د. جورج ضاهر*
تكمن أهمية البصر في أنه المعبر الأساسي الذي تنتقل منه المشاهد والصور إلى الدماغ. وتحتاج حواس اللمس أو السمع أو الشم أو الذوق إلى جهود ضخمة حتى تتمكن من نقل جزء مما ينقله البصر إلى الدماغ في ثوان قليلة.
والعين ليست إلا العدسة اللاقطة والدماغ هو الذي يرى الصور وهو الذي يحللها وفيه تتفاعل نتائج التحليل ومنه تنتقل الأوامر النفسية والبيولوجية إلى سائر أنحاء الجسد. في داخل الدماغ تأخذ المعاني أبعادها الاجتماعية والجنسية. فهو المصنع الذي ينتج المشاعر والأحاسيس. ولا تذهب المشاهد والصور جميعها إلى مكان واحد في الدماغ، بل يذهب كل نوع منها إلى الجهة المخصصة من الدماغ القادرة على فهمها واستيعابها وتحليلها.
وتبين للباحث الفرنسي الدكتور سيرج ستوليرو المتخصص بالأعصاب[1] أن في مقدمة الدماغ حجرتان واحدة فوق كل عين تستقبل ما يتعلق بالجنس وتحلل رموزه ثم تحيله إلى مناطق معينة من الدماغ الأيمن ثم إلى مناطق أخرى في الدماغ الأيسر.
وتعتبر غدة (Hypothalamus) من أكثر غدد الدماغ تأثرًا بالمناظر الجنسية، فهي المسؤولة عن الحس الحيواني والجنسي عند الانسان، وتقع تحت الغدة النخامية (Hypophyse) فتفرز سلسلة من الهرمونات، ثم تقوم بعض خلايا الدماغ بافراز شحنات كهربائية ترفع من ضغط الدم وتزيد من نسبة التيستوستيرون.
كما يمكن عند تحرك أعصاب الدماغ وانتقال الاشارات السريعة فيه من حجرة إلى حجرة أن يستعيد الانسان من ذاكرته وبطريقة لا شعورية أحداثًا كثيرة تعرض لها في حياته بدءًا من زمن الطفولة وحتى يومه ذاك وبذلك يحتمل ان يستحضر أية حالة قديمة منها فتؤثر في عمله الجنسي الآتي سلبًا أو إيجابًا.
وقد تبين أن الدماغ هو الذي يرسخ هذه المشاعر في الانسان، وما لم يفض الانسان إلى شريكته فسيصل إلى درجة عالية من التأثر تجعل الدماغ مضطربًا ومقيدًا بتصرفات قد يكون بعضها غير متزن ومصحوبًا باضطرابات تشغل حيزاً كبيرا من اهتماماته، كما تتسبب بإفرازات مضرة في أنحاء الجسم.
وقد قرأت في “إحياء علوم الدين”: “اذا انتشرت آلة العبد فقد ثلثي عقله”[2]. وخير علاج لهذه الاضطرابات هو أن يأتي الرجل أهله ، فعنْ جَابِر بن عبد الله “أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً، فَدَخلَ عَلَى زَيْنَبَ فَقضَى حَاجَتَهُ وخَرجَ. وقالَ: إنّ المرْأَةَ إذَا أقْبَلْت، أقْبَلتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ. فَإذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرأَةَ فأَعْجَبَتْهُ فلْيَأْتِ أهْلَهُ، فإنّ مَعَهَا مِثْلَ الذِي معَهَا”.[3]
وعلى الزوجة ان لا تتلكأ في الاستجابة لما في ذلك من ضرر صحي على الزوج فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتجب، وإن كانت على ظهر قتب “[4] .(أي وإن كانت مرتحلة على ظهر بعير).
أما اذا تجاهلت الأمر أو رفضت ؟ فقد يؤثر ذلك على غدة البروستات عند الرجل ولو بعد حين. ولتجنب الضرر النفسي والصحي والاجتماعي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من امرأة يطلب زوجها منها حاجة فتأبى فيبيت وهو عليها غضبان إلا باتت تلعنها الملائكة حتى يصبح” [5].
ومع أن الرجل أسرع تأثراً من المرأة حيث تبين من خلال اختبارات الأشعة أن حجرات الدماغ عند الرجل أكثر تأثرًا وأسرع استجابة من حجرات الدماغ المماثلة عند الأنثى، فينبغي أن تحذر الأنثى ما يحذره الذكر من فرط التأثر، فقد حدثت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قَالَتْ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهُ (صلى الله عليه وسلم)،أَقْبَلَ ابنُ أَمّ مَكْتُومٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعَدَ مَا أُمِرْنَا بِالحجابِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقلت: يَا رَسُولُ الله أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا، وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ” . [6] إذ أن الأذى الناجم عن ذلك مضر بالمرأة كما يضر بالرجل.
ووقى الله الشباب من الافراط في النظر وفي مشاهدة الصور والافلام الاباحية لأن الأمر بات يحتاج إلى ارادة قوية وعصمة لا يقدر عليها إلا أولو العزم من الشباب المؤمن.
*طبيب وباحث لبناني عضو في منتدى الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في لبنان.
[1] Dr. Serge Stoleru neurologue (INSERM – CERMEP)
[2] الإمام الغزالي ، إحياء علوم الدين،المجلد 2،ص 28، فصل آفات النكاح وفوائده، قول لفياض بن نجيح.
[3] الترمذي عن جابر.
[4] البزار عن زيد بن أرقم: صحيح.
[5] عن ابن عمر رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
[6] أخرجه الترمذي وأبو داود ومسلم وأحمد والطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها.