د. عدنان فقيه*
كثيرًا ما وردت كلمة (صدفة Chance) في الفلسفة الغربية عند الحديث عن أصل نشأة الكون وعن مدى الحاجة لوجود خالق له من الناحية العقلية وذلك بناءً على معطيات العلم الحديث والحقيقة أن هذه الكلمة اُستخدمت استخدامًا غير بريء بالكلية إذ إنها وُظِّفت لتقديم بديلٍ عن التفسير (الخلقي) لوجود الكون، ذلك أن هؤلاء المنكرين لوجود الخالق عز وجل يريدون أن يوهموا الجماهير أنهم إذ يصرفونهم عن الاعتقاد بوجود خالق للكون فإنما يحيلونهم إلى بديل (مألوف) لديهم يعرفونه ويستخدمونه في حياتهم اليومية ألا وهو مفهوم (الصدفة) والذي يضطرهم إلى هذا المسلك هو أنه من غير الممكن للفطرة السوية ولا (للحس العام) أن يقبلا بوجود شيء من لا شيء مهما تقعرت ألفاظ المتفلسفين وتعرجت بهم السبل من أجل الوصول إلى مبتغاهم، ففي نهاية المطاف يعود المرء إلى نفسه بعد قراءة طويلة لحجج هؤلاء وسفسطاتهم ليقول: أتريد أن تقنعني أن هذا الكون الهائل المحكم في بنائه قد أنشأه العدم!!؟؟، لن يقبل بهذا التفسير إلا شواذ الشواذ، ولن يقبلوه إلا وهم يكذبون على أنفسهم، ولذلك فهم لا يجرؤون على أن يصرحوا به بل يختبئون وراء ما يسمونه بجدلية (الصدفة) لتكون بديلاً عن جدلية (الخلق) لكن هؤلاء على كثرة كتاباتهم حول هذا الموضوع لا يُعرِّفون لنا معنى كلمة (صدفة)، تلك الكلمة التي يكثرون استخدامها والتعلق بها.(…)
الصدفة في حياتنا اليومية
وما دام الأمر كذلك فلنبحث إذًا عن ذلك المعنى المألوف لكلمة الصدفة في حياتنا اليومية والذي يحاول الملحدون أن يستدعوه من ذاكرتنا للهروب من الاعتراف الصريح بما تنطوي عليه مقولتهم من خلق العدم للوجود، لنرى إذا كان ذلك المعنى المألوف يسمح باستخدامه وتوظيفه بالطريقة التي يريـدون ولـو تتبعنا اسـتخدام كلمة (صدفة) في حياتنا اليومية لوجدنا أن هذه الكلمة لا تستخدم في حياتنا اليومية إلا للتعبير عن واحد من ثلاثة مفاهيم:
1 ـ للتعبير عن عدم القصد من وراء الفعل مع إمكانية فعل الفعل بقصد، كأن تلتقي بصديق في محل تجاري من غير موعد فتقول لقيته صدفة أي بغير قصد مني أن ألقاه،
2 ـ للتعبير عن وجود القصد لإحداث الفعل مع عدم توفر القدرة على فعله، كأن يرمي رجل لا يعرف فنون الرماية هدفًا فيصيبه من أول رمية فيقال: إن إصابته للهدف كان من قبيل الصدفة أي ليست عن استحقاق ومهارة لديه.
