أ.د محمود العطيفي*
مقدمة
احتوى القرآن الكريم على آيات عديدة تتعلق بالحروق على وجه من وجوه الدلالة. فبعض الآيات يمكن أن يكون لها تعلّق بدرجات الحروق، وبعضها يمكن أن يكون له تعلّق بأسباب الحروق، كما يمكن أن يكون للبعض الآخر تعلّق بأمثل الطرق للإسعافات الأولية لهذه الحروق.
درجات الحروق
يعتمد عمق الحروق في أغلب الأحيان على درجة حرارة المؤثر ووقت التعرض له. ولا يخفى على أحد شكل الحرق الذي ينتج عن النار أو الأشياء أو السوائل الساخنة، فهو إما مجرد إحمرار للجلد في الدرجة الأولى من الحرق أو فقاقيع مائية تنفجر وينسلخ سطح الجلد ويصبح مبللاً بالسوائل التي تفقد من الجلد باستمرار وهذه صفة حروق الدرجة الثانية، أو يجف الجلد ليصبح مثل المشمع ويفقد الإحساس واللون الطبيعي ليصبح أبيض بدون دموية أو حيوية وربما أسود اللون، وهذا يحدث في حروق الدرجة الثالثة وهي الأكثر عمقاً.
وأحد الفروق بين حروق الدرجة الثانية والدرجة الثالثة هو اختبار نزع الشعر في منطقة الحرق حيث يظل الشعر مثبتاً بالجلد في حروق الدرجة الثانية ويصحب محاولة نزعه ألم شديد كما هو معتاد. أما في حروق الدرجة الثالثة فتتم عملية نزع الشعر بسهولة وبدون ألم لوصول الحرق إلى منطقة بصيلات الشعر. وقد جاءت هذه المعلومة في قوله تعالى (كَلاَّ إنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) (المعارج: 15، 16) فالشوى هي فروة الرأس .
أسباب الحروق:
وعندما نحاول سرد أسباب الحروق التي كتبت في كتب الطب نجد أنها إما عوامل طبيعية أو كيميائية ولا شيء غير ذلك. أما العوامل الطبيعية فهي إلى وقتنا هذا لم تتعد الشحنات الكهربائية وتشمل أيضاً الإشعاعات بأنواعها. والصعقة الكهربائية تؤدي إلى حروق تسمّى حروقاً كهربائية. ثم تنتج حروق عن درجات الحرارة القصوى من كلا الاتجاهين المنخفضة جداً ثم المرتفعة جداً، وتنقسم الأخيرة إلى ثلاثة أنواع: حروق نارية وهي تمثل معظم أسباب الحروق التي نقابلها ثم الحروق السلقية أو التي تحدث من سوائل ساخنة أو مغلية وترتفع نسبة حدوثها في الأطفال ثم الحروق باللمس مثل المكواة.
بقي السبب الأخير ألا وهو الحروق التي تنتج من مواد كيميائية حارقة مثل القلويات الكاوية والأحماض الحارقة وبعض العناصر مثل الفسفور وخلافه. وعندما نقرأ كتاب الله الكريم بعين العالم وعقل المفكر وقلب المؤمن نجد أن كل هذه الأسباب قد ذكرت في القرآن.
الحروق الكهربائية
فالحروق الكهربائية نسبة حدوثها 2 ـ 3% قد ذكرت في سورة الرعد بكلمة الصواعق (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ). (الرعد: 13)
إن أصعب الجروح هي الحرق وأصعب الحروق هي الحروق الكهربائية. وقد جاء هذا المعنى أيضاً في القرآن الكريم في سورة الطور. (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ وَإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون) (الطور: 45 ـ 47) أي مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى يعذب العاصين من عباده بدرجات متفاوتة كل حسب جرمه.
حروق “البرد”
أما درجات الحرارة المنخفضة جداً فقد ذكرت في القرآن حيث كلمة صر هي البرد الشديد. (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (آل عمران: 117) والكل يعرف (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69) فلو كانت برداً فقط لأضرت به.
ومما هو مؤكد أن درجات الحرارة المنخفضة جداً تؤدي إلى حرق الأنسجة التي تتعرض لها، ولكن يختلف هنا شكل الحرق عن الحروق النارية بدرجاتها فهذه الإصابة تترك الجزء المصاب بنفس الشكل الطبيعي ولكنه يفقد الحيوية والوظيفة والقدرة على الحركة والتكاثر إلى أن يضمحل تدريجياً. وقد جاء هذا واضحاً في قوله تعالى في سورة الحاقة: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة) (الحاقة: 6، 7).
الحروق النارية
ثم تأتي درجات الحرارة المرتفعة بأنواعها وهي تمثل حوالى 95% من أسباب الحروق وأولها وأكثرها شيوعاً الحروق النارية. ولا يمكن سرد كل الآيات التي ذكر فيها هذا النوع من الحروق لكثرتها ولكن سوف نسرد فقط بعض الآيات التي يتضح منها عمق القرآن ودقته. (فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين) (البقرة: 24).
