أ. د. خالد حسين*
{إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} (آل عمران 190).
تعنى علوم الكون بدراسة المجرات وتكوين نجومها, وهي تبحث أيضًا في أصل الكون وتطوره, وتسعى جاهدة للتنبّؤ بمستقبل هذا الكون الفسيح المتقن الصنع والمتوازن الدقيق. فمنذ وجود الإنسان على كوكب الأرض, هذه الذرة المليئة بالحياة مقارنة بما حولها من فراغ وغبار كوني والصراع مع المعرفة يتزايد, مما أدى الى بلوغ مستويات كمية ونوعية في سبر أغوار هذا الكون البديع وما يحتويه من مليارات النجوم والمجرات والكواكب والكويكبات … إلا أن النهضة العلمية الحديثة وما قدّمته من نظريات علمية معززة بالدراسات التجريبية وافرازاتها من الحقائق العلمية المثبّتة في الفيزياء الكونية أوجدت مناخات متنوعة تتناسب مع مستوى المعرفة للإنسان اليوم, وتبيّن بشكل واضح أوجه الإعجاز العلمي لآيات كونية كثيرة وردت في القرآن الكريم كومضات إيمانية تثبت بحجيّتها للعالم أجمع أن القرآن كلام الله, المعجزة المتجددة, وأنه لا تفنى غرائبه ولا تنفذ عجائبه, وأنه تنزيل من رب العالمين مصداقًُا لقول الله تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } (فصّلت 53).
وفي هذا البحث لا بد من توضيح حقيقة يقينية, وهي أن القرآن الكريم لا تتكشّف أبعاد آياته العلمية وأوجه الإعجاز فيها الاّ نتيجة الدراسات المعمّقة لها من أهل العلم الشرعي والكوني جنبًا إلى جنب, دراسة موضوعية وعلمية مبنية على الحقائق العلمية المثبّتة بالنتائج التجريبية, لا على النظريات والاحتمالات البعيدة عن واقع التجربة والبرهان, القابلة للتبديل والتغيير. وحينئذ لن تصطدم حقيقة علمية ثابتة بآية قرآنية, بل على العكس, تجد كل بحث أو اكتشاف يتوصل العلم إلى ما جاءت به الآيات الكريمات من قبل. وفي هكذا دراسة دلائل جديدة ولفتات ايمانية محدثة وتبيان للحق وردّ لكلّ شبهة تعارض مزعومة. { و يرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} (سبأ 6 ).
في الكون المتمدد
يرجع الأساس النظري لعلوم الكون إلى النظرية النسبية العامة التي بيّنت كيف يمكن استخدام الصيغ في المعادلات الرياضية وتطبيقها في الدراسات الكونية الحديثة, وقد أفضى الحل الرياضي لهذه المعادلات إلى الحديث عن كون في حالة توازن مستقر لا يعتمد على الزمن. إلا أن حلاً آخر أدقّ وأشمل تقدّم به “فريدمان” يعتمد على الزمن أدى إلى الاستنتاج بأن الكون في حالة تمدد … أي أن المجرّات تبتعد عن بعضها البعض. ولم يمض إلا وقت قصير حتى اكتشف “هابل” أن سرعة حركة هذه المجرات تتناسب طرديًا مع بعدها عن الأرض. وهكذا جاءت نتائج أبحاث وأرصاد “هابل” لتؤكد فكرة تمدد وتوسّع الكون, فحققت الفيزياء الكونية قفزة متميّزة حتى أضحت هذه الفكرة أساسًا لجميع النماذج الكونية.
