أ. صبحي رمضان فرج*
ورد ذكر الشمس في القرآن الكريم 35 مرة, منها 33 مرة باسمها (الشمس)، ومرتان بصفتها بأنها (سراج)، و(سراج وهاج). وتصف الآيات القرآنية الشمس بأنها آية من آيات الله، وأن الله تعالى خلقها بتقدير دقيق وجعل لنا من انضباط حركاتها وسيلة دقيقة لحساب الزمن والتأريخ للأحداث، وأنها ضياء ( أي مصدر للضوء) وأنها سراج ( أي جسم متقد، مشتعل، مضيء بذاته)، وأنها سراج وهاج ( أي شديد الوهج)، وأنها والنجوم مسخرات بأمر الله، مسبحات بحمده، ساجدات لجلال عظمته، وأن هذا التسخير لأجل مسمى ينتهي بعده كل هذا الوجود، وأن بداية تهدم الكون الحالي تتمثل في بداية تكور الشمس وانكدار النجوم.
الوصف الأول: “وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ”(فصلت:37) روى الأمام البخاري في صحيحه عن أبي بكرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده”، وفي رواية أخرى: “فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة” وفي رواية ثالثة: “فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا”.
وهذا الحديث يعد تأصيلاً باهراً لحقيقة الظواهر الكونية الطبيعية التي لطالما قدست وعبدت من دون الله بما ملئت العقول من أساطير وخرافات، فهو إبطال لما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه و سلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خَلقان مُسخَّران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما (فتح الباري: 2/ 528).
وقد قطع الإسلام حبل الصلة بين الأحداث الأرضية أو الأقدار الغيبية ومثل هذه الظواهر واعتبر نسبتها إليها نسبة الفاعل لها ضرب من الإشراك والكفر، يؤكده ما أخرجه الأمام البخاري في صحيحه عن زيد بن خالد –رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: “أتدرون ماذا قال ربكم”؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال: “قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي” رواه البخاري (3916).
الوصف الثاني: “كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”(الأنبياء:33) قال تعالى:”لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(يس:40)، وقال:”وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ(الزمر:5)، وقال:”وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء:33)”، وقال أيضاً:”وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس:39) يقول ابن جرير-رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)( سورة الأنبياء: آية33).
اختلف أهل التأويل في معنى الفلك الذي ذكره الله في هذه الآية، فقال بعضهم: هو كهيئة الرحى، ونقل هذا المعنى عن مجاهد وابن جرير(جامع البيان، للطبري 10/22). وقال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ): أي يدورون، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، وقال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا في الفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن(تفسير ابن كثير 3/285).
يأتي هذا بينما ظل العلماء يعتقدون حتى القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها ومكانها، وأن كل شيء يتحرك حولها. وتدور الشمس حول نفسها دورانًا مغزليًا حول محورها المركزي كما يحدث في الكواكب التي تدور حولها، لكن هذا الدوران ليس بالسهولة أو الانسيابية التي تدور بها الأرض حول نفسها لأن الشمس ليست كتلة صلبة وهذا يسبب انحرافات مغناطيسية تظهر كبقع شمسية داكنة فوق سطح الشمس. وهذا التعقيد في الحقل المغناطيسي شديد بدرجة تجعله ينكمش ويجعل القطبين الشمالي والجنوبي يتبادلان مكانيهما. تتكرر هذه العملية بصفة مستمرة ويطلق عليها دورة الشمس Solar Cycle (تستغرق الدورة الكاملة 22 سنة). وكشف علم الفلك الحديث أن الشمس تنجذب باتجاه مركز مجرتنا (درب التبانة)، بل وتدور حوله بشكل دقيق ومحسوب بسرعة 220كلم/ثانية، وتستغرق حوالي 250 مليون سنة لتكمل دورة كاملة، وقد أكملت 18 دورة فقط خلال عمرها البالغ 4.6 مليارات سنة.
