!؟
أيضاً هرمون الأوكسي توسين (oxytocin) والذي يفرز أصلاً من المخ ( بالغدة النخامية ) والمدهش أنه يفرز من القلب بنفس النسبة التي يفرز بها من المخ بل إن القلب يتحكم في إفرازه من المخ ويطلق على هذا الهرمون بأنه هرمون المودة والرحمة والحب والروابط الاجتماعية(love or bonding H.) حيث يصل إلى أعلى مستوياته في الدم في هذه الحالات.
هرمون النورأدرينالين (noradrenalin) وهو الهرمون الوحيد الذي يفرزه القلب ليرفع الضغط ويزيد من حالة التوتر ( حمية الجاهلية الأولى ) أو في حالات الرعب{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله}.
بالرغم من هذا فأن له وظيفة دفاعية وعلاجية في حالات النزيف وانخفاض ضغط الدم أو حالات الكر والفر والحروب. كما يزداد إفرازه في حالات الرعب والفزع وكذا القلب القاسي والغليظ كما جاء بالآيات.
هرمون التوازن balancing h . وهو كما يدل اسمه يوازن بين الرعب والسكينة وصولاً إلى الاطمئنان. وذلك بالتحكم في كمية إفراز هرمونات التوتر وخاصة التي تفرزها الغدة الجار كلوية سواء من قشرتها مثل الكورتيزونات أو من نخاعها مثل الأدرينالين والنور أدرينالين. من كل ما سبق يمكن الزعم بأن القلب ( الأذين الأيمن ) يعتبر من أهم إن لم يكن أهم غدة صماء بالجسم!؟. أو هو الغدة المايسترو لمعظم الغدد الأخرى خاصة الغدة النخامية والغدة الفوق كلوية ومن المهم الإشارة إلى أن أربعة من هذه الهرمونات تفرز أيضاً من المخ!؟
الآلية الدموية :
هذه الآلية هي الأقدم والأشهر، فمن المعروف أن الدم هو إكسير الحياة لكل خلية من خلايا الجسم بما يحمل من غذاء وأكسجين (وقود ) وأجسام مناعية وهرمونات .. إلخ. ولا يخفى علينا الدور الرئيسي للقلب في دفع الدم وسريانه، ومن الجدير بالملاحظة أن زمن النبضة الواحدة حوالي ..ثانية واحدة وزمن تبادل المكونات والغذاء بين الدم والخلايا عند مستوى الشعيرات الدموية هي أيضاً حوالي ثانية واحدة! ومن هنا يمكن القول بأن كل نبضة من القلب هي عبارة عن دفعة غذائية وميكانكية ومناعية لكل خلية من خلايا الجسم وخاصة المخ الذي لا يستغني عن الأكسجين أكثر من 5 ثوان.
ومن الناحية الطبية فأن انقباض وانبساط عضلة القلب غير معروف مصدره حتى الآن ويوصف بأنه خاصية ذاتية للقلب (endogenous)!. والدليل على ذلك أن القلب يستمر في الحركة حتى بعد فصله عن كل الأعصاب والأوعية الدموية ( كما في عمليات القلب المفتوح). وبما أن الله هو القابض والباسط وليس القلب، من هنا يمكن الزعم أن هذا هو السبب وراء عدم ذكر هذه الوظيفة في آيات الذكر الحكيم!؟ والله تعالى أعلم بالإضافة إلى أن القلب ليس العضو العامل الوحيد المسئول عن سريان الدم بالدورة الدموية.
الآلية الكهرومغناطيسية :
أثبتت الدراسات التي أجراها العالمMcCraty وزملاؤه بمعهد رياضيات القلب IHM في كاليفورنيا أن قوة المجال الكهرومغناطيسي المنبعث من القلب تبلغ 5000 ضعف المجال المنبعث من المخ، ويمتد إلى مسافة 10 أقدم على شكل دائرة حول الجسم!.في حين أن المجال الكهربائي للقلب يبلغ 60 ضعفاً عن مثيله بالمخ!. وبناءاً على قواعد علم الفيزياء يكون القلب هو العضو الذي له اليد العليا في السيطرة على باقي أعضاء جسم الإنسان كهرومغناطيسياً، وليس المخ كما هو معتقد.
