رئيس التحرير
العدد الخامس – نيسان 2008
دخل صديقي المقرب إلى المكتب دخول الواثق من نفسه الآتي ببعض النفائس فعرفت أنه يحمل أخبارًا جديدة. قال: أطلب لي قهوة وهو الذي يعرف أنه ليس لدينا فتى يصنع القهوة فقلت حاضر وقمت لتحضيرها له واصطحبته معي الى المطبخ. قلت: ها…ما الأخبار؟
قال دون أدنى مقدمات: هل تعرف انكم مجازفون؟
قلت: يا فتاح يا عليم كلنا فوق الأربعين وبعضنا يناهز الستين لقد رحل سن المجازفات ولن يعود.
قال: أقصد عملكم هذا.
قلت: اختصر يا أخي وادخل في صلب الموضوع مباشرة.
قال: حضرت بالأمس سهرة ضمت بعض الوجوه المعروفة ولم تخل من رجل أعمال وأديب ورجل دين وأستاذ في الجامعة، وقد أخذ عملكم الجديد حيّزًا كبيرًا من المناقشة. فهل لديك الاستعداد لسماع ما قالوا فيكم؟
قلت: أن نسمع ما قيل فينا نميمة وهي تضرك ولا تغنينا. لكن المهم أن نستفيد مما قالوه بشأن العمل الذي نحن بصدده.
قال: أبدوا بعض الاعجاب بكم وبشجاعتكم كمجموعة يُتوسم فيها الخير. لكن بعضهم خائف عليكم وبعضهم يستغرب ما تقدمون عليه، وآخرون يرون أنكم تخوضون في مجال صعب ويرجحون أنكم لن تتمكنوا من المتابعة لأسباب وأسباب.
قلت: أما الخائفون علينا فمن باب المحبة والاشفاق طبعًا. قال: طبعًا.
قلت: انهم محقون ونحن أيضًا خائفون مشفقون والخشية هنا ليست من أحد من الخلق بقدر ما هي خشيتنا من أنفسنا أن تتغيّر النيّة وتتقلّب القلوب ويصبح العمل يومًا لغير الله لا سمح الله فيتوقف. وما وجه استغراب البعض الآخر؟
قال: فيكم المهندس والطبيب والقاضي ورجل الدين ورجل الأعمال ولستم من مدينة واحدة أو منطقة معينة فكيف تتمكنون من التفاهم ومن أين أتيتم بهذه الصيغة وهذا المفهوم ومن يقف وراءكم في مثل هذا العمل؟
قلت: حق لهم أن يستغربوا إذا ما كانت قاعدة العمل مناطقية أو مذهبية أوعصبية، وطالما أن المادة علمية وقانونية ودينية فلن يختلف عليها اثنان ذوا عقل ورأي حصيف. ثم أريد أن أطمئنك أننا لا نجد غنمًا ماديًا نتقاسمه فكلنا يقدّم ولا يأخذ. يبذل ولا يسأل. وليس في هذا العمل من المغريات المادية التي تدعوا إلى التنازع والخصام فالكبار مشغولون بالسياسة شغوفون بالأخبار والأعمال. ها…هات ما يقوله القسم الأخير.
قال: أخبرتك أن مجالكم العلمي صعب، والأرجح أنكم إما ستملّون أو أنكم ستعجزون.
قلت: يا أخي إنه باب إلى الله وقد وفقنا الله تعالى في انطلاقته فكيف نقفل بابًا إلى الله وهو المستعان، وفي الحديث الشريف: “إن الله تعالى لا يمل حتى تملوا”. أما فيما يتعلق بالعجزعن تأمين المادة العلمية فأبشرك أن في هذه الأمة طاقات لا حصر لها ولا أقول مئات العلماء بل آلاف وأريدك أن تطمئن أن ما من عالم مؤمن يقضي نحبه إلا وييسّر الله بعده عشرات العلماء. وهاهم يتابعون بحوث بعضهم بعضًا ويطور الخلف ما جاء به السلف.
قلت: هل ذكر لك رجل الدين شيئًا يتعلق بنا؟
قال: نعم، ذكر أن مجال الإعجاز العلمي باب هام ويحتاج إلى جهود حثيثة، فالتعاطي بالفقه وحده أسهل على العلماء من رجال الدين وكذلك البحث العلمي وحده أسهل على العلماء والباحثين.
قلت: صدق فضيلته وأصاب وألفت نظرك يا أخي أن السلف الصالح من علماء الأمة كانوا يجمعون إلى الفقه أبوابًا من العلم.
قال: ماذا تقصد؟
قلت: العصر المقبل هو عصر الشيخ العالم أو العالم الشيخ لافرق، ومن يعش يرى.
قال: من أين تأتون بهذه الثقة؟
قلت: من رب العمل.
قال: من تعني.
قلت: القائل: { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.