باسم وحيد الدين علي
التفسير لغة من الفَسْر ومعناه الكشف والتبيان. ويعني اصطلاحًا معرفة كلام الله تعالى فهمًا وبيانًا حِكَمًا وأحكامًا.
وللتفسير أوجه وطرق: فمن الأوجه ما يفهمه العرب رجوعًا الى لغتهم. وما يفهمه أي انسان منطقيًا ما أن تترجم له معاني القرآن، ومن الأوجه ما لا يعرفه ولا يستنبطه الا العلماء الموفقون، ومن الأوجه ما لا يعلمه الا الله تعالى من مغيبات كالروح والملائكة ذكرت في القرآن وتكفّل النبي صلى الله عليه وسلم بشرحها وتوضيح شيء منها.
وأما طرق التفسير فأهمها التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والتفسير الاشاري والتفسير الفقهي وأخيرًا التفسير المعاصر[1].
1- التفسير بالمأثور:
ويتضمن ما جاء في القرآن الكريم ذاته من آيات تفسر الآيات، ومن ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في شرحه لبعض الآيات، كما زيد عليها ما جاء من تفاسير الصحابة والتابعين.
وأهم المصنفات في التفسير بالمأثور:
– جامع البيان في تفسير القرآن للطبري.
– تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
– لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن.
– الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي.
وفي طريقة التفسير بالمأثور ضعف وغنىً، فأما الضعف فيعود سببه إلى دخول بعض الاسرائيليات نتيجة الاطلاع على الكتب السالفة واعتماد بعض القصص والاخبار التي وردت فيها.
كما يعود الضعف إلى حذف الأسانيد او اختصارها فالتبس الصحيح بالعليل. كما زاد في ضعفها ما أدخله البعض عليها من عنده وتسمى “الوضع” مما افقد الثقة ببعض الاحاديث على أهميتها وصوابيتها.
وأما الغنى في التفسير بالمأثور، فهو اتساع اللغة، وعمق المعاني وقرب عهد المفسرين الاوائل من الصحابة والتابعين مما يعطي الدارس فكرة واضحة عن المناخ الذي كان سائدًا في عهدهم رضي الله عنهم من حيث الفهم والايمان والاخلاص والتسليم.
وليس أهم من أن يفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بالآثار عن الصحابة والتابعين. وإلى هؤلاء يعود الفضل في تفسير ما أشكل على المتأخرين من معانٍ وأخبار.
نورد منها على سبيل المثال أسباب نزول الآية: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ان الله غفور رحيم} ولا يمكن فهمها إلا اذا عُلِمَ لمن وجّه الله تعالى أمر {أفيضوا} فقد قصد به أهل مكة لوقوفهم يوم عرفة عند المزدلفة تعاليًا على الحجيج وتمايزًا فأمرهم بأن يقفوا مع الناس في عرفة ثم يفيضون من حيث أفاض الناس في هذا اليوم المبارك الذي يتساوى فيه الخلق كلهم أجمعون.
2- التفسير بالرأي:
لئن خشي المفسرون بالمأثور من الشطط أو المغالاة مصداقًا لقوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: -ح: “…ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار”.
فقد رأى المفسرون بالرأي ضرورة التوسع في التفسير بما يوافق ما استجد من أحداث وأمور، ولأن الله تعالى أمر الناس بالتفكر والتدبر فقال: {ولعلهم يتفكرون} وقال أيضًا: {أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوبٍ أقفالها} اضافة الى كثير من الآيات والأحاديث التي تدعوا كل عالم لأن يفصح عن علمه وعما فتح الله عليه ليزداد الناس إيمانًا مع إيمانهم.
وقد حسم شيخ الاسلام ابن تيمية الفرق بين المفسربن بالمأثور والمفسرين بالرأي بأن جعل الاثنين على حق طالما أن أحدًا لا يفسر إلا بما عَلِم وسكت عما جهل. (وهذا هو الواجب على كل أحد)[2].
أما التفسير بالرأي فلا يعني فتح المجال لأيٍ كان بابداء رأيه عن جهل في العلم او طعن في الدين او تشكيك بالايمان فذلك أيضًا يقتضي الحذر من الخوض فيه والتنبيه اليه والتحذير منه؛ مما جعل التفسير بالمأثور يغلب على التفسير بالرأي عند التعارض[3].
ومن أهم كتب التفسير بالرأي:
– الكشاف للزمخشري، وعليه انتقاد.
– أنوار التنزيل وحقائق التأويل للبيضاوي.
– مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي.
– ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم للعمادي.
– روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي، وللبعض فيه مآخذ.
تظهر في التفسير بالرأي ثروة القرآن البلاغية، والتعرض للأحكام والمسائل الفقهية، ويتحوط من الخوض في الاسرائيليات، ويعنى بآيات الكون والطبيعة، وصولاً إلى أسرار إعجاز القرآن لغةً وعلمًا.
يبقى أن في كل من الطريقتين ما يظهر هذا الغنى الجمّ في مجالات العبادات والمعاملات، وفي العقيدة وفي السلوك، وفي الأحكام وفي الأخلاق. وأن الباحث ليجد صعوبة في اعتماد منهج محدد دون أن يجد نفسه قد انساق إلى المنهج الآخر لفرط ما في الآيات من معانٍ وفي اللغة من بحور وفي الاحكام من فروع.
وما التفسير بالمأثور ولا التفسير بالرأي مقرونين بتفسير اللغة إلا البداية التي يلج منها الباحث إلى بحور علوم القرآن. وفي العدد القادم تتمة لانواع التفاسير الأخرى ان شاء الله.
[1] د. نور الدين عتر، علوم القرآن الكريم، مطبعة الصباح بدمشق الطبعة 6 ، 1996م، ص11.
[2] الشاطبي، الموافقات، ج3، ص 421-422.
[3] د. محمد أمين فرشوخ، علوم القرآن والعلوم الاسلامية ص73.