أطلق مفهوم القلب المتناغم (coherent heart) لأول مرة بواسطة McCraty سنة 1995، وهو القلب البعيد عن التوتر حيث تهدأ ضرباته إلى 60 ضربة في الدقيقة وتتميز بالانتظام (التماثل) في زمن كل نبضة، ويعتبر التعريف الأكثر شيوعاً لمفهوم القلب المتناغم هو حدوث حالة من التقارب ( التوافق ) بين الموجات الكهرومغناطيسية لأعضاء الجسم ( خاصة المخ ) مع موجات القلب المتناغم وبذلك نحصل على أفضل أداء جسماني وعقلي. وتعتبر عمليات التأمل أوالأسترخاء أو الصلوات من وسائل اكتساب حالة القلب المتناغم. ويمكن تمثيل القلب المتناغم ( المتوافق ) بمنظم الكهرباء المنزلي، فكما يحافظ الأخير على الأجهزة المنزلية يحافظ القلب على الأجهزة الجسمانية! لأن الكهرباء المنبعثة منه تكون منظمة. وفي تجربة مثيرة بمعهد IHM تبين عند تعريض شخص متوتر لأجواء استرخاء مثل الموسيقى والطبيعة الساحرة،تبدأ موجات القلب أولاً بالهدوء والانتظام تليها موجات المخ بعد بضعة دقائق (التناغم ) وأثبتت ذلك باستعمال اجهزة الرسم الكهربائي للقلب والمخ، أي أن القلب هو الذي يقود والمخ يتبعه ومن هنا كان الإعجاز العلمي للآية { ألا بذكر الله تطمئن القلوب }(وليس العقول!). ويمكن الزعم بأن القلب المطمئن يعتبر المرادف القرآني لمفهوم القلب المتناغم.
العلاقة الحميمية في الحياة الجنينية!!.
يمكن الزعم بأن العلاقة التبادلية والتشاورية المستمرة بين القلب والمخ يمكن إرجاعها لعلاقة الجوار الجغرافي في بداية الحياة الجنينية، حيث تقع الخلايا الأولية المكونة للقلب أعلى الخلايا الأولية التي ستكون المخ مباشرة وذلك في اليوم 19 من حياة الجنين!
ثم تبدأ هذه الخلايا القلبية في الإندماج والنزول تدريجيًا حتى تصل إلى الصدر مكونة القلب، وفي أثناء هذا النزول يحافظ القلب على اتصاله بالمخ عن طريق الأعصاب والأوعية الدموية وكذا التشابه الهرموني والتوافق الكهربائي وتظل العلاقة الوثيقة بينهما طوال العمر مكونة لب وجوهر الإنسان!؟
من كل ما سبق من معلومات طبية حديثة يمكن القول بكثير من الارتياح بأن القلب هو: المفتي في النواحي العصبية والمعرفية! والغدة المايسترو في النواحي الهرمونية! والمضخة الأساسية في الدورة الدموية! والمولد الأقوى في المجالات الكهرومغناطيسية!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). وهذا ما توصل إليه الطب الحديث أن القلب هو العضو الأهم في الحفاظ على الوظائف والمعدلات الطبيعية لجسم الإنسان من الناحية الجسدية والنفسية ما يطلق عليه Homeostasis”.
خاتمة:
مما سبق نتبين أوجه الإعجاز الطبي للقرآن الكريم فيما يتعلق بالمضغة الأهم في الجسم ألا وهي القلب، وندرك أن ما جاء في آيات الذكر الحكيم والسنة النبوية منذ أكثر من 1400 سنة هي وظائف علمية وحقيقية وليست مجازية تخيلية. فتبارك الله أحسن الخالقين القائل في كتابه الكريم{ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطَيفُ الخَبير} (الملك 14).
وبناءً على هذه الآية يمكن أن يكون القرآن موجهًا للأبحاث الطبية بومضاته الإعجازية! فهو القائل و قوله الحق { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين }(ص :88). وسوف تقرأ هذه الآية هكذا في كل عصر تشجيعًا لنا على الاستمرار في البحث والتدبر في الآفاق وفي الأنفس.
______________________________
* أستاذ التشريح بطب عين شمس. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملةالعودة الى الموقع www.eajaz.org