بقلم الشيخ عبد الرزاق نوفل رحمه الله*
قرر القرآن الكريم في آياته الشريفة أن الإنسان إذا أصابه الأسى والحزن اسود وجهه وذلك بنص الآية الكريمة : {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسودّاً و هو كظيم } (سـورة النحـل 58 ).
و كذلك يفعل به الأسف والندم والخزي بنص الآية الشريفة : { و إذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسـوداً و هو كظيم } (سـورة الزخرف : 17).
وأورد حقيقة هامة و هي أن الوجه مرآة النفس و أنه يمكن للإنسان أن يعرف حالة صاحبه بمجرد النظر إلى وجهه و ذلك بنص الآية الكريمة : { تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} (سورة الحج : 72 ).
و كذلك بالنص الشريف: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } (سورة الفتح : 29).
و لم يعرف مدى ما في هذه الآيات الشريفة من إعجاز علمي حتى تقدم العلم في أبحاثه وحتى قررت الأبحاث الطبية والسيكولوجية أن الوجه حقاً مرآة النفس كما سبق القرآن الكريم بالقول به من عشرات المئات من السنين فيقول الدكتور جايلورد هاروز ( إن وجهك هو رسولك إلى العالم ومنه يمكن ان يتعرف الناس على حالك بل يمكنك إذا نظرت إلى المرآة أن تعرف حالتك تحديداً وأن تسأل وجهك عما يحتاج إليه .. فتلك الحلقات السوداء التي تبدو تحت العينين تدل دلالة واضحة على احتياج الإنسان للتغذية وتنقية الجو الذي يعيش فيه فهو يفتقر إلى الغذاء والهواء … و أما هذه التجاعيد التي تظهر بوضوح مدى ما أصاب الإنسان من سنين فهي علامات على كيف تسير حياة صاحب الوجه ) .
و الطب الحديث يقرر أن بالوجه خمساً وخمسين عضلة نستخدمها دون إرادة أو وعي في التعبير عن العواطف والانفعالات ، وتحيط بتلك العضلات أعصاب تصلها بالمخ، وعن طريق المخ تتصل تلك العضلات بسائر أعضاء الجسم، وكذلك ينعكس على الوجه كل ما يختلج في صدرك أو تشعر به في أي جزء من جسمك … فالألم يظهر واضحاً أول ما يظهر على الوجه .. والراحة والسعادة ….مكان وضوحها وظهورها هو الوجه …. وكل عادة حسنت أو ساءت تحفر في الوجه أثراً عميقاً، فلذلك فإن الوجه هو الجزء الوحيد من جسم الإنسان الذي يفضح صاحبه وينبئ عن حاله ولا يوجد عضو آخر يمكن به قراءة ما عليه الإنسان …بل إن العلماء يقولون بإمكان قراءة طبع الشخص خلقه في تجاعيد وجهه… فأهل العناد وقوة الإرادة الذين لا يتراجعون عن أهدافهم من عادتهم زم الشفاه فيؤدي ذلك إلى انطباع تلك الصورة حتى حين لا يضمرون عناداً ….أما التجاعيد الباكرة حول العينين فترجع إلى كثرة الضحك والابتسام وأما العميقة فيما بين العينين فتدل على العبوس والتشاؤم …و الخطباء ومن على شاكلتهم من محامين وممثلين تظهر في وسط خدودهم خطوط عميقة تصل إلى الذقن، الكتبة على الآلة والخياطون ومن يضطرهم علمهم إلى طأطأة الرأس تظهر التجاعيد في أعناقهم تتكون الزيادات تحت الذقن .
و يقول الدكتور الكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة ( إن شكل الوجه يتوقف على الحالة التي تكون عليها العضلات المنبسطة التي تتحرك داخل الدهن تحت الجلد وتتوقف حالة هذه العضلات على حالة الأفكار ….).
حقاً يستطيع كل إنسان أن يضفي على وجهه التعبير الذي يريد ولكن يحتفظ دائماً بهذا القناع ويتشكل وجهنا تدريجياً على الرغم منا وفقاً لحالات شعورنا، ومع التقدم في السن يصبح صورة مطابقة لمشاعر الشخص برمته ورغباته وآماله … ويعبر الوجه أيضاً عن أشياء أعمق من نواحي نشاط الشعور فيمكن للمرء أن يقرأ فيه ـ فضلاً عن رذائل الشخص وذكائه ورغبته وعواطفه وأكثر عاداته تخفياً ـ جبلة جسمية واستعداده للأمراض العضوية والعقلية ، فالواقع أن مظهر الهيكل العظمي والعضلات والدهن والجلد وشعر الجسم يتوقف على تغذية الأنسجة، وتغذية الأنسجة محكومة بتركيب الوسط الداخلي أي بأنواع نشاط الأجهزة الغددية والهضمية وعلى ذلك فمظهر الجسم يدلنا على حالة الأعضاء، والوجه بمثابة ملخص للجسم كله فهو يعكس الحالة الوظيفية للغدد الدرقية والمعدة والأمعاء والجهاز العصبي في آن واحد وهو يدلنا على النزعات المرضية لدى الأفراد. إن بوسع الملاحظات المدققة أن يتبين أن لكل إنسان يحمل على صفحة وجهه وصف جسمه وروحه.
وهكذا يصل العلم أخيراً إلى ما سبق القرآن بتقريره في آياته الشريفة من أن الوجه مرآة النفس و أن عليه تنعكس حالات الإنسان لاسيما العاطفية منها وما يتصل بشعوره ووجدانه، فمن السهل ملاحظة الأسى والأسف ظاهرين على الوجه بما يخالطه من علامات القناعة والسواد بعكس السعادة والطمأنينة والإيمان والسكينة إذ تخط على الوجه علامات النور والرضا.
ـــــــــــــــــ
* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.55a.net