خالد حنون
عندما كانت ابنتي سارة في عمر الأربع سنوات استضافت ابنة خالها التي كانت تصغرها بحوالي السنتين على غداء لعب في بيتنا. وقتها عدت إلى البيت عند الظهر لتناول الغداء. وكانت سارة وضيفتها تلعبان في غرفة الجلوس. دخلت عليهما وقلت: السلام عليكم. وأردت الاقتراب لتقبيل الضيفة لكني تفاجأت بنفورها واستعدادها للبكاء، عندها انسحبت بسرعة تاركًا لسارة – التي أومأت لي بيدها بالابتعاد – معالجة الأمر قائلة بحزم: الآن أنا أكلمها.
ذهبت وجلست أنتظر أم البنات حتى تحضّر لي الطعام بعد حظر التجول المفروض عليّ في بيتي. في هذه الأثناء صرت أسمع همسات ووشوشات كأنهما في مفاوضات سرية تجري في بلد اسكندنافي. بعد قليل أطلت سارة وهي تمسك بيد ابنة خالها وتسحبها برفق مرددة: لا تخافي ياحبيبتي لا تخافي. لكن هذه المحاولة لم تفلح إلا بتقريب ضيفتنا مترين فقط وبقي مثلهما بيني وبينها كأرض محايدة.
بدت لي ضيفتنا أقل خوفًا لكنها أكثر حذرًا. ومع علمي أن سارة لا تدرك الفرق بين الحذر والخوف إلا أنها غيرت خطتها ليقينها الفطري أن إعطاء الطمأنينة بالكلام ليس كافيًا. فالضغط أكثر للسير باتجاهي كما يبدو سيجعل من انهمار الدموع أمرًا اكيدًا. اقتربت سارة وجلست إلى جانبي وعادت ودعت ضيفتها مجددًا للمجيء لكن ذلك قوبل بهز الكتفين. عند ذلك كان لا بد من خطوة جديدة فسارة كما أعرفها لا تكل ولا تمل.
فكرت سارة قليلا ثم رمقتني بنظرة ثم أتبعتها بأخرى باتجاه بنت خالها. وفجأة وقفت ووضعت يدها على شعري وبدأت بتمريرها نزولاً وأنا جالس أبتسم مسلوب الإرادة ولا أنوي على شيء. وما هي إلا لحظات حتى قالت سارة: انظري… إنه لا يؤذي، ألم اقل لك إنه لايؤذي؟ نظرتُ إلى سارة وضحكتُ وقلت: لاحول ولا قوة إلا بالله. لأني في تلك اللحظات تخيلت نفسي كصاحب أهل الكهف أركن في زاوية يشنقني جنزير وبجانبي صحن عليه عظمة جرمها لحام عتيق.
حالنا هذه الأيام تشبه في بعض فصولها هذه القصة. فتحبيب الناس بالإسلام أمر يجمع عليه المسلمون كلهم لكن المشكلة هي في اعداد الدعاة الى الاسلام في وقت عزّ فيه طلب العلم وفهم الأسلوب القرآني في عرض القضايا وشرحها لتصل إلى متلقيها كما يريدها الله ورسوله. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يظهرونه تشددًا، والجهاد إرهابًا، والتشاور جدلاً وهكذا. إن أمة الإسلام لا ينقصها المال ولا الرجال بل علماء دعاة وعلى طريقة: ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.
_______________________________
* على مسؤولية كاتب المقال.