محمد فرشوخ
العدد الثالث- تشرين الاول 2007
يفرح أحدنا ويفاخر حين ينجح له ولد أو بنت في الامتحانات الرسمية، وقد يتفاخر بعضنا على بعض إذا اقتنى سيارة جميلة أو اشترى بيتاً أو ابتنى مبنىً فخما.
ويقيم بعضنا حفلة استقبال أو عشاء بمناسبة وبغير مناسبة ليطلعَ أصحابه ومنافسيه على أمر أنجزه أو أفلح فيه.
بعضنا يتعالى على أترابه ما أن يحقق ثروة، وبعضنا يتباهى بابن له ربح سباقاً أو بطولة وببنت له تعزف على البيانو أو على القيثارة بمهارة، أو تجيد التمايل في رقص تعبيري أو الرسم أو النحت…
وحق لكل منا أن يفرح ويحتفل بنيل أحد أفراد أسرته شهادة عالية أو بخطوبة أو بزواج أو بإنجاب…
لكن لنعترف وبصراحة أنه من النادر أن نشجع أحد أولادنا على حفظ القرآن الكريم أو بعضه، والأندر من ذلك أن نحفّزه ونكافئه أو نحتفل به إذا ما حفظ أو رتّل، والأندر الأندر أن نوجّه أحدهم لدراسة الفقه أو شيء منه إلى جانب العلوم العامة التي يتلقاها…
ولنكن أكثر صراحة! كم عدد الذين يولون أمر صلاة أولادهم وأهليهم الاهتمام اللازم ويتابعونهم بالإلحاح والتنبيه والتشجيع والتقريع؟
بصراحة مطلقة ودون مواربة ودون اختلاق أعذار! من منا يذهب في أفكاره بعيداً وبعمق ويستبق مغادرته حياته الأولى فيسأل نفسه: ما مقدار فرحه إذا نجا عند الحساب وفاز بالجنة؟ “فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز” ،(آل عمران -185). كيف سيحتفل عندما يتحقق أنه فاز بمرتبة “خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه”؟(سورة البينة).
أول الخاسرين يومذاك من لم يول الله حقه الذي اشترطه عليه: “…الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون”،(الأنعام -12).
وإن نجا بنفسه فهل سيكتفي ويدير ظهره للذين أنجبهم وللذين أنجباه؟ هل سيسأل عن زوجته وشريكة عمره وكفاحه؟ هل سيتفقّد إخوته وأخواته الذين شاطرهم الطفولة والصبا وربما العمر كله؟
كم تبلغ حسرة أحدنا إذا نجا وحده من دون أهله؟ ما مقدار الأسف الذي سيشعر به حين يعد الناجين منهم فيجدهم قليل؟
وأية حسرة ليس كمثلها حسرة حين يتصادفون في الدرك الأسفل يتعاتبون بدلاً من أن يكونوا في منابر النور على الأرائك متكئين؟ قال تعالى :”قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين”،(الزمر-15).
الفرحة الحقيقية والاحتفالات التي ستدوم ولن تعرف نهاية هي حين ينظر المرء في ذلك اليوم المشهود ليجد أحبابه من حوله يتعانقون ويتبادلون التهاني يرقصون فرحاً ويصيحون طرباً بأنهم فازوا فوزا ساحقاً لا خسارة بعده ولا حزن ولا شقاء، وأنهم وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً.
ها هو نوح نبيّ الله ورسوله يستشفع في ابنه فيقال له: ” إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح” ! سقط من عداد الناجين، إذ لا شفاعة لمن ظلم نفسه وآذى غيره ولو كان ابناً لنبي أو وليّ .
أخزى موقف يمكن أن يواجهه الانسان في ذلك الوقت العصيب هو أن يخرج صفر اليدين من أعمال كالجبال قام بها في الدنيا لم يكن يقصد بها وجه ربه وكانت له بها مآرب أخرى: ” قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا؟ الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا “،(الكهف-103-104).
يا للخيبة ويا للهول إذا كان المرء قصير النظر صغير الآمال ولم يرد إلا الحياة الدنيا، فكان من الناس “النيام” الذين إذا ماتوا انتبهوا “.
الفوز المبين هو لمن يكنفه الله تعالى يوم القيامة برحمته فلا خوف ولا حزن بعد ذلك:” فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين”،(الجاثية-30).
والفوز العظيم هو النعيم الذي لا شقاء بعده ولا موت ، وأكبر من ذلك أن تعيش في رحاب رب رحيم راضٍ غني كريم: “وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات ٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم”،(التوبة-72).
والفوز الساحق هو حين يتلفت المرء يمنة ويسرة فيجد أحبّاءه من حوله يرفلون بالنعيم الدائم المقيم:” والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء، كل امريء بما كسب رهين”،(الطور-21).
هل في ذلك ذكرى لقوم يتفكرون؟