رئيس التحرير
العدد السادس عشر – شتاء 2011
كنيسة في بغداد تحاصر، والرهائن الأبرياء فيها يقتلون. ومصلّو الجمعة في مسجد بباكستان يغتالون. ومزارات شريفة للأئمة من أهل البيت وأهل الفقه تقتحم وتفجر وتنسف فوق رؤوس زوارها. وطرود بريدية تعد للانفجار بالأبرياء في المكاتب كما في الطائرات.
ماذا حلّ بعقل الناس؟ وهل تحلّ الأمور بهذه الأساليب؟
إذا كان غير المسلمين يرون فيها حلاً ووسيلة للتأثير في انتخابات الدول الأجنبية، أو الانفصال أو تحقيق المطالب، فإن أي مسلم لا يحق له أن يشارك في تنفيذ مثل هذه الأساليب لأن في ذلك ما يخالف الشرع مهما أستنسب من فتاوى صدرت عمن لا يحق لهم إصدار الفتاوى.
خالفوا الشرع الحنيف في أربع قواعد أساسية على الأقل، الأولى، في قوله تعالى: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. فأين الحكمة والموعظة الحسنة في القتل والتفجير والتهجير.
والقاعدة الثانية، قوله تعالى: {فانبذ إليهم على سواء}. أي آذنهم وأعلمهم بإعلانك الحرب عليهم، إذ ليس الغدر من شيم الكرام.
والقاعدة الثالثة، قوله تعالى: {وألا تزر وازرة وزر أخرى}. أي لا يحل أن يؤخذ شخص بجريرة شخص آخر. فكيف ينتقمون في العراق من أبرياء نتيجة إجراء نفِّذ في بلد آخر؟
والقاعدة الرابعة، هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين من بعده، أن لا يقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا عابدا، وأن لا يهدموا بيتاً ولا أن يقطعوا ولو شجرة واحدة.
هل قرأ مثل هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الرهبان النصارى في المسجد النبوي الشريف وأفسح لهم المجال للصلاة فيه وقال لأصحابه دعوهم يصلّون لربهم؟ وهل عرفوا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختار الصلاة في العراء بدلاً من الصلاة في كنيسة القيامة بالقدس، حفاظاً عليها وعلى العلاقات الإسلامية المسيحية في المستقبل، وغيرة على سمعة الإسلام والمسلمين؟ وهل عرفوا أن يهود أوروبا كانوا لا يجدون ملاذاً إلا في بلاد الأندلس الإسلامية.
لو أعمل الناس عقولهم وقاموا برصد النتائج التي آلت إليها أعمال القتل والتفجير منذ عشر سنوات إلى يومنا هذا، لوجدوا أن الخاسر الأكبر كان الشعوب الإسلامية والدول الإسلامية وسمعة المسلمين، ومصالحهم في أنحاء العالم. وبدلاً من أن يظهر الإسلام بمضمونه الحقيقي المتسامح المنفتح الداعي إلى الكلمة السواء، أعان هؤلاء أعداء الإسلام على الإسلام عن قصد وعن غير قصد فألبسوه ثوب الحقد والكراهية والإرهاب وهو من ذلك كله براء. فهل من يعرض وهل من يسمع وهل من يصدق ؟
من يتصدى لهم يصنفوه خائناً وكافراً، ومن لا يجاريهم يوصف بالشيطان الأخرس، وفي الطرف الآخر يقيسون جميع المسلمين بمقياس واحد !
إحداث التغيير يحتاج إلى ثلاثة: حكيم متبصر يرشد، وحاكم مؤمن يملك سلطة التغيير، وأمة مؤمنة تتعلم وتنشر ما تتعلمه بالقول والممارسة. والمسألة تحتاج إلى صبر ووقت وبذل، فالتخلف الذي لحق بالمسلمين في القرن الماضي قد يعالج في بضع سنين إذا صدَّقنا وصدَقنا.