3 ـ للتعبير عن عدم وجود رابط بين حدثين متزامنين أو متلاحقين أي انتفاء ما يسمى برابط السببية بينهما سواء كان هذا الرابط مباشرًا باعتبار أحدهما (سبب) والآخر (نتيجة)، أو غير مباشر باعتبار أن كليهما نتيجة مشتركة لسبب ثالث غير ظاهر، والأمثلة على ذلك كثيرة منها موت إنسان ما وصراخ امرأة تقطن المنزل المجاور له لسبب آخر فنقول: إن تزامن صراخ المرأة مع موت الرجل أو حدوثه بعد الموت مباشرة كان من قبيل الصدفة وليس بسبب حدث الموت. (…)
الصدفة بين الاستعمال اليومي ومسألة نشأة الكون
يمكننــا أن نرى بوضوح ـ مـن خلال الاســتخدامات اليومية لكلمة (صدفة)ـ أنه لا علاقة لمفهوم الصدفة الذي نستخدمه مع ما يحاول هؤلاء الملحدون أن يوهمونا به، ففي الحالتين الأوليين كان استخدام كلمة (صدفة) يقتصر على التعبير عن عدم القصد أو عدم القدرة لكنه لا يتحدث أبدًا عن عدم وجود فاعل أصلاً ولا يمت إلى هذه الفرضية بأية صلة! فكونك التقيت بصديقك في المحل التجاري صدفة لا يعني أن هذا اللقاء تم بدون أن يكون هناك فاعل له، والفاعل هنا ـ كما هو واضح ـ هو أنت وصديقك فكلاكما قام بعمل من أجل إحداث هذا اللقاء كالمشي من المنزل إلى المحل التجاري مثلاً، وغاية الأمر أنكما لم تقصدا إحداث اللقاء، وكذلك الشأن في الاستخدام الثاني لكلمة الصدفة، فكون الرمية التي رماها المبتدئ في الرماية أصابت الهدف (صدفةً) لا يعني أن ذلك حدث دون الحاجة إلى فاعل وهو الرامي في هذه الحالة، فإطلاق كلمة صدفة على هاتين الحالتين لا يعني مطلقًا عدم الحاجة إلى وجود فاعل للأحداث، وإنما يعني أحد أمرين: إما عدم القصد لإحداث الفعل وإما إحداث الفعل مع وجود القصد ولكن دون وجود القدرة على إحداثه، وفي كلتا الحالتين فإن الفاعل موجود وهو ما يريد المشككون نفيه، فأي حجة لهم في استخدام كلمة صدفة سوى تضليل الناس وإيهامهم بوجود بديل معقول لمسألة الخلق؟ وعلى ذلك فإن استخدامهم لكلمة (صدفة) بأحد هذين المعنيين في إطار مسألة نشأة الكون هو في الحقيقة مكافئ لأن يقولوا: إن للكون خالقًا ولكنه خلقه من غير قصد منه، وكان بالرغم من ذلك بهذا الإتقان والعظمة، أو أن يقولوا: إنه قُصد خلقه بهذا الإتقان والعظمة لكن خالقه لم يكن يملك القدرة على ذلك، وإنما حدث له ذلك عن طريق الصدفة، فهل يقول بهذا الكلام عاقل؟ تعالى الله عن ذلك علوٌّا كبيرا وبالرغم من ظهور فساد هاتين المقولتين، إلا أن الأمر الأهم هو كون المنكرين إنما يريدون أصلاً من وراء فكرة الصدفة نفي الحاجة إلى وجود الخالق، الأمر الذي لا يتيحه لهم استخدام كلمة (الصدفة) بأحد هذين المعنيين، أما الاستخدام الثالث لكلمة صدفة فيقتضي أن يكون هناك حدثان كما ذكرنا متزامنين أو متلاحقين والبحث حينئذٍ يكون في علاقة أحدهما بالآخر هل هي صــدفية أم سببية وهم ـ أي المتعلقون بنظرية الصدفة ـ إنما يتحدثون عن حدث واحد وهو نشأة هذا الكون، فما هو الحدث الآخر الذي يستخدمون الصدفة للتعبير عن العلاقة بينه وبين نشأة الكون؟ ليس هناك جواب إلا أن يقال: إنه وجود الحق ـ سبحانه وتعالى ـ مع اعتراضنا على تسمية ذلك حدثًا ـ وحينئذٍ لا حاجة للمناقشة معهم إذ أثبتوا وجود الخالق وهو الأمر الذي يريدون نفي الحاجة إليه، أو أن يقولوا بوجود حدث آخر قبله وهي فرضية لا دليل عليها وتستلزم التسلسل أو الدور(1) وكلاهما باطل وخلاصة القول: إن استخدام كلمة (صدفة) في حياتنا اليومية لا يطلق على إيجاد شيء من لا شيء، وبذلك لا يصح استخدامها كبديل لمقولة الخلق. (…)
قراءة أخرى لنظرية الصدفة؟
وقد يقول قائل: إنهم إنما يريدون بمقولتهم إن الكون نشأ صدفة ـ كونه تطور من حالة أولية تسودها الفوضى إلى حالة منظمة كما نراها اليوم من دون الحاجة إلى منظم لهذا التطور ومهيمن عليه، ولا يريدون بذلك خروجه من العدم إلى الوجود، وجوابنا عن ذلك من عدة وجوه أولها أنهم قلّما يشيرون إلى هذا التفريق متعمِّدين دمج المسألتين بدليل اعتبار (نظرية الصدفة) بديلاً عن (نظرية الخلق) لديهم و(الخلق) لا ينصرف أصلاً إلى التنظيم من الفوضى فذلك (ترتيب) أو (صنع)، وإنما المعنى الأقرب تعلقًا في هذا السياق لكلمة (خلق) هو أن يُقصد بها إخراج الوجود من العدم وثانيها أنهم إن أرادوا صدفية التنظيم لا الخلق نقول لهم: إن هذا صرف للمسألة عن أصلها؛ فإن إخراج الوجود من العدم أعظم من إخراج وجود منظم من وجود غير منظم، فلماذا تركتكم أصل المسألة وأعظم جانبيها وتعلقتم بالآخر؟، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه الحقيقة حيث قال الحق سبحانه وتعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}، ذلك أن الإنسان خُلق من وجود سابق له وهو الحمأ المسنون كما في حالة آدم ـ عليه السلام ـ وخُلق من غيره من البشر كما هو في سائر الناس، أما السموات والأرض فقد خلقهما الله ـ تعالى ـ من العدم ومن أجل ذلك كان خلقهما أكبر من خلق الناس والله ـ تعالى ـ أعلم. وثالث هذه الوجوه هو أنهم لكي يثبتوا أن الكون إنما (تطور) بمحض الصدفة، أخذوا يبحثون عن قوانين وسنن تساند قولهم وهو اتجاه في البحث يمضي على العكس من الأمر المراد إثباته، فما دامت العملية كلها عشوائية تعتمد على الصدف فلماذا نفترض هيمنة القوانين إذًا، أليس الأَوْلَى أن نقول: إن قضية الصدفة لا يمكن إثباتها لأنها عشوائية؟! وإذا وافقنا هؤلاء ـ جدلاًـ وقلنا: إن الصدفة تولد نسقًا ونظامًا فلا يمكننا أن نوافقهم على استخدام هذا النسق والنظام لإثبات الصدفة، وذلك لأن هذا النسق وذلك النظام إنما نَشَآ عن طريق الصدفة ـ على حد زعمهم ـ وليس اعتمادًا على بناء منطقي أو رابط سببي يمكن تتبعه للرجوع إلى أصل القضية والحكم عليها. نعم قد نقبل ممن يعتقد أن الكون كله يسير وفقًا لنظم وقوانين أن يبحث عن النظم والقوانين، أما من يبني فلسفته في فهم سر وجود الكون على أساس الصدفة والعشوائية ثم يستدل بالأنظمة والقوانين فلا يمكن تفسير تصرفه إلا على أنه مسلك انتقائي نفعي لا يقوده إلا الهوى ولا يمت إلى السعي للوصول إلى الحقيقة بصلة.
التنظيم الذاتي، ومحاولة أخرى فاشلة!
