د.خالص جلبي*
إنه العلاج بدون أي علاج، ويعرفه الأطباء ويجهله المرضى. وهو يفعل ليس من الخارج بل من الداخل بالإيحاء للمريض أنه العلاج فيستخدمه المريض فيشفى والله هو الشافي. {وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِى يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ{80}} (سورة الشعراء)، وهذا من أعظم أسرار الشفاء في البدن [ثقةً واعتقادًا وتوكلاً]. وقد يقول قائل وما هو؟ وجوابي: إنه ليس بشيء أي إنه بكلمة أخرى أن نقول للممرضة أعطيه حقنة “بلاسيبو” فتذهب الممرضة لتحقن المريض بالماء وهو يظن أنه يحقن بالدواء، وتحت الإلهام بهذا التأثير يشفى تلقائيًا لأن جسمنا مبني على قدرة ترميم نفسه ذاتيًا ويمكن أن يشفي نفسه بنفسه [مصداقًا للحديث الشريف: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ”.][i]. وهذا له قاعدته الكيماوية وهو إفراز هرمون سحري تم اكتشافه وهو الاندومورفين وليس هو الوحيد. ويفرز من الدماغ فيخفف الألم ويشفي الإصابة ويعدل المزاج.
وقد تمت دراسة هذا الموضوع على يد لجنة تخصصية في ايرلندا لمعرفة القاعدة العلمية وطرائقها من أجل تعميمها (…) ويبدو أن الشفاء يتم عند الاعتقاد بالشفاء. وأعجبتني كلمة سمعتها من أخ فاضل: لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا، وربما أصلها حديث شريف[ii]. وعكسها أن عقيدة الشفاء تشفي برفع قوة المقاومة الداخلية.
وفي مشفى فيكتوريا في مدينة بريطانية اتصل الدكتور ألبرت مايسون بدكتور الجلدية ليقول له إنه عالج مريضا مصابًا بالثآليل وهي تشفى بالتأثير النفسي وصور الحالة وعرض أثر البلاسيبو عليه وصعق الدكتور لما رآها، قال له إنه ليست حالة ثآليل بل مرض الجلد الفيلي. ولما دخل هذا في روع الطبيب المعالج لم تشف بعدها على يده حالة واحدة على الرغم من تدفق الآلاف عليه يبتغون الشفاء والسبب فسره نفس الطبيب فقال إنه بدأ في الاعتقاد أنه لن يشفي المرضى، فلم يشف مريض بكل بساطة.
ومن أعجب التجارب تلك التي أجريت في جامعة تورين على المرضى لتخفيف الألم فكانوا يحقنون بالبلاسيبو بعد تعريضهم لصدمات كهربائية وإيهامهم أنهم يأخذون مسكنات بحقن قاتلة للألم. وكانوا يحقنونهم فعلاً بالمورفين وما شابه. ولكن بعد فترة لم يعودوا يحقنون بالمسكنات ورفع عيار الكهرباء فاستجابوا لوهم العلاج فسبحان الله الذي أودع فينا هذه الطاقات المخفية داخلنا.
وفي مشفى جراحي تم إيهام مريض مصاب بقسط في الركبة أي تحدد في الحركة وكان لا يستطيع المشي عليها فأدخل غرفة العمليات وأجري له شق جراحي على الركبة وخيط ولكن من دون أي جراحة، فقام يمشي وهو يظن أن علته عولجت ولم يعالج بشيء فسبحان الشافي.
ولقد خصصت أمريكا خمسة ملايين دولار لأبحاث البلاسيبو لتحويلها إلى علم مؤسس يخضع لقوانين. إنها سنة الله في خلقه.
ويروى من تاريخنا عن أحد الصالحين[iii] أنه لما تعفنت قدمه تم بترها وهو يصلي ويسبح الله. قال لهم: سأبدأ صلاتي فإذا باشرت باشروا القطع وصبر ولم يهتز. { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[iv].
[i] صحيح مسلم بشرح النووي، عن النعمان بن بشير.
[ii] العجلوني، إسماعيل، الجراحي نسبة إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1351 هـ. “لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا”، ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقال عن أبيه منكرًا، وأسنده الديلمي عن وهب بن قيس مرفوعًا، وعلى كل حال فلا يصح وإن وقع لبعض أصحابنا، وأما الزيادة التي على ألسنة كثير من العامة وهي فتموتوا فتدخلوا النار فلا أصل لها أصلاً.
[iii] يقصد الصحابي عروة بن الزبير رضي الله عنهما، لتدقيق الرواية راجع كتاب لسان العرب لابن منظور ج9 ص167.
[iv] القرآن الكريم، سورة يونس، آية 62.