أ. صلاح سلام
من وقت لآخر يسألني شبابنا من الجيل الجديد: لماذا يزدحم تاريخنا المعاصر بالهزائم بينما يزخر تاريخنا القديم بالنصر والفتوحات؟ وأين موقع الخلل؟ هل هو في عجزنا عن فهم الواقع أم في تخلف العقيدة أم في تكالب الأمم علينا؟
المشكلة الأولى أن جيل الشباب يريد إجابة مقتضبة وحلاً آنيًا سريعًا والاجابة المقتضبة تعني شرحًا مجتزأً لأمرٍ استغرق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين عامًا حتى أدركوه فاعتمدوه فكان لهم الفتح الذي أرادوه. فالحضارة تراكم والإعداد تواصل وتوارث، وثمة من يضع القواعد ليكمل البناء من يأتي بعده وهكذا…
والمعضلة الثانية أن جيل الشباب يضع السلاح في المقام الأوّل، وقد علمتنا الأيام أن المقام الأوّل هو للقلوب والعقول التي ستحمل السلاح قبل السواعد وقبل الذخائر. إذ أن قوة العقيدة هي التي تولد قوة الارادة وقوة الارادة تجعل سلاح الحق يصمد وسلاح الباطل يصمت. ومن يتشدق لا ينتج.
والمعضلة الثالثة أن ما من قوم يعدون العدة المادية والعقائدية إلا تحقق لهم ما أرادوا إلا المؤمنين فإن نصرهم مشروط.
بالنص في الكتاب العزيز وبالبرهان من التاريخ المجيد يجب أن يعلم المؤمنون ومن يلوذ بملاذهم انهم حملة رسالة سامية ونبيلة وخالدة يشكل الأكل والشرب والنكاح والعيش الرغيد خلالها جزءًا من الحياة وليس كلَّ الحياة. وهو مباح للناس كل الناس. اما ما اختص به عباده المؤمنين فهو أمور أخرى أعمق وأبلغ وأهم.
أولها: أن النصر من عند الله وليس من عند أنفسنا لقوله تعالى: {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} (آل عمران-126).
وثانيها: أن النصر مشروط بتطابق الأهداف بين ما يريده الله وما يريده العباد فلا نصر إلا بالقضايا المحقة بعد أن يستقيم العباد ويتقوا: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد-7). ومما يعنيه نصر الله أن يستجيب الفرد والأمة والحاكم والإمام لله ولرسوله بتقوى الله والاخلاص في العبادة والمعاملة.
وثالثها: أن القوة لله جميعًا فمتى وقف الله تعالى مع فريق على ضعفه نصره على فريق آخر على الرغم من قوته لقوله: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} (آل عمران-123).
ورابعها: أن الله تعالى إذا أراد أن ينصر قومًا أيّدهم بطرق شتى حتى يدب الرعب في قلوب أخصامهم. وفي ذلك قال الرسول الكريم: “ونصرت بالرعب من مسيرة شهر”.
وخامسها: أن لا يغتر أحد بنصرٍ مؤقت فاستمراره مشروط بالاستمرار بتقوى الله وبتصويب المسار فلا يضل ولا يطغى. قال تعالى: {ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم شيئًا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} (التوبة-25).
وسادسها: أن من أدار ظهره للرسالة النبيلة أدارت الأيام ظهرها له ودخل في غياهب النسيان والاهمال فصار ميتًا بين الأحياء. قال تعالى: {نسوا الله فنسيهم} (التوبة-67)، وقال ايضًا: {نسوا الله فأنساهم أنفسهم} (الحشر-19).
وخاتمتها: أن النصر لا يكون على ضعيف ولا على أخ في الدين أو في الوطن إذ أن بين هؤلاء عهد وذمة ولا يجوز لمؤمن أن ينقض عهدًا أو يخفر ذمة، وإن ردع المخطئ من أهل الدين والوطن لا يكون بالقهر والقوة بل بالاقناع والمعروف وذلك مصداقًا لقوله تعالى: {ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقويّ عزيز، الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (40-41 سورة الحج).