إعداد الدكتور نظمي خليل أبوالعطا*
لكل مخلوق في الإسلام حقوقه؛ فللإنسان حقوق, وللجنين حقوق, وللطفل حقوق وللنبات حقوق, وللحيوان حقوق, وللكائنات الحية الدقيقة حقوقها, وللجمادات حقوقها.
وإذا لم يعط الانسان لكل ذي حق حقه فسدت العلاقات, وتهدمت البيئات. (…)
الأهمية الحيوية والبيئية للنبات:
النبات من أهم الكائنات الحية الأرضية, فلو غاب النبات غابت الحياة من عليها. فالنبات هو المثبت الرئيس للطاقة الشمسية على الكرة الأرضية, فكل نبات من بلايين البلايين من النباتات الأرضية عبارة عن مفاعل حيوي لتثبيت الطاقة الشمسية, وهو مصدر الطاقة الرئيس على الأرض. والنبات هو الصانع الرئيس للغذاء والدواء على الأرض, فالنبات يستغل الطاقة الضوئية, والماء, وثاني أكسيد الكربون ليكون لنا وللكائنات الحية غير ذاتية التغذية ( أي غير القادرة على تصنيع غذاءها من خاماته الأولية كما يفعل النبات) يكون لنا ولها المواد الغذائية. فجميع المواد الكربوهيدراتية على الأرض مصدرها الأصلي النبات, وجميع المواد الدهنية والمواد البروتينية والفيتامينات مصدرها الأصلي النبات. وكل البترول والفحم والخشب والأوراق والمطاط مصدرها الأصلي النبات, وهكذا لا تكفينا آلاف الأوراق لنبين الأهمية الحيوية والبيئية للنبات. وفوق ما سبق النبات يثبت نسبتا الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي, من هنا جعل الاسلام للنبات حقوقا في تشريعه ومن هذه الحقوق:
1. حقه في تمهيد الأرض واستصلاحها لزراعة النبات:
من أول حقوق النبات على الإنسان تمهيد الأرض واستصلاحها لزراعة النبات فيها, لأن البذور تنبت في الأرض, ويثبت النبات جذوره وبعض سيقانه الأرضية وبعض ثماره فيها, ولابد أن تكون الأرض صالحة لزراعة النبات ونموه وإنتاجه من هنا كان الهدي النبوي أن من أحيا أرضا فهي له. وفي هذا حث على استصلاح الأرض وزراعتها وإحيائها بالماء بتوصيله إليها, وحفر الآبار, وشق الأنهار والترع والمصارف والمساقي وإنشاء الطرق المؤدية إليها. كما أقطع الخلفاء الراشدون والولاة المسلمون الأرض البور لاستصلاحها وزراعتها وسحبت الأرض البور ممن لم يستصلحها, فمن شرع في إحياء الأرض ولم يحييها فإما أن يحييها وإما أن يتركها لغيره أو تسحب منه, فقد روى أبو عبيده عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً في المدينة فلما كان زمان عمر قال لبلال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجزه عن الناس وإنما أقطعك لتعمل, فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي, وفي هذا حماية لحقوق النبات في الإنبات والنمو والإثمار والرعاية والتكاثر والاستمرار في الحياة.
2. الحث على غرس النبات :
حمى الإسلام حق النبات في الغرس وجعل ذلك قربى إلى الله تعالى, قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) رواه البخاري, وهذا الحديث يرغبنا في تعمير الأرض بغرس الأشجار وزرع المزروعات وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها ) رواه البخاري في مفرده والإمام أحمد في مسنده. روي أن رجلاً مر بأبي الدرداء رضي الله عنه وهو يغرس جوزة فقال : أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهي لا تثمر إلا في كذا وكذا عاما. فقال أبو الدرداء: ما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري؟ (أو كما قيل: “زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون”). (…)
3. حق النبات في الحماية :
فقد حمى الإسلام النبات من الهلاك بالحيوان والإنسان والإفساد في الأرض ولذلك نص الفقه الإسلامي على أن صاحب الحيوان ضامن إذا خرجت حيواناته ليلاً وأهلكت زرع أحد لأن عليه حماية حيواناته من الخروج ليلاً, كما جعل صاحب الزرع مسؤولاً عن زرعه نهاراً فعليه حراسته, وإذا اعتدت عليه الحيوانات فهو الضامن لنباته, وفي هذه حماية للنبات المزروع من الهلاك والرعي الجائر والتخريب بالليل والنهار.(…)
وأوصى أبو بكر قائد جيش الشام بقوله: لا تقتل صبياً, ولا امرأة, ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاه ولا بعيراً إلا لمأكله ولا تغرقن نخلا ولا تحرقه. وفي هذا أيضا حماية للأشجار المثمرة والنخيل والزرع من الهلاك أثناء الحرب والهرج والمرج, وهذه حماية لم تكفلها القوانين الوضعية ولا الدول المتقدمة.(…)
4. حق النبات في الدراسة:
دلت الآيات القرآنية الكثيرة على أهمية دراسة النبات قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأنعام 99.. والنظر هنا نظر ملاحظة منظمة ودراسة علمية موثقة .
5. حق النبات في استغلال منتوجاته:
خلق الله الكائنات الحية لغاية مقدره ولصالح الإنسان وعلى الإنسان أن يستغل هذه النعم, وفي استغلال هذه النعم حماية لحق النعمة ومن هذه الحقوق حق النبات في استغلال منتوجاته. قال تعالى: { والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدةً ميتاً كذلك الخروج } ق 10- 11 . { وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} الرعد 4. { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقا حسناً إن في ذلك لأية لقوم يعقلون } النحل 67 . والآيات والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة وكلها تقرر حق النبات في النفع به والاستخدام.(…)
6- حق النبات في إخراج زكاته :
من حقوق النبات اخراج زكاته وإعطاء الفقراء منه حتى يبارك الله فيه ويحميه من الهلاك قال تعالى { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } الأنعام 141 .
7- حق النبات في الحماية من الشرك والظلم :
فقد علم الإسلام الإنسان كيف يتعامل مع النبات ليحفظه من الهلاك قال تعالى: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولدا . فعسى ربي أن يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً, أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا. وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } الكهف 39 – 42 . وفي هذا حق لحماية النبات من الإشراك بالله, وإسناد إنباته وإثماره وحياته لغير الله , وفي هذا حفظ لحق النبات في الاستمرار بالحياة, والحماية من الشرك بالله والظلم البشري.
________________________________________
* انظر كتاب معجزات حيوية – للدكتور نظمي خليل أبو العطا, حيث المزيد من المعجزات الحيوية. وانظر كتاب دورات حياة النبات المعجزة. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.55a.net