بقلم د. أ.ع.
سبق في الأعداد 8 و9 و11، ذكر مدح الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتشريفه بما لم يتسنَّ لسواه، ويبقى لهذا العدد ذكر بعض ما لم يرد من قبل، وهو تفضيل المولى تعالى له، وما انعكس على أمته وتشريفا فضلاً من الله تعالى. وأهمها إثنا عشرة خصلة وهي:
1- أعطي جوامع الكلم.
2- ونصر بالرعب.
3- وأحلت له الغنائم.
4- وجعلت له الأرض طهوراً ومسجداً.
5- وأرسل إلى الناس كافة .
6- وختم به الأنبياء والرسل.
7- وجعلت صفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة .
8- وأعطي الشفاعة .
9- وسمّي أحمدا .
10- وجعلت أمته خير الأمم .
11- وأوتي خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش.
12- وأوتي بمفاتيح خزائن الأرض.
وقد جاء ذلك في عدة أحاديث شريفة تؤيدها آيات قرآنية عدة ومن هذه الأحاديث:
-ح:” أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة”.[1]
-ح: “فُضّلْتُ على الأنْبِيَاءِ بِسِت: أُعْطِيَتُ جَوَامِعَ الكَلمِ، ونُصْرِتُ بالرّعْبِ، وأُحِلّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مسجِداً وطَهُوراً، وأُرْسِلَتْ إلى الْخَلْقِ كافّةً، وخُتِمَ بِيَ النّبِيّونَ”. [2]
ح:- فضلت بأربع: جعلت أنا وأمتي في الصلاة كما تصفّ الملائكة، وجعل الصعيد لي وضوءا وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم. [3]
-ح: إن الله بعثني إلى كل أحمر وأسود ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأعطيت الشفاعة للمذنبين من أمتي يوم القيامة.[4]
كان صلى الله عليه وسلم يذكر ذلك مع التواضع ناسباً الفضل لله تعالى ويقول: ” ولا أقول فخراً ” ففي قوله: “أعطيت جوامع الكلم” وفي الرواية الأخرى: “بعثت بجوامع الكلم” قال الهروي: يعني به القرآن، حيث جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة، وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني. فقوله صلى الله عليه وسلم صادق ولفظه موجز بليغ والمعنى شامل عميق يصل إلى الأسماع وإلى النفوس والعقول.
وقال صلى الله عليه وسلم: جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا[5]. وقال: فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ما يصلي عليه وجد الأرض مسجدا وطهورا…[6]
إلا المقبرة (لاختلاط التراب بلحوم الموتى وصديدهم)، وما استثناه من الأرض كأعطان الإبل والمراحيض وحيث توجد القذارة كالمزابل والنجاسة…فعن أبي سعيدٍ الخُدْريّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “الأرْضُ كُلهَا مَسْجِدٌ إلا المَقْبَرَةَ والحَمّامَ . وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدا وَطَهُورا أَيْنَمَا أَدْرَكَ رَجُلٌ مِنْ أُمّتِي الصّلاَةَ صَلّى. والحديث يؤيد القول بأن التيمم يجوز على وجه الأرض كلها ولا يختص بالتراب فقط.
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة: ” وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون مثلي ومثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كمثل رجل بنى قصرا فأكمل بناءه وأحسن بنيانه إلا موضع لبنة فنظر الناس إلى القصر فقالوا ما أحسن بنيان هذا القصر لو تمت هذه اللبنة ألا فكنت أنا اللبنة ألا فكنت أنا اللبنة “.
قوله صلى الله عليه وسلم: “وبعثت إلى كل أحمر وأسود”. وفي الرواية الأخرى: (إلى الخلق كافة) قيل المراد بالأحمر البيض من العجم وغيرهم، وبالأسود العرب لغلبة السمرة فيهم وغيرهم من السودان. وقيل المراد بالأسود السودان، وبالأحمر من عداهم من العرب وغيرهم. وقيل الأحمر الإنس، والأسود الجن، والجميع صحيح فقد بعث إلى جميعهم.
وأما نصرته بالرعب، قال النسائي: أي بقذفه من الله في قلوب الأعداء بلا أسباب ظاهرية وآلات عادية له بل بضدها فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم كثيرا ما يربط الحجر ببطنه من الجوع ولا يوقد النار في بيوته ومع هذا الحال كان الكفرة مع ما عندهم من المتاع والآلات والأسباب في خوف شديد منه. وكذلك انسحبت هذه المزية على أمته من بعده.
وأوتي الشفاعة أي العظمى. جاء في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي، فهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً”. وأخرج الإمام أحمد عن أبي ذر: -ح: قيل لي، سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا “.
وأما صفوف الناس في الصلاة وفي غيرها كصفوف الملائكة، فإن المراد به التراص وإتمام الصفوف الأول فالأول في الصلاة فهو من خصائص هذه الأمة وكان يغلب على الأمم السابقة ان يصلوا منفردين او جماعات متفرقة.
ذكر النسائي من رواية أبي مالك الراوي في صحيح مسلم، قال: “وأوتيت هذه الآيات من خواتم البقرة من كنز تحت العرش ولم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ” أتيت بمفاتيح خزائن الأرض” وهذا من أعلام النبوة فإنه إخبار بفتح هذه البلاد لأمته ووقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم. وقوله: “وأنتم تنتشلونها” يعني تستخرجون ما فيها يعني خزائن الأرض وما فتح على المسلمين من الدنيا. وقد بات ظاهراً للعيان ما تختزنه بلاد المسلمين من خيرات جعلت بقية الأمم تطمع فيهم إلى يومنا هذا.
هذا غيض من فيض، ومن تتبع الأحاديث الشريفة الصحيحة لوجد المزيد ومنها ما جاء في مجمع الزوائد للهيثمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“فُضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد كان قبلي: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر … وجعلت أمتي خير الأمم … وأعطيت الكوثر … والذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه”. [7]
[1] حديث صحيح، متفق عليه [البخاري ومسلم] والنسائي عن جابر
[2] عن أبي هريرة حديث حسن صحيح.
[3] الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء
[4] ابن عساكر عن علي.
[5] أحمد في مسنده والضياء عن أنس
[6] البيهقي في السنن عن أبي أمامة
[7] رواه البزار عن أبي هريرة وإسناده جيد.