وحيث إن مدار الأرض حول الشمس على شكل قطع ناقص تحتل الشمس إحدى بؤرتيه فإن المسافة بين الأرض والشمس تزيد وتنقص عن هذه القيمة المتوسطة بمقدار 4.2 مليون كيلومتراً .. ففي يوم 3 يناير (كانون الثاني) تصبح الأرض أقرب ما يكون إلى الشمس، إذ تبلغ المسافة بينهما147 مليون كيلومتر، وتسمى النقطة التي تحتلها الأرض حينئذ بالحضيض Petihelion، وفي يوم 4 يوليه (تموز) تكون الأرض أبعد ما يكون عن الشمس، وتبلغ المسافة بينهما 152 مليون كيلومتر، وتكون الأرض في هذا الوضع في نقطة الأوج Aphelion.
والتعبير القرآني “يَسْبَحُونَ” “وتجري” يتناسب تماماً مع ما أسفرت عنه الدراسات الفلكية الحديثة عن مدار الشمس وحركتها فيه، حيث يبدو المدار كمجرى نهر River Stream وتظهر فيه الشمس كجسم يسبح. كما كشفت عن حركة اهتزازية للشمس للأعلى وللأسفل، تبدو معها وكأنها تصعد وتنزل وتتقدم للأمام، ويستغرق صعود الشمس وهبوطها قرابة 60 مليون سنة من إجمالي دورتها التي تستغرق 250 مليون سنة.
أما قوله تعالى “لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا”، قال ابن كثير-رحمه الله-” وقوله جل جلاله “والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ” في معنى قوله ” لمستقر لها ” قولان: القول الأول أن المراد مستقرها المكاني وهو تحت العرش (…). القول الثاني أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور وينتهي هذا العالم إلى غايته وهذا هو مستقرها الزماني قال قتادة ” لمستقر لها ” أي لوقتها ولأجل لا تعدوه وقيل المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها ثم تنتقل في مطالع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها يروى هذا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وهناك قول ثالث يستنبط من قراءة ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما “والشمس تجري لمستقر لها ” أي لا قرار لها ولا سكون بل هي سائرة ليلاً ونهارًا لا تفتر ولا تقف كما قال تبارك وتعالى” وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ” أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة ” .
ويضيف علم الفلك الحديث قول رابع ، فمن خلال دراسة المسار الذي يجب أن تسلكه المراكب الفضائية للخروج خارج النظام الشمسي تبين أن الأمر ليس بالسهولة التي كانت تظن من قبل. فالشمس تجري بحركة شديدة التعقيد لا تزال مجهولة التفاصيل حتى الآن، ولكن هنالك حركات أساسية للشمس ومحصلة هذه الحركات أن الشمس تسير باتجاه محدد لتستقر فيه، ثم تكرر دورتها من جديد، وقد وجد العلماء أن أفضل تسمية لاتجاه الشمس في حركتها هو “مستقر الشمس” Solar Apex.
الوصف الثالث: “الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ”(الرحمن:5) قال القرطبي-رحمه الله-“أي يجريان بحساب معلوم فأضمر الخبر، قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك: أي يجريان بحساب في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها. وقال ابن زيد وابن، كيسان: يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال الأعمار، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر كله ليل أو نهار. وقال السدي: “بحسبان” تقدير آجالهما أي تجري بآجال كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا، نظيره:”كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى”[الزمر:5]، وقال الضحاك:بقدر، وقال مجاهد:”بِحُسْبَان” كحسبان الرحى يعني قطبها يدوران في مثل القطب.
وقال ابن كثير-رحمه الله-“أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(يس:40)} وقال تعالى:{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(الأنعام:96)}.
والشمس نجم متوسط الحجم من النجوم العادية، يبعد عن الأرض بمسافة مائة وخمسين مليون كيلو متر في المتوسط, وهي علي هيئة كرة من الغاز الملتهب يبلغ قطرها 1.400.000 كيلو متر(أي ما يزيد علي 110 مرات قدر قطر الأرض)، ويبلغ حجمها 142.000 تريليون كيلو متر مكعب ( أي قدر حجم الأرض 1.300.000 مرة)، ويقدر متوسط كثافها بنحو1.4 جرام للسنتيمتر المكعب، وتقدر كتلتها بنحو ألفي تريليون تريليون طن ( أي333.000 مرة قدر كتلة الأرض)، كما تقدر جاذبيتها بنحو28 ضعف قوة الجاذبية على سطح الأرض.
