الضجيج تجاوز المعدلات المسموح بها في وسط مدينة بيروت*
لبنان من بين بلدان العالم الثالث مهدد بالطرش لأن مستوى الضجيج في المدن في ارتفاع مستمر، وكلّ ذلك في ظلّ غياب طرق الوقاية والقوانين التي تمنع هذا النوع من التلوث. كل ذلك بفعل الضجيج الذي تخطّت معدّلاته المسموح به بمئات المرات، وسجّل أعلى مستوياته في مدينة بيروت بظلّ زحمات السير الخانقة التي لا تنتهي، مما أدى إلى ارتفاع معدّله إلى أكثر من 90 ديسيبل، علماً أنّ الحدّ الأقصى الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية هو 56 ديسيبل.
حدود فقدان السمع
بات الضجيج يشكل أزمة بيئة صحية في آن معًا والدليل على ذلك دراسة صدرت مؤخراً عن الجامعة الأميركية في بيروت تشير إلى أنّ الضجيج لا يرحم وسط مدينة بيروت، الذي يعتبر مركزاً تجارياً تنشط فيه حركة الإعمار نهاراً، ومقصداً سياحياً تكثر فيه المطاعم والملاهي ليلاً، حيث وصل مستوى الضجيج الى 76 ديسيبل نهاراً و71 مساءً و96 ليلاً. وكمثال على ذلك، تلفت الدراسة إلى أنّ حدة الضجيج ارتفعت في منطقة الدورة عن الحد المسموح 52 مرة نهاراً و40 مرة مساء و10 مرات ليلاً، وارتفعت في وسط المدينة 6,1 مرة نهاراً و6,21 مرة مساءً و52 مرة ليلاً. وتوضح الدراسة أنّ كل زيادة 10 ديسيبل في الضجيج تمثل، بالحساب اللوغارثمي، زيادة عشرة أضعاف في حدته. وفي سياق الحديث عن تأثيرات الضجيج في منطقة بيروت الكبرى والأضرار الصحية الناجمة عنه، يتبيّن أن على رأس مصادر الضجيج تأتي وسائل النقل المختلفة، وفي طليعتها الدراجات النارية (4,07 %)، وحركة السير (1,36%)، وزعيق أبواق السيارات (3,65%). تلي ذلك مولدات الكهرباء الخاصة (1,55%)، وأعمال الانشاء (24%). وسجلت حركة الطائرات نسبة 8,31% فقط نظراً لتحويل مسارها فوق البحر.
مضاعفات خفية
وهكذا فإن “التلوث الضجيج” قد يتسبّب في ردود فعل غير متزنة، كالشرود الذهني، وعدم القدرة على التركيز، وإرتفاع ضغط الدم، والإفراز الزائد لبعض الغدد، مما يُسبِّب إرتفاع نسبة السكر في الدم، والإصابة بقرحة المعدة، وأوجاع الرأس والشعور بالتعب والأرق. كما تشير بعض الدراسات التي قام بها العلماء النمساويون إلى أن عمر الإنسان يقل من 8 إلى 10 سنوات في المدن الكبيرة بالمقارنة مع سكان الأرياف بسبب “التلوث الضجيج”. هنا لا بد من التساؤل عن حدود الضجيج المسموح بها والتي لا تؤثر على بنية الجسم. فنجد انه من المتعارف عليه أن الضجة تصبح مؤذية ابتداءً من 80 ديسيبل ويوجد خطر حقيقي خصوصاً على السمع ابتداءً من 90 الى 100 ديسيبل لذلك جرى تحديد لمستوى الصوت، مثلاً في المستشفيات لا يجب ان يتخطى الصوت 15 ديسيبل، وفي غرف النوم 20 ديسيبل، وفي داخل المنازل 30 ديسيبل، في المدارس 40 ديسيبل، في صالات السينما والمكاتب 45 ديسيبل، في المطاعم والمحلات التجارية 55 ديسيبل، في الشارع 65 ديسيبل، في المعامل والمطارات والساحات العامة 80 ديسيبل.