ومن أهمّ الأسانيد العلمية التجريبية المبنية على القياس الدقيق لإثبات تمدد الكون الإزاحة نحو اللون الأحمر (decalage vers le rouge) في دراسة أطياف النجوم داخل المجرات. إن هذه الخطوط الطيفية للنجوم التابعة لمجرات بعيدة نسبيًا تنحرف نحو الأحمر, وهو ما يعرف بتأثير “دوبلر”, ومفاده أن الطول الموجي للإشعاع الكهرومغناطيسي الناتج عن رصد إشعاعات هذه النجوم يتّجه نحو الزيادة إذا كان مصدر هذا الإشعاع النجومي يتحرك مبتعدًا عن مكان الراصد الثابت على الأرض. إن هذه الإزاحة الحمراء تمكّن الراصد من خلال قياساته الدقيقة من حساب سرعة ابتعاد المجرات عن بعضها البعض, ولقد حسب “هابل” معدّل هذه السرعة للإبتعاد فوجد أنها تساوي عشرين كيلومترًا في الثانية لكل مليون سنة ضوئية, نسبة إلى مواقعها الحالية. و لقد قمت برصد مجرة حلزونية تبعد عن الأرض 210 مليون سنة ضوئية في مرصد أوت بروفانس (Haute – Provence )(فرنسا) بتاريخ 31 ايار 1995 م وأجريت قياسًا مماثلاً في 11 أيار 2001 في مرصد ميدي بيريني (Midi-Pyrenees)(فرنسا) تبيّن أن سرعة تباعد هذه المجرة نتيجة تمدد الكون تعادل سرعة تقارب ستة آلاف كلم في الثانية أي ما يعادل 28 كلم في الثانية لكل مليون سنة ضوئية مما يؤكد الاستمرار في توسّع الكون والإزدياد في سرعة هذا التوسّع نتيجة تضاؤل قوى الجاذبيّة بين المجرّات كلما تباعدت عن بعضها البعض .
في القرآن الكريم
توجد مجموعة من الآيات الكريمات التي تتطرّق إلى علوم الكون والفلك, الأخاذة المدهشة التي تعطي المؤمن الحجّة اليقينية على قدرة الله وعظمته واتقانه ودقّته في خلقه .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {و السماء بنيناها بأيد وإنّا لموسعون} (الذاريات 47).
لقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة العلمية ووافق بكل وضوح ودونما حاجة إلى تأويل على توسع وتمدد هذا الكون. إن هذه الحقيقة العلمية لا تتّفق مع النظرية الماديّة البائدة التي تزعم قدم وأزليّة الكون, لأن للكون بداية وللكون نهاية. البداية هي لحظة بدء التوسع, ويقول تعالى مخبرًا عن النهاية المشابهة للبداية في خلقه للكون: {يوم نطوي السماء كطيّ السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا انا كنا فاعلين} (الأنبياء 104), و يقول أيضًا: { وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } (الزمر 67 ).
إن نظرية التوسّع والانقباض التي تؤكّد البداية والنهاية لهذا الكون أو نظرية الأوكرديون في اللغة العلمية لأهل الفلك تمثّل الكون وكأنه سجلّ كتب يفتح ليتوسّع في المرحلة الأولى, ومن ثمّ يطوى لينتهي في مرحلته الثانية, ويستغرق ذلك الفتح والطوي عشرات المليارات من السنين الشمسية وللبيان, فإنّ الساعة هي حدث كوني مفاجئ ولا تنطبق عليها قوانين الفيزياء المتداولة, قال تعالى مخبرًا عن الساعة: {يسألونك عن الساعة أيّان مرسها قل انّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم الا بغتة يسألونك كأنّك حفيّ عنها قل انما علمها عند الله ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف 187 ).
__________
* باحث وأستاذ محاضر في كلية العلوم، الجامعة اللبنانية. وأستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في جامعة الجنان.
المصادر و المراجع :
1 ) القرآن الكريم
2 ) نشرة البحث العلمي للمجلس الوطني للبحوث العلميّة – العدد 120 حزيران 2005 – لبنان
3 ) Rapport de D.E.A, université Paul-Sabatier
Observatoire Midi-Pyrénées
Toulouse – France 25-6-1995
4 ) Thèse de Doctorat – direction prof Dr. Khaled Hussein à l’Université Paul-Sabatier 17-5-2001 Toulouse –France
5 ) Visite à l’observatoire Haute-Provence France Mai 1995
6 ) The Network of Oriental Robotic Telescopes ( ORT ) Toulouse 1996