أ.صلاح سلام
تعلمنا في المدرسة واختبرنا في الحياة أن الانسان مدني بطبعه، يأبى الانعزال ويحن إلى الجماعة، كما بشرتنا آخر الأبحاث والتجارب العلمية في كبريات المؤسسات العالمية بأن جينات الجنس البشري مفطورة على التعاون والمشاركة والمواساة.
ومع ذلك فإن القرن الواحد والعشرين وهو الذي جاء بعد قرن من العلوم والاكتشافات والاختراعات الهامة، يشهد، رغم التفوق التكنولوجي، تفوقاً في أدوات القتل ومنافسة وصراعاً في كل الميادين، صراع التملك والسيطرة، صراع الأقوى والأشد فتكاً، وليس الصراع بين الحق والباطل أو بين الخير والشر أو بين العلم والجهل.
وهنا مكمن الخطر على عقليتنا وقيمنا وعلى عقلية أولادنا وقيمهم، فالألعاب الإلكترونية تعبر عن هذا العصر المتحلل، وهي تضج بمشاهد القتل والقتال والتفجير وكذلك مضمون أغلب الأفلام السينمائية.
وحتى “موضة” الملابس والأحذية تظهر مثل هذه العقد النفسية وتجعل من يرتديها يتوهم أنه مقاتل شرس ورامٍ ماهر وسائقٍ مخاطر، بينما هو في الحقيقة عرضة لأمراض نفسية قد ترافقه طيلة حياته وقد تخرجه من الحياة الاجتماعية والعملية لتتركه فريسة الظنون والتخيلات وتعجزه عن مواجهة متطلبات الحياة من علم وعمل ومشاركة.
في الأيام السالفة كانت حصوننا متعددة: الأسرة والعائلة والمدرسة والمسجد والمجتمع والوطن، وها هي الحصون تتداعى تباعاً حتى طرق الخطر أبواب الحصن الأخير، حيث الملاذ والدفء والحنان، وحيث أركان التربية والتوجيه والأخلاق والقيم، أعني به حصن الأسرة.
ويجري اختراق هذا الحصن من ثلاثة محاور: الأول التلفزيون يحل محل الأم والأب في التربية والتوجيه، وقد عوّد الناشئة على التعاطف مع المجرم والمنتحر والمغتصب. والثاني الانترنت ينوب عن المعلم والأستاذ بحيث يقدم أنواعاً من المعرفة بينما يدسّ في طياته في أحيان كثيرة أسوأ العلم وأسوأ المعرفة. والثالث الألعاب الإلكترونية التي لم تترك للكتاب ولا للقصة ولا للرسم ولا حتى للألعاب التربوية والتوجيهية والعلمية مكانا. ويكفي أن ننظر إلى رداءة خط اليد عند الصغار والكبار مسؤولين وعاديين لنقدر تدنّي التحصيل الثقافي عند الناس.
آن الأوان ليستدير الأهل ناحية البيت فيقللون من السهر خارجه ويخصصون للجلوس مع أولادهم وقتاً كافياً لنقل المعارف وللإطمئنان إلى أوضاعهم وعلاقاتهم، ولتصحيح أخطائهم ولتخصيصهم بالاهتمام اللازم.
لسنا بصدد تحديد المسؤليات وإلقاء اللوم، إنما هي كلمة حق لعلها تجد لها سامعاً غيوراً على أهل بيته فيسعفهم قبل فوات الأوان، وبانتظار إجراء حركة إصلاح حقيقية في المدارس والمساجد والمناهج ، ليت الآباء والأمهات يتنبهون لتدارك الأخطار التي تهدد الأسرة آخر الحصون.