وتدور الأرض حول الشمس من الغرب إلى الشرق في فلك (مدار) بيضاوي الشكل طوله 600 مليون ميل، وهي محافظة على ميل محورها بمقدار 2/1 23 درجة وثبات هذا الميل في اتجاه واحد. وتتم الأرض دورتها حول الشمس في 365 يوما وربع يوم. وبانتهاء كل دورة تنتهي سنة أرضية. وتقسم الشهور بواسطة البروج التي تمر بها الأرض في أثناء جريها في مدارها حول الشمس.
ونتيجة لميل محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس تختلف زاوية سقوط أشعة الشمس على المكان الواحد من الأرض بين شهر وآخر، ويتبع ذلك اختلاف درجات الحرارة والأحوال المناخية من شهر إلى شهر، أي حدوث الفصول الأربعة وهي:
1- الانقلاب الصيفي: يحدث في 21 يونيو (حزيران) عندما تتعامد أشعة الشمس على مدار السرطان في نصف الكرة الشمالي، أي حين يكون الطرف الشمالي لمحور الأرض مائلاً نحو الشمس، فيحل الصيف في نصف الكرة الشمالي ويطول النهار ويقصر الليل، ويحل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي ويقصر النهار ويطول الليل.
2- الاعتدال الخريفي: ويحدث في 23 سبتمبر (أيلول) حين تتعامد أشعة الشمس على خط الاستواء، فيحل الخريف في نصف الكرة الشمالي ويحل الربيع في نصف الكرة الجنوبي ويتساوى الليل والنهار في جميع أنحاء الأرض.
3- الانقلاب الشتوي: ويحدث في 21 ديسمبر (كانون الأول) عندما تتعامد أشعة الشمس على مدار الجدي في نصف الكرة الجنوبي، أي حين يكون الطرف الشمالي لمحور الأرض مائلاً بعيدًا عن الشمس، والطرف الجنوبي مائلاً نحو الشمس، ويحل الشتاء في نصف الكرة الشمالي ويقصر النهار ويطول الليل، ويحل الصيف في نصف الكرة الجنوبي ويطول النهار ويقصر الليل.
4- الاعتدال الربيعي: ويحدث في 21 مارس (آذار) حين تتعامد أشعة الشمس على خط الاستواء من جديد، فيحل الربيع في نصف الكرة الشمالي والخريف في نصف الكرة الجنوبي، ويتساوى الليل والنهار في جميع أنحاء الأرض. فكون الأرض تدور دورتها هذه حول نفسها أمام الشمس، وكون القمر بهذا الحجم, وبهذا البعد من الأرض, وكون الشمس كذلك بهذا الحجم, وهذا البعد, وهذه الدرجة من الحرارة…هي تقديرات من( العزيز) ذي السلطان القادر (العليم) ذي العلم الشامل… ولولا هذه التقديرات ما انبثقت الحياة في الأرض على هذا النحو, ولما انبثق النبت والشجر, من الحب والنوى… إنه كون مقدر بحساب دقيق. ومقدر فيه حساب الحياة, ودرجة هذه الحياة، ونوع هذه الحياة… كون لا مجال للمصادفة العابرة فيه…. فتقدير حجم وكتلة الشمس بهذه الدقة البالغة هو الذي مكنها من تحقيق هذا التوازن الدقيق بين قوى الدفع إلى الخارج, وقوى التجاذب إلى الداخل، ومن البقاء في حالة غازية أو شبه غازية، ملتهبة، متوهجة بذاتها، ولو تغير حجم وكتلة الشمس ولو قليلاً لتغير سلوك مادتها تمامًا، أو انفجرت أو انهارت على ذاتها. وينتقل الإشعاع الشمسي إلى الأرض بسرعة تقدر بنحو 3×105 كيلومتر في الثانية(300 ألف كم/ثانية)، وبذلك فإنه يستغرق حتى يصل إلى الأرض 8.33 دقيقة، ولا تلتقط الأرض إلا قدرًا ضئيلاً جدًا من الإشعاع يقدر بحوالي 2×10-9 من المجموع.
