خالد حنون
جاءت طفلتي هدى على عادتها في المساء لتخبرني عمّا حدث معها في المدرسة فجلست بقربي بعد أن تنهدت وقالت: احزر ماذا شاهدنا اليوم على الفيديو في المدرسة؟ قلت ماذا؟. قالت: فيلم لضرظان قلت مصححًا: طرزان. قالت: لا ضرظان. قلت: يا هدى ط ر زا ن. قالت بعصبية الصغار: ض ر ظا ن. وشدت على الظان.
لا أخفي عليكم أن تشددها هذا دفعني إلى مساءلة نفسي عن مدى صحة معلوماتي الطرزانية كونها تعود إلى أكثر من ثلاثين سنة، فربما خلال هذه الفترة حصلت أحداث لم أتابعها، كأن يكون لطرزان أخ نبت في البرازيل من غير أم مثلاً أو أن يكون طرزان نفسه تزوج ورزق بابن سماه ضرظان. من يدري؟
على كل حال تابعت الحديث مع هدى التي بدت مبهورة بطرزان. فقلت: لها صفي لي ضرظان. قالت: شاب طويل الشعر يلبس “شورت” فقط. وضحكت ووضعت يدها على فمها خجلاً من هذا الوصف، وقد بدا لي خجلها جميلاً خصوصًا أننا بتنا نفتقد هذا الخجل عند الكثيرات. قلت: هل له زوجة؟ قالت: نعم وهي مثله شعرها طويل وتلبس كما يلبس. قلت: أليس عندهم ثياب؟ قالت: لا أعرف. قلت: ألا يبردون؟ قالت: لا أعرف. قلت: ألا يؤنبهم أهلهم؟ قالت: بعد نفخة صغيرة: وحياتك لا أعرف. لكنها عادت واستدركت وكأنها تسألني: لعلهم يقلدون شيتا؟ قلت: ممكن. ولكن من هي شيتا؟ لعلها الخياطة؟ فضحكت مقهقهة وأنا أنظر إليها بجدية إلى أن قلت: لماذا تضحكين؟ قالت: يا أبي إنها سعدان، وهي رفيقة ضرظان وهي دائما على كتفه. قلت: ماذا رأيته يعمل؟ قالت: إنه طوال الوقت بنطنط على الحبال مع شيتا. قلت: ألم تشاهديه يعمل عملاً مهمًا؟ قالت: بلى ورفعت يداها في الهواء وقالت بصوت أعلى مما كانت عليه: لقد تعارك مع أسد فغلبه. ألا ترى يا أبي إنه بطل؟ قلت: وهل كل من يغلب أسدًا يصبح بطلاً. قالت باستعجاب: طبعًا.
قلت: طيب مارأيك بجدك، هل تحبينه؟ قالت: نعم. قلت: هل رأيته يرتدي ” شورتًا ” يومًا ويسير في الشارع. قالت مستنكرة: لا لا جدي حج ولا يفعل ذلك. قلت: هل رأيته يومًا ينطنط على الحبال مع شيتا؟ قالت: لا إنه يعمل ولا وقت لديه لذلك. قلت: هل شاهدت ضرظان يصلي ويذهب إلى المسجد ويستمع إلى العلماء كما يفعل جدك؟ قالت مبتسمة: لا لقد كان دائمًا يصرخ كالمجانين وهو على الحبال ليدعو إليه اصدقاءه السعادين ليجلسوا معه أو ليساعدوه على أمر ما.
قلت: وهل بعد هذا يكون ضرظان بطلا؟ قالت: فاتك يا أبي أن جدي لا يستطيع أن يغلب أسدًا.
قلت: يا ابنتي: ليس كل من يقطع طرقًا بطلاً إنما من يتقي الله البطل
قالت: لم أفهم. قلت: ستفهمين حين تكبرين، لكن الآن ارفعي يديك وقولي آمين. ففعلت. فقلت: اللهم رد لأخوات طرزان عقولهم في هذا الصيف وكل صيف يا أرحم الراحمين. ولا تجمعنا مع رفقاء طرزان يا أكرم الأكرمين واهدنا إلى عمل تحبه وترضاه ويكرهه المعجبون بطرزان. قالت: آمين ولكني لم أفهم شيئًا.