أ. صلاح سلام
إن سألته كيف الحال، لوى عنقه وأظهر حالة من الذل لم يضطره إليها أحد. وإن توقفت لتواسيه أطلق العنان للسانه وجعل يلقي باللائمة على الكبار والصغار والعلماء والتجار ولم يستثنِ أحدًا إلا نفسه.
يشكو من ضيق ذات اليد، ولا يكلف نفسه عناء البحث عن عمل ويفضل البطالة ومد يده على أن يقوم بعمل لا يليق به! ويشكو من قلة وفاء أولاده وعقوقهم ونسي أنه كان كذلك من قبل مع أمه وأبيه ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.
ويلوم المدارس والمدرسين الذين لم يحسنوا تعليم أولاده فخرجوا من المدرسة إلى البطالة والشارع باكرًا. ونسي أنه أساء اختيار الزوجة وفضّل الجميلة على المتعلمة و”الدلوعة” على الرصينة، حتى إذا حان موعد الالتفات إلى الأولاد وفروضهم، كان الأفندي لا يدع رحلة سياحية ولا مطعمًا ولا مقهى إلا غرف وتنعم وتمتع. وكانت هي الأسبق إلى الصالونات والمعارض.
كل الناس ملومون إلا هو وحبيبة قلبه، وأولاده مظلومون لأن المجتمع لم يعرف لهم حقًا. مضى العمر وهو في غفلة، آخرون حققوا أمانيهم وهو لا يزال يحلم ويلعن الظلام.
متى نصارح أنفسنا، ونواجه الحقائق ونرى أننا أصبحنا في الصفوف الخلفية؟ على من وعلى ماذا كان اعتمادنا؟ مثلنا كمثل الذين قالوا اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون. كلنا نفهم، ما شاء الله، في السياسة ونعطي العلامات والدرجات، وكلنا يدعي معرفة بالاقتصاد والجيوب فارغة، وكلنا يقطر ثقافة والكلام لا يجدي اذا لم يقترن بهمم عالية وأعمال محسوبة.
متى يعي كل منا حقيقة أمره وعلة مرضه ويسعى لاسترداد عافيته، وعافية أهله. قال تعالى: قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا. وصدق من قال: الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا. علنا للمصارحة مع الذات قبل المصارحة مع “الذوات” فنحن أمام أزمة وعي وإلا فإن الأزمة ستتبعها أزمات.