وهذا القدر على ضآلته إلا أنه مقدر تقديراً حكيماً، فهو كاف لإتمام سائر العمليات الأحيائية على ظهر الأرض، كما أن موقع الشمس إلى الأرض والمسافة الفاصلة بينهما مظهر آخر من مظاهر دقة التقدير الذي من دلائله حركة الشمس بين نقطتي الأوج والحضيض، حيث يتوافق وقوع الأرض في الحضيض (أي قريبة من الشمس)ـ مع أبرد أيام السنة (3 يناير)، في نصف الكرة الشمالي، كذلك حدوث فصل الصيف الجنوبي في الوقت نفسه .. ويرجع ذلك إلى أن العامل، الذي يتحكم في درجات الحرارة على سطح الأرض خلال فصول السنة، هو زاوية سقوط أشعة الشمس، وليس المسافة، التي تقطعها تلك الأشعة في الفضاء حتى تصل إلى الأرض .. إذ أن الأشعة، التي تسقط عمودية على سطح الأرض، تعطي ضعف الطاقة على السنتيمتر المربع عن تلك التي تعطيها الأشعة التي تسقط بزاوية قدرها 30 ْ.
الوصف الرابع: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا “(يونس:5) وصفت آيات القرآن الشمس بأنها ذات ضياء وضحى، فقال تعالى:”هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً”(يونس:5)، وقال أيضاً:”وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا” (الشمس:1)، بينما أثبتت للشمس النور، فقال عز وجل:”وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا”(الفرقان:61)”، وقال أيضاً:”وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا” (نوح:16)، وقال: “وَالْقَمَرَ نُورًا”(يونس:5)
وهنا نجد تشبيهاً علميّاً دقيقاً، فالشمس هي سراج، والسراج يحرق الزيت ويصدر الضوء والحرارة، والشمس تقوم بالعمل ذاته فهي تحرق الهيدروجين وتدمجُه (بشكل نووي) لتصدر الضوء والحرارة أيضاً. أما القمر فلا يقوم بأي عمل من هذا النوع بل هو كالمرآة التي تعكس الأشعة الشمسية الساقطة عليه فيردَّ جزءاً منها إلى الأرض بمراحل متعاقبة على مدار الشهر. فحجم الأشعة المنعكسة من القمر للأرض ليس ثابتاً، بل يتغير مع أيام الشهر بنظام دقيق ومحسوب.
الوصف الخامس: “وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا”(النبأ:13) السراج هو آلة لحرق الوقود وتوليد الضوء والحرارة، وهو ما تقوم به الشمس، فتبلغ درجة حرارة سطحها المتوهج (الفوتوسفير) Photospere 6000 درجة مئوية، بينما تبلغ درجة حرارة الداخل حوالي 13.000.000 (13 مليون) درجة مئوية. وتذكر بعض المراجع الأخرى أن درجة حرارة باطن الشمس قد تكون 15 أو 20 مليون درجة مئوية، وعند هذه الدرجة من الحرارة تحدث التفاعلات الحرارية Thermo-nuclear Reactions ، حيث يتحول عنصر الهيدروجين (H) إلى عنصر الهليوم (He) وهذه التفاعلات هى مصدر إمداد الشمس بالطاقة.
ويتركب جسم الشمس من ثلاث طبقات بيانها كالتالي :
1- نواة مركزية يصل طول نصف قطرها إلى 200 ألف كم أي ما يعادل 28.76% من نصف قطر الشمس، وضمن هذه النواة تجري التفاعلات الحرارية الذرية كلها، ويصل الضغط فيها إلى أكثر من 220 مليار ضغط جوي، وهى نطاق التفاعلات الحرارية الذرية .
