أ.باسم وحيد الدين علي
الحمد لله الذي جعل في القرآن نورا وشفاءً، وأرسل نبيّه صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس مفاتيح هذا الكتاب الفريد العظيم.
يعظ المولى تعالى الفرد كي يحسن من سلوكه ومعتقده وفي الوقت ذاته يخاطب جمهور الناس وعظاً وإرشاداً وعلاجاً للنفوس وتقويماً للأخلاق.
وأول شروط التعاطي مع الجماهير هو الإيمان الفردي والعام، فالعقيدة الصالحة والراسخة هي التي تدفع الناس إلى البذل وتقديم التضحيات، يقول الله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {7}.
أما العقائد الفاسدة فتتبختر في أيام السلم، وعند الشدائد والملمات يظهر خواؤها ، مما يدفع بالأمة إلى الإحباط والهزيمة، وفي مثل هؤلاء يقول تعالى في سورة الزخرف:
وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ {37}.
والمجتمع الانطوائي مجتمع غير مجدٍ، فإذا لم يخرج الناس لمساعدة الناس تبقى جسور الثقة الاجتماعية مقطوعة، ولا يرجى من هذا المجتمع خير، ما لم يقدّم كل مواطن ما يقدر عليه من مال أو مساهمة أو خدمة أو مؤازرة. ولذلك نجد القرآن الكريم يحضّ على البذل والعطاء ويشهّر بالبخل والبخلاء، يقول عزّ وجلّ في سورة الحديد: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {24}.
حتى أن أكثر العقد النفسية الفردية والجماعية تُحَلّ عبر الاختلاط بالناس والاندماج في المجتمع وعبر تجنب الانطواء والانعزال، فمن يقرأ في القرآن الكريم يا أيها الذين آمنوا غالباً ما يجدها مقرونة بـ: عملوا الصالحات، يقول تعالى في سورة النور:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا…}.
وقد أظهرت دراسات أجرتها مؤخراً جامعة ساسيكس البريطانية، أن الإحسان يفيد الصحة الجسدية والنفسية، ويساعد على التخلص من الإجهاد ويزيد في السعادة ويعزز الثقة بالنفس، ويقلل الغضب. وأن ممارسة عمل الخير، ساهمت لدى العاملين في رفع احترام الذات لديهم بنسبة 31% وفي تخفيض ضغوطهم النفسية بنسبة 36%.
وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة المائدة: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}.
والشرط الثاني هو الطاعة والصبر على الشدائد، يقول الله تعالى في سورة الأنفال: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {46}.
ولا تستقيم الحالة النفسية في المجتمع إذا قامت على الكذب والتجسس والغيبة والنميمة، فالمجتمع السليم، هو المجتمع الذي يؤمن للناس راحة نفسية واطمئنان من جهة الغير، يقول الله تعالى في سورة الحجرات:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}.
وكما أن على الفرد أن ينمي ثقته بنفسه فإن على المجتمع أن يبني هذه الثقة لنفسه، يقول الله تعالى في سورة الفرقان: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {63} فلا ينقاد بالحمية أو بالاستدراج إلى ما يريده الخصم بل يحتفظ هو بحق تحديد نوع الرد وحجمه وتوقيته.
والتسامح يزيد المودة بين الناس ويبعد البغضاء, وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وعلى قوة التوازن النفسي، يقول الله تعالى في سورة فصلت:”وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم” {34}”.
المجتمع السوي في الخلاصة هو مجتمع مبني على الإيمان، الصدق والأخلاق عماده، والقوة والجد والعلم عمله ودأبه، لا يصدّق المرائين ولا يماشي الدجالين. يستعد للتضحية ولا يخاف البأس. يقول الله تعالى في سورة البقرة : “….. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” {177}”.
ولئن نجح بعض الأطباء النفسانيون في معالجة بعض الأمراض النفسية عند الأفراد فإن الأمراض النفسية لدى المجتمعات لم تجد بعد من يداويها ، بل وجدت من يزيد في إيلامها بينما ترى المجتمعات الإسلامية على الرغم من سوء أوضاعها الاقتصادية تنعم بقسط من الطمأنينة والأمان، وكيف لا يطمئن المؤمنون وقد أدوا ما عليهم وبقي أن ينالوا ما وعدهم به ربهم، ومن أوفى بعهده من الله القائل في سورة فصلت:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {31} نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ {32}.