أ.صلاح سلام
بعد الذي شهدته السنوات الماضية والأيام الحالية من أحداث جسام، لا بد من وقفة مع الذات، يخلو فيها كل عاقل بنفسه، يصارحها ويبوح لها بما لا يجروء على التحدث به مع الناس، يستعرض مع نفسه الحقائق ما له وما عليه. من الرجل مع زوجته، إلى الحاكم مع رعيته.
سنقف بين يدي رب لا تخفى عليه خافية، حيث يواجه القاتل بالقتيل والكاذب بالصادق والمعتدي بالضحية، وسينظر كل ظالم إلى جواره ليبحث عمن أفتى له وأجاز، وشجعه في الدنيا على الاعتداء والأذى واغتصاب الحقوق وترويع الآمنين لعله ينجده في هذا الموقف الخطير الأخطر، وإذ بسيده ومحرضه، يتصبب عرقاً ويتذكر قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ ..}.، فلا يجروء على البوح بما اجترح من سيئات وأفتى بغير علم لعله ينجو من العذاب، وإذا برجاله يقولون:{ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}.
الوقفة مع الذات هي في الحقيقة وقفة عارية من الزينة والبهرجة والزيف والتباهي، وقفة أمام الله، الذي { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}. هي الموقف الختامي الذي لا موقف بعده، ولا عودة ولا استرجاع.
الرجوع عن الخطأ فضيلة وفي استدراك الأخطاء والقرارات الجائرة شجاعة، ومهما كلف من تراجع في الدنيا، فهو أربح من خسارة الآخرة ومن الفضيحة الكبرى يوم العرض الأكبر. و”التائب من الذنب كمن لا ذنب له”. يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم). يومها لن تنفع الشيخ شيبته ولا العالم لحيته ولا القائد سطوته ولا الثري ثروته ولا المخادع خدعته، يومها: {لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.
ما آل الظلم يوماً إلا إلى لحظة مريرة ينقلب فيه الظلم على صاحبه، ولم تستقم الأيام إلا لمن عدل، وما أوصلت الطائفية والمذهبية إلا إلى أبواب المظالم، تؤكل فيها الحقوق، وتشرّع فيها الاعتداءات، وتسفك من أجلها الدماء، وتنتهك فيها الحرمات. والمؤسف أنها جولة ثم تدور الدوائر وتنقلب الأدوار.
الوقفة مع الذات، هي في الحقيقة وقفة مع الآخر، ووقفة مع الأمة، ووقفة مع الوطن، ووقفة مع الحق، ووقفة مع الله، والكل منسجم . فهل من يقف ليتعظ ويستدرك وينجو وينجي؟.