ومن الحجج التي يستخدمونها للتدليل على أن الصدفة يمكنها أن تنتج نسقًا منظمًا مقولة التنظيم الذاتي (Self-organization) ومقولة التعقيد (Complexity) التي تنسب إلى نظرية الفوضى، والتي استخدمت فيها عمليات المحاكاة الحاسوبية لمحاولة إثبات أن هناك نظمًا يمكن أن تطور نفسها بنفسها ابتداءً من قواعد في غاية البساطة وبدون تدخل خارجي(2)، ولو سلمنا جدلاً بمشروعية هذه المحاولات الحاسوبية يبقى السؤال الملحّ عن تلك القواعد البسيطة، مَن الذي وضعها؟ ثم مَن الذي جعل احترامها (واجبًا) داخل تلك النظم؟ لكننا في الحقيقة لا نسلِّم بمشروعية هذه المحاولات الحاسوبية إذ إنها تبني برهانها لإثبات ما تريد على (مُسلَّمةٍ) لو صدّقنا بها لما احتجنا إلى ذلك البرهان أصلاً ذلك أن هذه (المسلَّمة) تتضمن النتيجة التي يريد البرهان إثباتها! فهي تفترض أن خلوّ هذه الأنظمة من الإرادة الإنسانية يقتضي خلوّها من الإرادة مطلقًا، ونحن لا نسلم بخلوها من الإرادة الإنسانية، فضلاً عن أن نسلم بخلوها من الإرادة مطلقًا، فالمؤمن يعتقد أن له مشيئة خاصة به، وأن المشيئة الإلهية حاضرة دائمًا ومهيمنة على مشيئته ومشيئة كل مخلوق كما قال تعالى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلآ أَن يَشَآءَ اللَّه رَبُّ العَالمَين }، وهو يعتقد أن هذا مما يستلزمه تصوره لوجود إله لهذا الكون، كما سوف نفصل في ذلك لاحقًا، فهذه التجارب الحاسوبية تعتمد على ما يسمى بالأرقام العشوائية، وبعبارة أدق الأرقام العشوائية الكاذبة (pseudorandom numbers)، والتي تنتج عن معادلات يصممها الإنسان لتولد هذه الأرقام.(…)
عملية الخلق بين التوراة والقرآن
والذي يظهر أن القوم قد أوتوا من فهمهم الخاطئ لعملية (الخلق) في معناها الديني عندهم إذ إنهم يصطحبون دائمًا الرؤية التوراتية (المحرفة) التي تقول: إن الله خلق الكون في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، تاركًا الكون تحكمه القوانين التي فيه دون تدخل منه، فالذي يدير الكون وينظمه هو هذه القوانين والمخلوقات التي تسكنه فهي ـ في نظرهم ـ يؤثر بعضها على بعض تأثيرًا مستقلا تبعًا لاعتقادهم بوجودها المستقل، وهذه الرؤية تشوبها ظلال من الشرك إذ إنها تنسب إلى المخلوقات قدرة مستقلة فيكون الإيمان بوجود خالق للكون على هذا النحو إيمانًا مشوبًا بالشرك ينطبق عليه قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلا وَهُم مُّشْرِكُونَ}، وذلك على خلاف الرؤية الإسلامية للكون التي تكون لله فيها القيومية المتصلة على هذا الوجود فليس الوجود مستقلا بذاته وقوانينه بل هو محتاج في كل لحظة إلى الحق ـ سبحانه ـ ليمنعه من الزوال والفناء اللذين تستوجبهما حقيقة كون هذا الوجود مخلوقًا لا خالقًا ومربوبًا لا ربٌّا وبهذا المدد الإلهي المستمر والمتصل يقوم الكون ويبقى، وفي ذلك يقول الحق ـ سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ}، ويقول أيضًا: {وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ}، وفي الآية الأخرى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ}، وفي ظل هذه الرؤية للكون يكون ظهور تلك الجسيمات الكمومية من العدم ليس بأعجب ولا أغرب من استمرار وجود الأرض التي نسير عليها والسماء التي نستظل بها، إذ إنهما آيلان للزوال في كل لحظة من لحظات وجودهما، وبقاؤهما مرهون بإذن الله وإمساكه لهما، وبذلك فهما ليسا أقل افتقارًا لقدرته ـ سبحانه ـ من افتقارهما لها حينما كانا عدمًا فأخرجهما إلى الوجود، أو من افتقار تلك الجسيمات الكمومية لقدرته ـ سبحانه ـ لكي يخرجها من العدم إلى الوجود، ويمكننا من خلال هذه الرؤية أن نعيد النظر في كثير من المفاهيم الفيزيائية والقوانين الطبيعية بما في ذلك المشكلات التي تطرحها الفيزياء الكمومية، لنرى أن كثيرًا من الغموض والحيرة التي تكتنفها يمكن تجاوزه إذا ما استندنا على التصور الإسلامي للوجود، الأمر الذي لا نستطيع تفصيله في هذه المقالة التي لم يقصد منها أصلاً الخوض في هذا المجال.
