بين دراسة باربرا ستوكنغ وفعل عمر بن عبد العزيز
أ. خالد حنون*
كنت أتصفح كعادتي موقع BBC فلفت نظري العنوان التالي: “أوكسفام: أغنى 100 شخص في العالم كفيلون بالقضاء على الفقر”. لا أذيع سرًا من أن هذه المواضيع تستهويني خصوصًا اذا ما أسقطناها على ماضينا وقارنّا بين ما فعله أجدادنا وبين ما يدرَّس الآن. تابعوا معي قراءة التقرير لتعرفوا بماذا أفكر:
قالت باربرا ستوكنغ، المدير التنفيذي لمؤسسة أوكسفام الخيرية البريطانية، إن ثروات أكثر الناس ثراء كفيلة بالقضاء على الفقر في العالم بما يعادل أربعة أضعاف.
وأضافت المؤسسة أن مداخيل هؤلاء المئة بلغ 240 مليار دولارًا أمريكيًا في السنة الماضية. وفي المقابل، يعيش كثير من الناس في فقر مدقع، حيث يبلغ معدل مداخيلهم دولارًا وربع في اليوم.
وفي دراسة أصدرتها المؤسسة الخيرية، قبيل انعقاد مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي (23-1-2013)، وسمتها: كلفة غياب العدل، وكيف أن الغنى المفرط يضرنا جميعًا، حملت أكثر الناس ثراءً في العالم مسؤولية إعاقة الجهد لإيجاد حل لمشكلة الفقر في العالم. وناشدت المؤسسة زعماء العالم، لمناسبة اجتماعهم في منتدى دافوس، “أن يلتزموا بتخفيض معدلات الفقر إلى المعدلات التي كانت سائدة في العام 1990”.
وقالت باربرا ستوكنغ، المدير التنفيذي لمؤسسة أوكسفام، “إن الوصول إلى اتفاق عالمي لتعديل مسار غياب العدل أصبح ضرورة ملحة”. وأضافت، “يجب ألا نبقى متظاهرين بأن جمع الثروات من قبل البعض لابد أن يعم نفعه الآخرين، وهم الأغلبية. ففي أغلب الحالات العكس هو الحاصل”.
إذ أن “حصر المصادر بإيدي 1% من سكان العالم من شأنه أن يعيق النشاط الاقتصادي، ويجعل الحياة أكثر صعوبة للباقين من سكان العالم، خصوصًا أولئك الذين يعانون في مؤخرة الطابور”. ومضت ستوكنغ إلى القول، “في عالم تقل فيه المصادر الأساس، لا يسعنا أن نترك المصادر في أيدي القلة من الناس كالأرض والمياه ونترك الباقين يتصارعون لنيل شيء مما تبقى.”
وترى أوكسفام أن ال 1% من سكان العالم من ذوي الغنى الفاحش استطاعوا أن يزيدوا من ثرواتهم بنسبة 60% خلال الـ 20 سنة الماضية، مع أن الأزمة المالية العالمية كانت سببًا في زيادة ثراء البعض، لا العكس. ونبهت المؤسسة إلى أن الغنى الفاحش غير فاعل اقتصاديًا، ويؤدي إلى الفساد السياسي، ويمزق بنية المجتمع، ويضر بالبيئة.” انتهى التقرير.
والخلاصة تبدو بان العدل غائب في جيوب الأغنياء أو قلّ بسبب شحهم. وتناشدهم المبادرة إلى المساهمة في تخفيض معدلات الفقر.
ياليت “باربرا ستوكنغ” تعلم قصة سيدنا عمر بن عبد العزيز مع الفقر
لقِّب الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز كما هو معروف بالخليفة الراشد الخامس لشدة تشابه عهده بالعهد الراشدي على الرغم من أنه يعتبر من التابعين. ومع كون عهده لم يكمل الثلاث سنوات إلا انه عم فيه العدل والرخاء في الأصقاع الإسلامية الشاسعة، وبدون تمييز. ويعود الفضل في ذلك لتطبيقه رضي الله عنه مبدأ جمع الزكاة من أغنياء المسلمين وتوزيعها على مستحقيها، من فقراء المسلمين وغير المسلمين.
يقول صاحب كتاب ” الأموال” القاسم بن سلام:” كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن – وهو بالعراق – أن أخرج للناس أعطياتهم ، فكتب إليه عبد الحميد « إني قد أخرجت للناس أعطياتهم ، وقد بقي في بيت المال مال » فكتب إليه أن « انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقضِ » فكتب إليه : إني قد قضيت عنهم، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أن انظر كل بِكر ليس له مال، فسأل أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه « فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا، أن “انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه”.
ويقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية عن عمر بن عبد العزيز:” وقد اجتهد رحمه الله في مدة ولايته – مع قصرها – حتى رد المظالم، وصرف إلى كل ذي حق حقه، وكان مناديه في كل يوم ينادي: أين الغارمون ؟ أين الناكحون ؟ أين المساكين ؟ أين اليتامى ؟ حتى أغنى كلاً من هؤلاء”.
وقد تنبأ رسولنا الكريم بذلك – وهذا كان من إعجازه الغيبي – حيث قال:” ليأتين الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه… (رواه البخاري ومسلم).
هذا ليس خيالاً يا سادة إنما حصل فعلاً، وإذا ما كانت ” باربرا ستوكنغ” توصلت (على الورق) إلى نتيجة ” إن ثروات أكثر الناس ثراء كفيلة بالقضاء على الفقر في العالم بما يعادل أربعة أضعاف” فهي محقة، لأن تجربة سيدنا عمر بن عبد العزيز خير مثال على ذلك .
ويختصر سيدنا علي كرم الله وجهه القضية كلها بكلمات بسيطة حيث يقول: “ما جاع فقير إلا بما تمتع به غني”.
__________________________
* عضو منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – لبنان.