مقدمة
على رغم انفتاح المُجتمع اللبناني وتقبُّله كُلّ أنواع التكنولوجيا الحديثة، إلاّ أنّه لا يُخفى على أحد أنَّ الحفاظ على الخصوصيّة يبقى أمراً مهمّاً يأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام اللبنانيّين، ويعود ذلك لأسباب أمنيّة واجتماعيّة وثقافيّة وتربويّة وعائليّة.
أطلقت شركة «غوغل» رسميّاً نظّارة «Google Glass» التي تُعَدّ من أحدث الثورات التكنولوجيّة الحديثة، وهي عبارة عن نظّارة يُمكن ارتداؤها كأيّ نظّارة عاديّة لكنّها لا تمتلك عدسات، وتحتوي في داخلها قطعاً إلكترونيّة مُتطوِّرة ومُعالِجاً وذاكرة اتّصال لاسلكي، ما يجعلها أشبه بجهاز كمبيوتر مُتنقّل، يعتمد على تقنيّة الواقع المُعزَّز لإظهار المعلومات على شاشة صغيرة في الزاوية اليُمنى العُليا لعَين المُستخدم.
وحتّى الآن، يبدو الأمر عاديّاً، لكن إذا دخلنا في تفاصيل هذه النظّارة وخصائصها، سيتغيَّر الأمر بعض الشيء، خصوصاً إذا علمنا أنَّ نظّارات «غوغل» تملك القدرة على التصوير وتسجيل الصوت وإرسال ما يتمُّ تصويره مُباشرةً إلى أيّ جهة من خلال البثّ الحَيّ، إضافةً إلى جمعها البيانات وتخزينها وتنزيلها على الإنترنت.
أهمّ المعوقات
ومن أهمّ المعوقات التي ستواجه هذا النوع من النظّارات في لبنان، هي أنَّ مُستخدمها يُمكنه تصوير ما يشاء وأينما يشاء، من دون ملاحظة أحد، وتحميل الصور مباشرة الى الإنترنت. والأمر نفسه ينطبق على المناطق الأمنيّة ومُحيط السفارات، والأماكن التي يُحظَّر التصوير فيها. وتسمح النظّارة أيضاً بتسجيل الصوت أو تسجيل صوت وصورة لأيّ مُحادثة يُجريها مُستخدمها مع أيّ شخص آخر من دون معرفته. فهل يُمكن الوثوق بكُلّ الأشخاص الذين سيستخدمون هذه النظّارة؟
كذلك، تسمح نظّارات «غوغل» لمُستخدمها بالإستعانة بخدمة خرائط «غوغل ماب» لتُصبح النظّارة دليلاً للطُرق، حيث يصبح كلّ مُستخدم لهذه النظّارة على علم بكُلّ الطرق الفرعيّة والرئيسة على الأراضي اللبنانيّة وأيّ مكان في العالم.
كذلك يمكن للمُستخدم تحديد المسافات واستخدام الطرق البديلة. وعلى رغم أنّ هذا الأمر تُوفِّره أجهزة تحديد المواقع العالمية «GPS» إلّا أنّ الأخيرة تبقى بدائيّة مُقارنة بهذه النظّارة الذكيّة، والسبب أنّها تعتمد تقنيّة الواقع المُعزَّز وهو الأمر الأخطر.
التقنية الأخطر
إنَّ التقنية الأبرز والأخطر التي تعمل بها نظّارة «غوغل»، هي تقنيّة الواقع المُعزَّز «Augmented Reality»، وهي تقنيّة حديثة تربط بين الواقع الحقيقي وعالم الحوسبة عن طريق إظهار طبقة إفتراضيّة من المعلومات عَن كُلّ شيء تنظر إليه، حيث تتعرَّف كاميرا النظّارة إلى المشهد وتُعطي مزيداً من المعلومات عنه من خلال طبقة تظهر فوق المشهد على الشاشة وذلك بنحو فوري. بمعنى آخر، ولتبسيط الأمر، إذا نظرتَ إلى موقع أثري مثلاً، تُعطيكَ النظّارة مَعلومات عن الموقع بطريقة فوريّة، وذلك من خلال كتابة شفّافة تظهر على الموقع، تراها عندَ النظر من خلال شاشة النظّارة.
لكنَّ الأمر لا يقتصرُ فقط على التعرُّف إلى المواقع، بل من المؤكّد أنّه ستظهر لاحقاً تطبيقات غير رسميّة للنظّارة تسمح بالتعرُّف إلى الوجوه، تستمد بياناتها من مواقع التواصل الإجتماعي. وهذا الأمر سيسمح لمُستخدم النظّارة بالتعرُّف إلى أيّ شخص ومعرفة عنوانه ورقم هاتفه وهواياته وغيرها من المعلومات من خلال النظر إليه فقط.
تجدر الإشارة الى أنَّ «غوغل» نفسها، منعت موظفيها من استعمال النظّارات الذكيّة خلال اجتماعاتها المهمّة. كذلك، تعرَّض أشخاص في أميركا لإعتداءات جسديّة بسبب استخدامهم نظّارات «غوغل» في أماكن عامة. وكانت النظّارة قد أثارت مُعارضة الجماعات الحُقوقيّة، التي طالبت بحظر استعمالها في الأماكن العامّة، لأنّها تأتي مُزوّدةً بقُدرات التقاط صور رقميّة ومقاطع فيديو عبر الأوامر الصوتيّة.
_____________________
* بريد القراء نقلاً عن صحيفة الجمهورية 25/6/2014.