2- طبقة متوسطة: درجة حرارتها ليست كافية لحدوث التفاعلات الحرارية الذرية، وتتحرك الطاقة ضمن هذه الطبقة نحو الخارج بواسطة الإشعاع فهى نطاق مشع Zone Radiation يصل طول نصف قطرها الخارجي إلى 450 ألف كم.
3- طبقة خارجية: تصل سماكتها إلى نحو 200 ألف كم، وتتناقص درجة الحرارة باتجاه الأطراف والهوامش والسطح بصورة محسوسة جداً، لدرجة تبدو معها المادة الكونية شديدة الامتزاج والخلط بفضل تيارات الحملان المهمة، التي تلعب دوراً جوهرياً أيضاً في مجال نقل الطاقة نحو الخارج. ولعل من مظاهر الإعجاز في قول الله تعالى “سِرَاجًا وَهَّاجًا” والتي تعني دورية الحدث جامعيتها؛ حيث تشمل كل معاني ظاهرة النشاط الشمسي التي تشمل الظواهر الدورية وغير الدورية، والتي تشمل: النبض الشمسي (نبض يشبه التنفس ويحدث لسطح الشمس بمعدل مرة كل ساعتين و40 دقيقة)-البقع الشمسية-الرياح الشمسية-الانفجارات الشمسية.
مظاهر النشاط الشمسي:
1- البقع الشمسية Solar Spots: تعتبر من أوضح الاشارات للنشاط الشمسي وهي تظهر كبقع داكنة على سطح الشمس تكون أحياناً واضحة للعين المجردة ، ولأنها تبعث أشعة أقل من الفوتوسفير الذي يجاوزها فإن درجة الحرارة فيها تكون أقل مما جاورها لأن الغاز الأقل حرارة يكون أقل إشعاعاً . فدرجة البقع تقريباً 3800 بينما حرارة الفوتوسفير المجاور تساوي تقريباً 5000 تحتوي البقع على مراكز داكنة تدعى منطقة الظل Umbra وتحاط بما يسمى بمنطقة أقل عتامة شبه الظل Penumbra .
أما حجم البقع فقد يبدأ صغير ثم خلال أيام يزداد إلى أن تصل إلى حجم أكبر بكثير من حجم الأرض.واتضح أن العدد المتوسط للبقع الشمسية يقل ويزيد بين 10-12 سنة، ففي خلال إحدى عشر سنة تخضع الشمس للعديد من النشاطات الشمسية حيث يزيد فيها عدد البقع الشمسية بكمية ملحوظة بالإضافة إلى العديد من الظواهر المصاحبة لها كالانفجارات الشمسية والمقذوفات الشمسية والتي جميعها لها تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على الأرض حيث تسمى هذه الفترة بفترة أو قمة النشاط الشمسي Solar Maximum ثم تتُبع فترة النشاط الشمسي بفترة زمنية- أيضا 11 سنة-يقل فيها عدد البقع الشمسية وكذلك الظواهر المصاحبة لها تسمى بفترة الهدوء الشمسي Solar Minimum حيث تشكل مجموعة هاتان الدورتان ما يعرف بالدرة الشمسية Solar cycle. –
2- الإنفجارات الشمسية Solar Explosions: تعد الأنفجارات الشمسية هي أقوى الأنفجارات قاطبة في المجموعة الشمسية ، حيث تنطلق منها طاقة تصل إلى قرابة 20 مليون من القنابل النووية الكونية (ذات 100 ميجا طن) إلى ما يقارب 3210 إرج , وذلك في فتره قدرها من 100 إلى 1000 ثانيه .
ويمكن تعريف الانفجارات الشمسية على أنها انطلاق الطاقة المخزونة في المجالات المغناطيسيه، والتي تصل في الانفجارات الكبيرة إلى 3210 أرج في دقائق معدودة، وفى مساحة مقدارها 1810 سم2 (أي ما يقارب 10 ثواني قوسيه).ومع أن مقدار الطاقة الكبيرة جداً إلى أنها مقارنه بطاقة الشمس الكلية فهي تصل إلى 1\40 من الثانية من الطاقة المنطلق من الشمس . وعند مقارنه هذه الانفجارات مع تلك في النجوم الأخرى فأنها لا تقارن ، خاصة أن بعضها يظهر تأثيره في منحنيات الضوء لتلك النجوم التي لا ترى ولا ترصد سوى كنقط ضوئية على صفحه السماء.
