م.ف.
العدد الرابع – كانون الثاني 2008
سألني حفيدي يوماً: ما لي أراك تقرأ كثيرا؟ قلت:ولماذا تقرأ أنت؟ قال: لأنجح في المدرسة، قلت:وكذلك جدك لينجح في دراسته، قال: وأنت عندك مدرسة؟ قلت:نعم. تركني حفيدي وهو يلوح برأسه متعجباً.
رجّعني هذا الموقف إلى استعادة شريط الذكريات لأستذكر متى تعلقت بالقراءة وكيف؟
يومها قادني إلى لقاء رجل حكيم ما سمعته من وصف طيب، وكان من كلامه: أتقرأ؟ قلت: قراءة متقطعة، قال:واظب ، فالقراءة مفتاح. وانطلق بالشرح كالسيل، قال:
إقرأ القرآن، القرآن مفتاح معرفة الخالق ومعرفة ما يرضيه وما يغضبه، بين أيدي الناس شرف عظيم لا يقدره بعض الخلق، ففي الحديث الشريف:”من أراد أن يكلمه ربه فليقرأ القرآن”، وأي شرف أعظم من أن يرسل إليك رسالته فهل لهملها أو تحملها؟
واقرأ الحديث الشريف ففيه تفسير ما عجزت أن تفهمه من القرآن وفيه ما يسهل عليك حياتك وييسر لك سلوكك.
واقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي تقوي حبك له وشوقك إليه فما أحب من جهل أخبار حبيبه.
واقرأ من اخبار الصالحين قادةً وعلماء وفقهاء، فالمرء يتخذ من هم أرقى منه قدوة ولا يتأسى بالغافل أو المنغمس أو بمن طلب الدنيا فأرهقته والهته عن طلب ما هو أعلى وأبعد وأخلد.
ثم اقرأ بعد ذلك في كتب الفقه يسهل عليك فهم الأحكام وتتفتق لك أسرارها، ولو بدأت بالفقه لوجدت بعض الصعوبة وشيئاً من الجفاف، فالحب والتعلق يذللان الصعاب.
وتأخر في مطالعة كتب فلاسفة المسلمين ورجال التصوف كي تكتسب أولاً حصانة الشرع فلا تحيد عن قواعده وكي تتمكن من فهم ما بين السطور ، لأنهم قصدوا أن يكتبوا للخاصة.
ولا تغيب عنك كتب العلوم والاطلاع على الاكتشافات الحديثة والاختراعات ففيها ما يؤكد صحة مسيرك وصدق عقيدتك فتزداد إيماناً وتثبيتا.
وإن أردت أن يثبت ما قرأت في ذهنك فعليك بذكر الله وقص ما قرأت على صديق أو قريب.
وليس ما نصحتك بقراءته إلا بداية فإنك عند ذلك وبتوفيق الله، تصبح اهلاً لمعرفةدينك ومعرفة عصرك، فيحق لك الكلام، ويمتعك الله بملكة الربط بين العلوم والايات والأحاديث والأفكار، وهي علامة الإذن بالعمل ، وإياك وأنت في عز العطاء أن تتوقف عن التحصيل، واذكر من سورة الكهف أن موسى عليه السلام وهو النبي أُمِر بالتحصيل من ولي ليستكمل علوم الشرع الكسبية بعلوم الغيب الوهبية.
توقف الحكيم عن الكلام وليته تابع، ورحت بعد ذلك أتامل واستخلص مما سمعت:
هل طلب مني ذلك الحكيم الكثير؟ فالطبيب مثلاً يحصّل علومه خلال الثلاثين سنة الأولى من عمره كي يمارس الطب في الثلاثين سنة الثانية أو أكثر قليلا فيما تبقى من حياته الدنيا، أفلا يكون من الأجدى أن يستمر المرء في التحصيل طيلة حياته الأولى كي يتمتع بحياة خالدة وطيبة وسعيدة؟
والأمر الثاني أن كلمة إقرأ ما كانت لتنفذ إلى روعي لولا أن منّ الله علي بالحب والتعلق والاقتداء بهذا الإمام الحكيم الذي ساقتني الأقدار إليه، فصارت نصائحه تسري عملاً دون كلل أو ملل.
أيها الحفيد الحبيب:
إقرأ لدينك ودنياك، اقرأ ترقى وترق وتترقرق. إقرأ طيباً لعلنا نحصّل الحياة الخالدة الطيبة حين ينادوننا:
{سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}. صدق الله العظيم