ثم جاء نفس المعنى في سورة التحريم: (يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوآ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلآئِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6). درجة انصهار الحجارة تزيد عن الألف درجة مئوية ووجود الناس مع الحجارة في أتون واحد يشير إلى شدة العذاب.
في أكثر من مقام يشير الله سبحانه وتعالى إلى أشد العذاب وهو عذاب الحريق، وأن النار أعدت للكافرين وهذا يؤكد مقولتنا السابقة أن أشد الجروح هي الحروق. وقد جاء ذلك في سورة آل عمران. (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ) (آل عمران: 181).
ثم سورة الأنفال (وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ) (الأنفال: 50).
ثم سورة الحج في أكثر من مكان (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيق) (الحج 9) (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيق) (الحج: 22)
ومما هو معروف لدينا أنه إذا أردت تسخين قطعة من الحديد مثلاً فعليك أن تضعها في أسفل النار وليس في اللهب الأصفر العلوي. وُضّح هذا في قوله تعالى في سورة النساء: (إنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) (النساء: 145). وهذا معناه مرة أخرى أن العذاب درجات وأن النفاق من الصفات السيئة التي تؤدي بصاحبها إلى درجة أعلى من العذاب لصفات سيئة أخرى.
يصيب الحرق أول ما يصيب جلد الإنسان المليء بالأعصاب الحسية التي تحمي الجسم من أي مؤثر خارجي قد يضر بالإنسان، فيتنبه ويبتعد عن المؤثر بمجرد وصول هذا الإحساس إلى مراكز هذه الأطراف والدليل على ذلك عند أخذ حقنة مثلاً. إحساس الإنسان بالألم عند إدخال الإبرة في الجلد ثم يختفي أو يضعف هذا الإحساس كلما دخلت الإبرة في الطبقات الداخلية بعد الجلد، ومن هذا يتضح أن عذاب الحريق أشد عذاب، ولهذا اختص الله به الكافرين من عباده. فقال تعالى في سورة النساء: (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا). وهذه الآية تؤكد مرة أخرى على عمق الحروق من نار جهنم، ولكن قدرة الله عز وجل كانت جلية في تجديد جلودهم ليذوقوا العذاب. وهذا تصوير دقيق لدرجات الحروق. فالدرجات السطحية التي تؤثر على طبقة البشرة والجزء السطحي من أدمة الجلد تؤدي إلى كشف الأطراف الحسية للجو الخارجي وبذلك يزداد الإحساس بالألم ولكن عندما تأتي النار على كل طبقات الجلد (أي النضوج) هنا تموت الأطراف الحسية ويقل الإحساس بالألم. ومعنى الآية استمرار الحرق مع تبديل الجلد المحروق بجلد يوجد به الإحساس المستمر ليستمر العذاب والإحساس بالألم.
الحروق السلقية
في قوله تعالى (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف 29).
(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ) (الحج: 19).
ومعظم الحروق السلقية تصيب الأطفال في مناطق (الوجه والرقبة والكتفين)، حيث تؤدي به غريزة حب الاستطلاع إلى محاولة أخذ ما فوق الموقد المشتعل لرؤية ما به، فينسكب ما بالإناء على الوجه والكتف واليد التي أمسكت بالإناء.
حروق اللمس
أما حروق اللمس فجاءت في سورة التوبة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 34، 35). والجبهة ليظهر التشوه أمام الناس كما أشاحوا بوجوههم عن الفقراء، والإحساس بالألم في الجنب أشد من مناطق أخرى بالجسم لأنهم لم يشعروا بحاجة الفقراء، والإحساس بالألم في الظهر كناية عن صعوبة الدفاع عن النفس في هذا المكان لأنهم لم يدفعوا حاجات الفقراء والبائسين. (والله ورسوله أعلم).
الحروق الكيماوية
والسبب الأخير هو الحروق الكيماوية. فقال تعالى في سورة إبراهيم (سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وَجُوهَهُمُ النَّارُ) (إبراهيم: 50) وتظهر هنا مرة أخرى دقة التعبير وبلاغة المعنى إذا علمت أن القطران مادة كيميائية عندما يكون ساخناً يلتصق بالجسم بحيث تصعب إزالته، وقد يؤدي الاستعجال في محاولة إزالته إلى ضرر أكثر من الضرر الذي يصيب الإنسان من القطران الساخن نفسه. وكلمة سرابيلهم معناها ملابس ضيقة تلتصق بالجسم.
