أ.صلاح سلام
نعلم جميعاً أن الحياة على هذا الكوكب تتطلب جهداً وصبراً ومكابدة، وأن التنافس على السلطة بين القوى النافذة بات من سنن الحياة كما التنافس في التجارة بين الناس وفي الحضارة بين الشعوب والأمم.
ونتفهم مرغمين بأن الصراع السياسي قد يتأجج أحياناً حتى لا يجد إلا الحرب متنفساً وذريعة وحلاً على أن تعود الأمور إلى التهدئة ولو بعد حين.
لكننا لا نفهم ويصعب علينا أن نتفهم ولا نتحمل أن تستمر الأعمال الحربية والإرهابية دون توقف متنقلة داخل بلادنا زارعة الموت والدمار في مدننا وضواحينا وأريافنا، تبث الخوف والقلق والرعب بين السكان، وتلقي بمئات الألوف من النساء والشيوخ والأطفال، مشردين في الشوارع والمخيمات والملاجيء، ليصبحوا غرباء في أوطانهم، يأكلهم الجوع والفقر والقهر.
للإسلام رأي واضح وصريح فهو مجلبة للأمن والسلام، قال الله تعالى في سورة قريش: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}، فأين موقع من يجلب الموت والدمار والتنكيل والتشريد من الإسلام والمسلمين؟
مشاهد القتل والحصار ثم التنكيل والإذلال ثم التشريد تملأ القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية ولا حاجة لوصفها ولا لسكب عبارات الأسف والأسى عليها فهي أبلغ من الوصف والتعبير، ولكن!
أليس من وقفة تفكر وجردة حساب وإعادة نظر؟ ما هذا الاستغراق في الأعمال العسكرية على البلدات والقرى الآمنة ؟ وما هذا الإمعان في القتل الجماعي والتنكيل الجماعي والتجويع الجماعي والتشريد الجماعي؟
ليس صحيحاً أن من يفعل ذلك يسيء إلى الإسلام، كما يشاع، فالإسلام ليس بحاجة لمن يدافع عنه وأخلاق الإسلام وقيمه يعرفها المؤمن والكافر وحتى المنافق، والتاريخ يشهد، لكن المسيء يسيء إلى أهله وقومه وإلى سمعته كاشفاً عن نواياه وعن معتقده الحقيقي. مهما اختلق بعض القادة من ذرائع وحجج لإقناع الناس أو لتحريضهم، فالموقف بين يدي الله أشد وأخطر فهل سيكذبون على الله؟ يقول الله تعالى في سورة المجادلة: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} .
من هذا المنبر المتجرد نناشد الأطراف جميعاً، خففوا عنا خفف الله عنكم، أعطوا أنفسكم فرصة للتفكر ولتقييم ما جرى وللتبصر بما سيأتي، يقول الله تعالى في سورة الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
أعطوا دورة العنف استراحة ولا بد من تهدئة أو هدنة تتيح للجميع فرصة التفكر والتبصر. ولا تكونوا أكثر جاهلية من أهل الجاهلية الأولى فقد كانوا يتلاعبون بموعد الأشهر الحرم ليمرروا حربا أو غزوة لكنهم كانوا يعودون إلى وقف القتال وفتح أبواب التفاوض. ولمثل هذا فرض الله تعالى الأشهر الحرم، فأين أنتم من هذه الأشهر يا مسلمين؟