بقلم أ. صلاح سلام
لماذا يسود حوار الطرشان في كل مرة يطرح فيها موضوع الزواج المدني؟ وفي كل مرة ينقسم الرأي العام اللبناني انقساماً عمودياً حاداً بحيث تتشنج المواقف وتعلو وتيرة الشعور الطائفي ونحن بغنى عن ذلك، وخاصة في ظروف حرجة مثل التي نمر بها اليوم.
المسألة ليست قانونا بالزائد أو بالناقص، هي أعمق من ذلك إنها في صلب العقيدة، ومجابهة هذا القانون تعدل، لمن يريد أن يفهم، موافقة الوالد على اعتناق ابنته او ابنه الكفر والإلحاد. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 3]. إنها مخالفة لأمر إلهي.
يا جماعة عودوا إلى ذاكرة بلادنا واسمعوا وعوا واتعظوا.
المشروع قديم ويعود إلى عهد المفتي الأكبر الشيخ محمد توفيق خالد رحمه الله، حين عرضت حكومة الانتداب مشروعاً لفصل القضاء الشرعي عن وزارة العدل مقابل بدل مادي سخي لتأسيس أوقاف خاصة بالمحاكم تدفع منها نفقات القضاء الشرعي، جاءها الرد الرافض قاطعاً من المفتي قائلاً: “ما أن تفصل المحاكم الشرعية عن وزرارة العدل حتى تعمد حكومتكم إلى إنشاء محاكم للأحوال الشخصية وفق القوانين الوضعية، وهذا ما لا نقبل به أبداً”.
ومشروع الزواج المدني هو أخ شقيق للمشروع القديم، وقد عرض على كل المفتين ولا يزال يعرض مع انتخاب كل مفتي جديد.
والذين يوعَز إليهم بتبني المشروع معروفون وكذلك القلّة التي تتظاهر في الشارع تأييداً له، لكن من الذي يوعِز به؟ أمر يثير الريبة، ويطرح استفهامات عدة: هل هي بهذه البساطة قضية بريئة لزواج بين متحابين؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ هل هو اختبار متكرر لجس عقيدة الناس وتمسكهم بدينهم أم إصرار على تمرير مشروع يفتت الأسرة اللبنانية والأسرة هي آخر المعاقل والحصون بعد أن تداعت التربية المدرسية وانحسر أثر المساجد.
المشاكل التي ستنجم عن مثل هذا المشروع أكبر من ان يحلها جهاز أو محكمة، فهي تضرب المقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية وهي لمن لا يعرفها: حفظ الدين والعقل والعرض والنفس والمال.
رفض السير في مشروع الزواج المدني، ليس تعصباً ولا تقليدا يمكن التخلي عنه، إنه في أصل العقيدة وهو من أصول الفقه والدين. وعامة الناس كما علماؤهم يرون أن من مشى في ركاب هذا القانون خسر دينه وأسرته وهدف حياته. فانصرفوا عنه إلى ما هو أكثر نفعاً رأفة بالبلاد يرحمكم الله.