أ. صلاح سلام
ليس من طبعنا اليأس والاستسلام، وقد ربينا على انتظار الفرج عند كل محنة، وعلمتنا الأيام أن ننظر إلى الناحية الإيجابية في كل أمر مستعصٍ، وصار من طبعنا أن نقف إلى جانب الصامدين والمكافحين والمثابرين مهما ضعفت آمال نجاحهم.
ترى، هل لأن “لكل امريء من دهره ما تعود”، كما يقول المتنبي، فيكون نهجاً في الحياة أعطى ثماره فاعتمدناه؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك وأعمق، أهو مغروس في خلق ابن آدم؟
نعم ، ليس التعلق بالآمال صدفة ولا محاولة ولا تجربة واحدة، إنه سنة الحياة وأمر من المولى الحيّ الذي خلق الحياة وأعطى لها معنىً ومنهاجا.
الحقيقة أنها مثابرة الأنبياء وعزم الرسل.
إنها عقيدة الصالحين، وقناعة الصادقين، وإصرار الفاتحين.
يقول تعالى في كتابه الكريم على لسان لقمان: “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”.
وعلمنا نبينا الأكرم أنه إذا قامت القيامة وفي يد أحدنا شتلة فليزرعها.
وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بفتوح البلدان طولاً وعرضاً في وقت كان بعضهم في معركة الخندق لا يجروء على الابتعاد عن رفيقه من شدة الظلام وهول الموقف.
وعلمنا التاريخ أن لأمتنا بعد كل كبوة فتحاً وبعد كل محنة منحة، وكلما أظلمت الأيام كان الناس يدركون أن ذلك من كسب أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد.
وكلما أدرك الناس أن بعدهم عن دينهم وعن أخلاقهم هو الذي ساقهم إلى الانحطاط، عادوا إلى ربهم وسلكوا سبيل الرشاد من جديد، قال تعالى لبني إسرائيل : ” وإن عدتم عدنا”.
المشكلة إذاً أن الناس “نسوا الله فأنساهم أنفسهم” و”نسوا الله فنسيهم”.
ومن أراد العبرة فليعتبر من التاريخ، دول وملوك وأكاسرة نسوا ربهم فنسيهم وتركهم لهوى أنفسهم فهلكوا، ورجال صدقوا الله فصدقهم بتأييده ونصره:
كيف يجتمع الغرب كله ويأخذ وقته كله ويجمع جنده كله ليجتاح بلادنا فيبقى فيها مئتين من السنين وإذا بوجوده يضمحل وبجهوده تتلاشى.
كيف يعجز الخليفة العباسي ومن قبله جيوش بخارى وسمرقند عن مقاومة المغول فإذا بحفنة من المماليك لا سلطان فيها ولا ملك، تصدهم وتقهرهم وتردهم على أعقابهم.
عبرة أخرى من التاريخ تستدعي التوقف والتأمل:
الاسكندر المقدوني القائد الشاب الذي فتح الشرق والغرب قبل ظهور المسيح بثلاثمائة عام، ما أن نوى أن يجتاح جزيرة العرب حتى أصابته الحمى وفارق الحياة وهو في مطلع الثلاثينات.
إن الذي أهلكه ربما أراد بذلك أن يحفظ بيته الحرام وأهل بيته الحرام والنسل الطاهر لنبيه القادم، هو الذي أهلك بعد ذلك أبرها الملك الذي قصد مكة ليهدم الكعبة، وهو الذي جعل موعد صده وهزيمته إيذاناً بولادة سيد البشر.
العبرة في التاريخ لكن مما علمناه الخالق جل وعلا قوله:
“الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل”.
إن عدنا إليه أيّدنا وحفِظنا، فهل من مدّكر؟