رئيس التحرير
العدد الثامن – شتاء 2009
قبل حوالي الشهر وخلال مناسبة اجتماعية بادرني وزير صديق بالسؤال:
كيف تستسثمرون هذا الكم الكبير من حقائق الإعجاز العلمي التي ترد في مجلتكم؟
كانت إجابتي في حينه عاجلة بقدر ما سمح به الظرف الاجتماعي. لكن سؤال الوزير المعروف بتقواه، ظل يتردد صداه في السمع والفكر! وصار يتردد معه كمٌ من الاسئلة:
ترى هل اكتفى قراؤنا بما نشرناه من إعجاز علمي للقرآن حتى الآن؟ وهل علينا بعد كل عدد أن نتابع نتائج البحوث ومصيرها وردود أفعال الناس عليها؟ أو هل يجب أن نتوقف عن نشر البحوث بالعربية وننطلق إلى ترجمتها باللغات الأجنبية الشهيرة؟ لأن المسلمين والعرب قد اقتنعوا وعلينا التوجه إلى شرائح أخرى في العالم؟ وهل؟ وهل؟ وهل؟
عدت إلى نفسي وإلى زملائي في “منتدى الإعجاز العلمي للقرآن الكريم” وطرحت عليهم هذه القضية، وانهالت الآراء من الجميع. لكن اللافت أنهم اشتركوا ومعهم كاتب هذه الكلمات في فكرة جامعة:
الإعجاز العلمي في القرآن بحر لا ساحل له وهدية ربانية لأهل هذا العصر وباب لتأكيد معجزة القرآن انه من وحي الله وأن علوم النبي لا تصدر عن بشر.
وأن الإعجاز باب للدعوة إلى الله {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
وأنه وسيلة لشحذ العقول وتوسيع الأفهام وشرح الصدور لمعرفة الحق وللاعتراف بالحق.
وأن الإعجاز ليس غاية بحد ذاته بل تذكرة {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
وأنه حجة جديدة للخالق على خلقه.
وأنه باب للتحدي، ليس بمعنى تحدي الندّ للندّ وانما لكي يذعن أكابر العلماء وأساطين الباحثين لعظمة الخالق وابداعه ولصنعه المتقن.
وأن عصرالعلم لا يواجه إلا بعلم أرقى وأدق وأعمق فيحصل للعلماء اليوم ما حصل للسحرة في عهد موسى وفرعون، فيقعوا لله ساجدين {انما يخشى اللهَ من عباده العلماء}.
وأن يكون لكل اكتشاف جديد وقع جديد في نفوس المؤمنين فيزدادوا إيمانًا مع إيمانهم.
ثم إن علومًا كهذه ليست ملكًا لأحد ولا حكرًا على أحد فلئن شبع منها جيل أو اكتفى فهي تصبح تلقائيًا إرثًا لجيل سيأتي بعده يبني على ما تقدم ويطوره ويحسن استثماره في الوطن العربي وفي العالمين الاسلامي والغربي وبلغات أكثر ولشعوب أبعد.
كما أن الباب لم يقفل في وجه رجل مقدام أو مجموعة مبتكِرة تُقْدِم على جمع هذه الاكتشافات في مجلد أو في موسوعة لتصبح مرجعًا أكادميًا علميًا دقيقًا وصادقًا يرجع إليه العلماء من كل الأقطار ومن كل الملل، وتجري متابعته وتطويره تباعًا.
ثم إن هذا العلم قد ابتدأ وللعلم أهله الشغوفون به المتحمسون لمتابعة بحوثه، السعداء بمحصلاته ونتائجه. ولئن اعترى أحدهم الملل ليحملن الراية بعده متطوعون كثر.
فكيف اذا امتزج هذا العلم بشوق وتوق وايمان وحبُ وتفانٍ وصار كل عالم يحلم بأن يكون له موقف خاص به يوم القيامة يشفع له وينتسب به، فيدعى بين الخلائق وعلى رؤوس الأشهاد أنه صدّق كلام ربه وصَدَق ربه تعالى وصادقه رسوله صلى الله عليه وسلم.
عند كل اكتشاف جديد وإعجاز جديد يطمئن القلب ويزداد الايمان ويعلو الفخر والاعتزاز، وتشحذ الهمم، وتقشعر الأبدان، وتنهمل العيون ويغمر الفرح.
عند كل اكتشاف يشعر المكتشف والقارئ أنه أصبح أكثر قربًا من الله وأكثر حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهل يطمع أحدنا بأكثر من ذلك؟