معايير علمية غير مطبقة
في هذا السياق أوضح الخبير البيئي الدكتور بيار ماليشف أنّ الأذن عادة تسمع من 30 الى 40 ديسيبل ولكنها باتت لا تسمع إلا ابتداءً من 60 ديسيبل بسبب الضجيج. ولفت إلى أن من أهم أسباب ضعف السمع عند الناس هو الضجيج العالي، لأن فقدان السمع يبدأ عادةً على الموجات العالية ثم ينتشر ليصبح صمماً (طرشاً)، يصحبه طنين أو رنين في الأذن. كما وشرح الدكتور ماليشف أنّ هذا الطرش الجزئي يصيب الأذنين معاً، وهو يتطور نحو الأسوأ دون الرجوع إلى الوراء، ولذلك يعتبر الضجيج من الملوثات البيئية التي تشكل ازعاجاً للراحة و ضررًا محتملاً للسلامة والصحة العامتين في ظل غياب أي تعريف علمي وواضح لمصطلحات الضجيج.
يرهق الأعصاب
أثبتت التجارب الطبية أن الضجيج يسبب زيادة في نبضات القلب والتنفس وارتفاعاً في ضغط الدم، وكذلك يؤدّي إلى اضطراب في هضم الطعام وتشنج العضلات. وهناك أيضاً تأثيرات الرجرجات الصوتية على جسم الإنسان مثل تلك التي تفتعلها آلات الحفر التي تسبب التعب السريع وقلة النوم وآلام المفاصل والتكلس والورم في العضلات. ثم إننا لا ننسى العبوات الناسفة والقذائف في الحروب التي تحدث موجة صوتية قوية مع ضجيج حاد مما يسب طرشاً جزئيا ًوهو تمزقاً في طبلة الأذن وفي بعض الأحيان دوخة وتقيؤ. كما وإنه يسبب أيضاً فقدان في التوازن عند الإنسان فيصبح الشخص معرضاً لأن يقع أرضاً في عمله مما يسبب حوادث كثيرة.
مستوى الصوت
يسجل مستوى الصوت بواسطة آلة تسجيل تدعى Sonometre وهناك آلات أكثر تطوراً تسمى Spectraux Analyseure او آلة Vibrometre ويوجد وحدة قياس وهي ديسيبل .Decibel أما فحص السمع عند الإنسان فيكون بواسطة تخطيط السمع أو أوديو غرام Audi gramme .
الوقاية المؤقتة
في البلدان الصناعية المتطورة تتركز الوقاية الآن على الآلات الجديدة اي الآلات التي توضع في الإستعمال حديثاً حتى تكون صامتة أو خافتة الصوت. أما الآلات القديمة فيجب إجراء تحسينات عليها لخفض الضجة المنبثقة منها. وكذلك أصوات التسربات المائية أو الغاز التي تعطي قوة دفع كبيرة وضجة وهذه تكافح باستعمال فيلتر Filter أو كاتم صوت. وفي هذا السياق، لفت الخبير البيئي الدكتور بيار ماليشف إلى وجود قدرة على تغليف الآلة بمواد تسحب الصوت وتخفضه أو تصفيح الآلة بواسطة صفائح من الرصاص تعزلها أو تبديل القطع القديمة بقطع الكترونية حديثة صامتة. ويشدّد أيضاً على وجوب عزل منبع الصوت أي عزل الآلة بوضع مواد حولها ضد الرجرجات الصوتية مثل المطاط (الكاوتشوك)، او النباضات (الرسورات) Ressorts أو فراش من البلاستيك. ومن أحسن مواد العزل هو الإسمنت (الباطون). ويرى ختاماً أنه من الأفضل أن نضع الآلة ضمن غرفة مقفلة من الباطون حتى نستطيع إضافة مواد داخل جدران تمتص الصوت.
___________________
* بريد القراء، نقلًا عن مقال لسوزان برباري في صحيفة الديار، آذار 2013، بتصرف.
التلوث والضجيج يتسببان بأمراض كثيرة