أ.باسم وحيد الدين علي
يقول الله تعالى في سورة (ص): إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ {87} وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ {88}. وسنعرض في هذا العدد بعضاً مما وعدنا الله تعالى به، فصار الناس يعلمون به حيناً بعد حين إعتباراً من يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمما انكشف على مر السنين، الموقع الذي رست فيه سفينة نوح عليه السلام بعد الطوفان، وذلك على جبل الجودي الواقع في إقليم كردستان العراقي على بعد بضعة أميال من الحدود العراقية التركية. وظهرت بوضوح أبعاد السفينة وشكلها الانسيابي وألواحها الخشبية والدسر أي المسامير الحديدية الغليظة. قال تعالى عنها في سورة القمر: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ {13} تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ {14} وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {15}.
وقد ظهرت هذه الآية على أثر زلزال ضرب المنطقة وحرك الأرض وأبرز السفينة قبل قرن من الزمن، ولا تزال منذ ذلك الحين ظاهرة للعيان.
ومن آيات الله تعالى فيما كشفت عنه الأيام جثمان فرعون، قال الله تعالى عنه في سورة يونس: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92}.
وتبين أن فرعون موسى يدعى رمسيس الثاني ويعود زمن حكمه إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ولم يعثر عليه إلا في العام 1872 ميلادي، أي بعد ثلاثة آلاف سنة، ورقد منذ العثور عليه في المتحف المصري ببولاق. وبنتيجة الكشوف والتحاليل المخبرية على الجثة ظهرت منها دلائل كثيرة ودقيقة تثبت أنه قضى غرقاً وأن في رئتيه آثار وحل البحر، بما يذكرنا بحديث جبريل لسيدنا محمد عليهما السلام عن قصة غرق فرعون حين يقول (فيما رواه الترمذي عن ابن عباس): ” يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر (أي وحله) فأدسه في فيه(أي في فمه) مخافة أن تدركه الرحمة “. وصدق محمد وصدق جبريل عليهما السلام وصدق الله العظيم القائل في سورة النمل:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {93}.
وما أهمية حديثٍ دار بين فرعون وهامان رئيس عماله، حتى يذكره الله تعالى في القرآن الكريم، بقوله في سورة القصص: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ {38}.
وتدور الأيام لنكتشف مغزى استعادة كلام فرعون لهامان: أن حجارة الأهرامات ليست صخوراً كلها وخاصة عندما يعلو البنيان بل هي مزيج من طين كلسي طبخ على النار وصب في قوالب كبيرة. ومن إعجاز القرآن الكريم ما جاء في الإخبارعما سيأتي من الذلة والمسكنة اللاحقتين ببني إسرائيل إلى يوم القيامة.
فمن يتابع أخبار بني إسرائيل في الحقب التاريخية الوسيطة والحديثة، يجد أنهم تعرضوا للاضطهاد والتنكيل أينما حلوا بسبب تعنتهم وجهالتهم وسوء نيتهم تجاه الشعوب والأمم التي يجاورونها، ويكون التهجير والطرد من نصيبهم أينما حلوا، سواء في إسبانيا أو ألمانيا أو روسيا أو في بلاد أوروبا الشرقية. وما ذلك إلا لحكم الله تعالى فيهم بسبب سوء فعالهم فقال في سورة آل عمران: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {112}.
ولفرط تعنتهم وكفرهم توعدهم الله تعالى بالعذاب المستمر وبتشتيتهم في أصقاع الأرض فقال في سورة الأعراف:
{166} وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {167} وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {168}.
ومما جاء فيهم من أخبار مسبقة قوله تعالى عنهم في سورة الحشر: لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ {13} لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ {14}.
والعجيب أن غالبية الإسرائيليين ملحدين لا يخافون الله بل يخشون الناس، وما مشاهد المستوطنات المحصنة والجدار العازل المسلح في فلسطين المحتلة إلا إشارة جديدة إلى دقة هذه الآية الجليلة.
وكمثال بسيط آخر على ما تحقق من آيات علمية، يعرف المطلعون على علوم الصواريخ أنها تتألف من طبقات بعضها فوق بعض، كلما نفد الوقود من طبقة لفظها الصاروخ، بينما يرقد رواد الفضاء في الطبقة العليا منه. قال تعالى في سورة الانشقاق مقسماً ومؤكداً: فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ {16} وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ {17} وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ {18} لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ {19}.
وإذا كانت الأنباء المذكورة آنفاً قد تحقق حصولها، فإن أخباراً أخرى لا تزال قيد الحدوث، وهي مستمرة في تحدي المنكرين والمستكبرين:
ومنها قوله تعالى في سورة البقرة: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } {23، 24}. وهو دليل مستمر أعجز الخلق كافة عن تقليد القرآن ومحاكاته ماضياً وحاضراً.
ومن الآيات المستمر حصولها إخبار القرآن بالتمكين للمسلمين، ونصرهم وتأمينهم، وذلك في قول الله تعالى في سورة النور: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } {55}. وهو وعد مستمر لكل قوم آمنوا والتزموا. ومن يستعرض تاريخ المسلمين يجد أنهم اكثر أمم الأرض تعرضاً للهجمات والغزوات ومع ذلك تبقى رايتهم مرفوعة وشعوبهم محفوظة بفضل من الله ونعمة.
كما يذكر الله تعالى أسباب تفرق أهل الكتاب، فيقول في سورة البينة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5}.
ويجعل أهم أسباب تفرقهم عدم تصديقهم بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فيقول في سورة البينة: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ {4}.
ويعرف عن هذه البينة أي الواضحة بقوله: رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً {2} فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ {3}. ثم يتعهد في سورة المائدة أن تبقى التفرقة والبغضاء بين فرقهم إلى يوم القيامة فيقول:
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ {14}.
ومن الآيات البينات تعهد الله تعالى بأن يجعل أهل الكتاب أعلى درجة من الكفار الملحدين، إن على مستوى الحضارة أو الثروة أو السلطة فقال تعالى مخاطباً السيد المسيح عليه السلام:
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {55} (آل عمران). ومن يستعرض مجريات الأحداث عبر التاريخ يجد أن الله تعالى لم يجعل للشيوعية ولا للنازية ولا للدكتوريات الملحدة سبيلاً على الدول التي تجاهر وتدين بالمسيحية، مصداقاً لما جاء في ذلك من آيات في القرآن الكريم.
وفي الخلاصة، يتبين لنا بعد استعراض الأحداث التي ذكرها القرآن الكريم وصارت تتحقق على مر السنين والقرون، حتى قيام الساعة، أنها رسائل لكل عصر بما يناسبه وبما يصلحه، تثبت أن القرآن الكريم صالح لكل عصر مهما ارتقت حضارته.
ثم إن تعزيز الثقة به مع استمرار ظهور الآيات، توصل إلى الصدق بما لا بد أنه آتٍ لا محالة وهو أحداث قيام الساعة بأشراطها قبيل فوات الأوان، ثم ببدء قيامها حين لا ينفع بعدها إيمان من لم يكن قد آمن من قبل. كما حصل لفرعون بعد أن أدركه الغرق والموت، فقال الله تعالى عنه في سورة يونس:
حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91}.
جعلنا الله من الذين يستمعون فيتعظون فيقتدون ويعملون.