وخلاصة القول:
إن إقحام كلمة صدفة في مسألة نشأة الكون ليس له مسوغ إلا إيهام الجماهير أن هناك بديلاً مألوفًا لمسألة الخلق، ذلك أن الكثير من هؤلاء الجماهير لا يدرسون هذه النظريات الملفّقة بتمحيص وتدقيق ليتأكدوا من صدقها، بل يكفيهم من الماء السراب – كما قال الشاعر-ونظرًا للانتشار الواسع لهذا التوظيف لكلمة (صدفة) لا ينبغي أن نستغرب من تُعرِّف المصادفة اصطلاحًا على أنها: (خلو النظام الكوني من الإله)!(3). (…)
فلا ينبغي لنا إذًا حينما نحاول الرد على القائلين بنظرية الصدفة في مسألة نشأة الكون أن نُستدرَج من قِبَلِهم لنجادلهم بحساب الاحتمال المتعلق بنشوء المجرّات والأرض والإنسان عن طريق الصدفة وإثبات أن هذا الاحتمال هو مقدار لا متناهٍ في الصغر، بل هو الصفر من الناحية العملية، ذلك أننا إذ نفعل ذلك نقر لهم باستخدام هذا المفهوم (المألوف) لدينا ـ وهو الصدفة ـ في مكان غير مكانه ليكون بديلاً عن المفهوم المألوف (الوحيد) الذي يمكن أن تسكن النفس إليه في قضية نشأة الكون ألا وهو وجود خالق له، كما أننا إذا سايرناهم في مسالة الصدفة هذه سوف نضطر إلى الدخول في مسألة تعريف معنى (الاحتمال) وهي مسألة شائكة في حد ذاتها، ثم في شرح كيفية حساب هذا (الاحتمال)، الأمر الذي لا يفهمه كثير من الناس والذي يغنينا عنه توضيحنا أن محصلة قول هؤلاء أنهم يزعمون أن العدم قد أنشأ الوجود، لنَقُل للناس محصلة قولهم هذه ثم لنترك الأمر بعد ذلك عند هذا الحد لنرى كم منهم يقبل بهذا التفسير.
وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعًا في هذا الباب عندما عرض قضية خلق الإنسان عرضًا محكمًا موجزًا لا يدع مجالاً للشك ولا للمراوغة فقال تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ}.
فإما أن يكون العدم قد أنشأهم أو هم أنشأوا أنفسهم وكلا الزعمين أمر يَمجُّه العقل السويّ، فيبقى لهم أن يقولوا إنهم نشأوا من الأرض من دون خالق (كما يزعم الدارونيون)، فيتجه السؤال حينئذٍ عن الذي خلق الأرض والسماوات، من هو؟ أيزعمون ذلك لأنفسهم؟ {بَل لا يُوقِنُونَ}.
_________
* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.nooran.org
الهوامش والمراجع:
(1) التسلسل: هو القول بوجود سلسلة لا نهائية من الأحداث يعتمد كل حدث فيها على سابقه، وهو أمر ـ كما يدرك العقلاء ـ لا يبرر وجود هذه الأحداث ما لم ينته إلى علة أولى واجبة الوجود لا تعتمد في وجودها على غيرها، أما الدور: فهو توقف وجود الشيء على غيره وتوقف وجود هذا الغير على الشيء نفسه، كأن يقال: إن الذي يبرر وجود الحدث (أ) هو الحدث (ب) فإذا سألنا عن الذي يبرر وجود الحدث (ب) يقال لنا: إنه الحدث (أ).
(2) ينظر في ذلك المحاولات المختلفة التي وردت في كتاب: Resnick, M،, ”Turtles, Termites, and Traffic Jams”,2000, MIT Press،
(3) سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود، (قضية العناية والمصادفة في الفكر الغربي المعاصر: دراسة نقدية في ضوء الإسلام)، مكتبة العبيكان الرياض.