د. أحمد قوبيلي بن موسى*
يقول الله تعالى في سورة الأنعام: (الحمدلله الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام: 1)
يقول الطبري ـ رحمه الله ـ في تفسيره للآية الكريمة: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض, يعني الحمد الكامل لله وحده لا شريك له دون جميع الأنداد والآلهة والحمد لله الذي أظلم الليل وأنار النهار.. قال الظلمات ظلمة الليل والنور نور النهار.
وقال أيضًا، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور, أي إن الله تعالى خلق السموات قبل الأرض والظلمة قبل النور والجنة قبل النار… ولم يشر رحمه الله إلى سبب ذكر الظلمات بصيغة الجمع والنور بصيغة المفرد.
ونجد في تفسير الجلالين مايلي: الحمد هو الوصف بالجميل ثابت لله، وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء عليه أو هما معا… احتمالات أفيدها الثالث. وقال (وجعل الظلمات والنور) أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها وهذا من دلائل وحدانيته. (ثم الذين كفروا) رغم قيام هذا الدليل (بربهم يعدلون) أي يسوون غيره في العبادة.
ويقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ في ظلال القرآن: إن الآية الأولى من سورة الأنعام تذرع الوجود الكوني, والآية الثانية تذرع الوجود الإنساني… ثم تحيط الألوهية بالوجودين كليهما الآية الثالثة. ولم يشر أيضا ـ رحمه الله ـ إلى سبب ذكر الظلمات بصيغة الجمع والنور بصيغة المفرد.
وأما سبب عدم قيام المفسرين ـ رحمهم الله ـ بذلك، فلأن الآية الكريمة تضم حقيقة كونية لم يتوصل إليها العلم إلا في القرن العشرين. ذلك أن المتمعن في ما توصل إليه العلماء في هذا المجال وفي تفسيرهم للنور والظلام سيجد العجب.
الحقيقة العلمية:
يقول العلماء: إن العالم الذي نعيش يشتمل على عدد هائل جدًا من الموجات والذبذبات التي هي في الواقع موجات كهرومغناطيسية Ondes éléctromagnetiques, هذه الموجات تتميز بكونها مكونة من موجتين: موجة كهربائية وموجة مغناطيسية.
الموجة الكهربائية متعامدة مع الموجة المغناطيسية أي إن بينهما زاوية 90 ْ وأنهما تتنقلان معا على شكل مستقيم.
تتميزكل موجة كهرومغناطيسية بـ:
طول الموجة، ويقاس بالمتر (Longueur d’onde (mètre :m
ترددها، ويقاس بالهرتز (HERTZ) Fréquence de l’onde
التردد هو عدد الموجات في الثانية الواحدة, وبالتالي كلما كانت الموجة قصيرة ارتفع ترددها.
وهكذا نجد أنواعًا متعددة من الموجات الكهرومغناطيسية، وكل منها يتميز بخصائص نلخصها في ما يلي:
الموجات القصيرة جدا التي بقل طولها عن 10-13 m وتسمى الأشعة الكونية RAYONS COSMIQUES وهي تستطيع اختراق المادة دون أن تتفاعل معها لذلك يصعب الكشف عنها. هذه الأشعة تستعمل للتعقيم STERILISATION وفي التصوير الطبي. وهي غير مرئية.
نجد أيضا الموجات ذات الطول المحصور بين. 10-13 m و10-10 m وتسمى الأشعة GAMMA وهي أيضًا غير مرئية.
تأتي بعد ذلك الأشعة السينية RAYONS X. وطول موجتها يتراوح بين. 10-10 m و10-18 m وتستعمل في المجال الطبي لتصوير العظام والكسور وهي أيضا غير مرئية.
أما في المجال 10-8 m و 4.10-7 m فهناك الأشعة فوق البنفسجية RAYONS ULTRA VIOLETS (UV) التي تستعمل للتعقيم في غرف العمليات الجراحية وهي المسؤولة عن تغيير لون جلد الإنسان عندما يتعرض للشمس BRONZAGE كما أنها أيضا غير مرئية.
أما المجالات الضوئية التي تستطيع العين البشرية رؤيتها فهي فقط التي تنتمي إلى المجال 4.10-7 m- 7.10-7 m وتكون الأشعة المرئية LUMIERE VISIBLE جميع الألوان المعروفة تنتمي إلى هذا المجال.
تأتي بعد ذلك موجات غير مرئية طولها أكبر من 7.10-7 m واصغر من 10-4 m وتسمى الأشعة تحت الحمراء RAYONS INFRA ROUGE (IR) وهي التي تكون الحرارة. هذه الموجات يمكن الكشف عنها بواسطة كاميرات خاصة تسمى الكاميرات الحرارية CAMERAS THERMIQUES
أما الموجات ذات الطول المحصور بين 10-4 m و1m. فتكون الموجات القصيرة Micro-ondes. وهي تستعمل لطهي الطعام في بعض أنواع الأفران وإما لتوجيه الطائرات بواسطة الرادارات Radars.
أخيرا نجد موجات الراديو ondes radio وطولها أكبر من 1 m وأصغر من 106 m هذه الموجات يعمل بها الراديو والتلفزيون وتستعمل كذلك للتنقل في المجال الجوي، وهي مثلها مثل باقي الموجات السابقة، غير مرئية ولا تستشعرها العين البشرية وتكون اللون الأسود.
وهكذا يمكن أن يكون المجال المرئي في الكون الذي خلقه الله تعالى بقدرته وعلمه, يشير إلى النور (بصيغة المفرد) وهو لا يشكل إلا نسبة ضئيلة جداً من المجال غير المرئي الشاسع جدا والذي يظهر على شكل لون أسود وهو المعبر عنه بـ (الظلمات) (بصيغة الجمع).
لذلك يمكن أن يكون النور الذي ذكره الله تعالى بصيغة المفرد والظلمات التي وردت بصيغة الجمع في كل آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر الظلمة والنور إشارة إلى المجال المرئي والمجالات غير المرئية للموجات الكهرومغناطيسية…
والله أعلم. فسبحانك ربي كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. (…)
___________________________
* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.eajaz.org