ثم نسرد الآن بعض الآيات التي تصف بعض أنواع من الحروق بدقة:
(وَلَوْ تَرَى إذْ وَقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ) (الأنعام: 27) وتصور هذه الآية دراسة دقيقة للنفس البشرية التي تعرف عملية الثواب والعقاب جيداً ولكن غواية الشيطان تحسن له في الخطأ فيتمادى فيه ولا ينتبه إلا بعد فوات الأوان. وقد يحدث هذا في الدنيا أيضاً فقد يقرر الإنسان ضعيف الإيمان التخلص من حياته بالانتحار حرقاً (وهو حرام شرعاً) ويأخذ القرار بقوة واندفاع شديدين، ثم بعدما يشعر بألم الحرق يجري مندفعاً نحو أقرب مكان يجد فيه من ينقذه أو يطفئ ناره المشتعلة مع أن الجري يزيد النار اشتعالاً وتشتد الخطورة ويصعب العلاج.
حروق الرئتين والاستنشاق
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (هود: 106) فقد اكتشف العلم الحديث منذ حوالى عشرين سنة تقريباً خطورة حروق الرئتين والتي تحدث من اشتعال النار في أماكن مغلقة، وعندئذ يستنشق الإنسان الأبخرة الساخنة التي تصيب الرئتين بحروق خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة حتى لو لم يكن الحرق الخارجي متسعاً وخطيراً. وهذه الحروق تحتاج إلى رعاية مركزية أثناء العلاج وجهاز تنفس صناعي إلى أن تتحسن الحالة. وقد سبق الزفير الشهيق لتأكيد العقاب وعدم الهرب منه، حيث إنه بعد الزفير الشديد لا يستطيع الإنسان إلا أن يشهق أي هواء موجود في الجو المحيط به لاحتياجه الشديد لهذا الهواء، فإذا كان الجو المحيط هو النار فهو عندئذٍ مضطر إلى استنشاق الأبخرة الساخنة التي تصيب الرئتين بالحروق الشديدة في عملية الشهيق الإجبارية التي تعقب الزفير. تبدأ الدورة الطبيعية للتنفس بالشهيق وتنتهي بالزفير، وتنعكس الدورة في حالات الضغوط الشديدة والحرق من أهم هذه الضغوط.
مضاعفات الحروق
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) (فاطر: 36) ألم الحرق من الشدة بمكان قد يصيب الإنسان بصدمة عصبية فيموت أو شدة الحرق أيضاً تفقد الإنسان حياته. فنسبة الوفيات من الحروق الجسمية التي تزيد عن 40% من سطح الجسم عالية جداً وهذه الآية من سورة فاطر أكبر دليل على ذلك ثم قال تعالى في سورة المؤمنون: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وَجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُون) (المؤمنون: 103، 104). وكل من يرى حروقاً عميقة بالوجه وآثارها يعرف معنى كلمة كالحون (الشفاه مشوهة والتصقت بالذقن) وهذا كثيراً ما نراه حيث إننا نعالج هذه الحالات بإجراء عمليات ترقيع لهم، مع العلم أن هذه الحالة لا تحدث إلا بسبب الحرق.
الإسعافات الأولية
دأب الناس قديماً على استعمال أشياء توضع على الحرق لتسكين الألم وكلها خطأ وتؤدي إلى الضرر ومنها الزيت والبيض ومعجون الأسنان وأحياناً الكيروسين. وبدأ العلماء حديثاً في محاولة لمنع الناس من استعمال هذه المواد الضارة أو على الأقل التي لا فائدة منها.
وينصح العلم الحديث بأن أحسن شيء يوضع على الحرق لتخفيف الألم الشديد هو الماء الجاري. وقد ذكر الله تعالى هذا بوضوح شديد في سورة الأعراف:(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِين) (الأعراف: 50).
وعندما نتأمل في وظيفة الجلد نجد أن من أهمها الحماية مثلاً ضد فقدان سوائل الجسم وأول شيء يشكو منه المصاب بالحرق هو الألم الذي يجف بصب الماء ثم بعد ذلك يشكو من ظاهرة العطش والمقصود بكلمة مما رزقكم الله هي المأكل والمشرب حيث يحتاج مصاب الحروق إلى كميات من الغذاء والسوائل أكبر بكثير من احتياج الإنسان العادي لفقد كميات كبيرة من خلال الجلد المحروق.
خاتمة
وقبل أن اختم حديثي أحب أن اطمئن القارئ المؤمن الذي يخشى الله سبحانه وتعالى بآية من سورة آل عمران: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُور) (آل عمران: 185) وهذا يدل مرة أخرى على أن النار هي أهم وأول وسيلة عقاب للكافرين في الآخرة بسبب كفرهم وأن أكبر جائزة للمؤمن هي بعده عن النار وأن يدخل الجنة.
وفي النهاية هي معلومات عامة عن الحروق قد ذكرها الله في كتابه العزيز ولكننا للأسف الشديد تعلمناها من الكتب الدنيوية الحديثة ولم نستطع اكتشافها من كتابنا ودستورنا الذي بين أيدينا منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان وكان من الأولى بنا ذلك، ولهذا أحب أختم حديثي بقوله تعالى في آخر سورة البقرة: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وَسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِين) (البقرة: 286).
___________________________
* أستاذ الجراحة العامة والتجميل جامعة اسيوط. للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.eajaz.org