3-الرياح الشمسية Solar Storm: سيل عارم من الجسيمات تنطلق من الإكليل الشمسي بحرارة مليون درجة وبسرعة 450 كم/ث، وتتجاوز الرياح مدار بلوتو (حوالي 5900 مليون كم). وقد اكتشفت عن طريق الأقمار الصناعية، عند مرورها بأوج مساراتها، ثم بعد ذلك بقليل، بوساطة مركبات الفضاء التي أطلقت إلى القمر والزهرة. ومن المحتمل أن الرياح عبارة عن غاز انطلق منبثقا من طبقة الشمس الخارجية المعروفة باسم الكورونا Corona أو الإكليل، وهي عظيمة السرعة جدا، إذ تبلغ سرعتها عادة نحو 320 كيلومترا في الثانية، وقد تشتد حتى تبلغ 800 كيلومتر في الثانية مع أعاصير الشمس. وحيث تتقابل الرياح الشمسية مع الماجنيتوسفير، تتكون طبقة من الغاز عظيمة الدوامات، سمكها نحو 160 كيلومترا، تبتعد عن الأرض تارة، وتقترب منها تارة أخرى، تبعا لشدة الرياح . (…)
الوصف السادس: “إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1) (التكوير).
قال ابن كثير-رحمه الله-:”قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس “إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ” يعني أظلمت، وقال العوفي عنه: ذهبت، وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت، وكذا قال الضحاك وقال قتادة ذهب ضوءها”. وقال القرطبي-رحمه الله-“وأصل التكوير: الجمع، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تكور ويمحى ضوءها”. والواقع هو أن الحرارة والضغط المرتفعان جدًا في باطن الشمس وهي شروط مثالية لإطلاق تفاعلات اندماجية حيث تتهيج الذرات وتفلت الإلكترونات من سيطرة النواة وتصبح النواة بحالة من فرط الحركة الشديدة وتكون مستعدة للاندماج. والتفاعلات الاندماجية تدفع الحدود الخارجية للنجم وتعمل على تمدده .وبذلك تعاكس قوى الجذب الثقالي نحو المركز التي يعاني منها كل نجم حسب قانون الجاذبية ويبقى هذا التوازن مادامت التفاعلات النووية قائمة.
ويذكر معجم العلم (1974) أن الشمس تتركب كيميائيا من حوالي 90% أيدروجين و8% هليوم وفقط 2% من العناصر الثقيلة . وقد تعدل هذا التركيب الكيميائي للشمس على النحو التالي، فمن خلال قياسات حقلية معاصرة للتركيب الكيميائي للشمس والذي نعرفه حاليا تتركب الشمس كيميائيًا من العناصر التالية : أيدروجين بنسبة 75%، هليوم بنسبة 24% وعناصر ثقيلة بنسبة 1%، فكل أربع ذرات من الأيدروجين تندمج مع بعضها نوويًا تحت تأثير الضغط الهائل والحرارة الشديدة لتكون في النهاية ذرة واحدة من غاز الهليوم، وهذا الفرق في الوزن في المادة يتحول إلى طاقة هائلة تشمل الطاقة الضوئية والإشعاعية والحرارية. وحينما تستهلك الشمس وقودها النووي من الأيدروجين ويتحول هذا الوقود إلى غاز الهليوم وعناصر ثقيلة أخرى ، فإن الشمس يصغر حجمها بمقدار كبير وتزداد كثافة مادتها كثيرًا ويخف ضؤوها وتسمى حينئذ بالنجم النيتروني.
فسبحان الخالق المبدع الذي أعطى في قرآنه الكريم أوصافاً للشمس دقيقة لم تحد عنها الاكتشافات العلمية قيد أنملة.
__________________________
* مدرس مساعد-كلية الآداب-جامعة المنوفية. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com