الدكتور محمد دودح*
يقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ} ، (سورة الأعراف: 175و176).
الدلالة العلمية:
في جلد الإنسان غدد عرقية تختص بتنظيم درجة الحرارة Eccrine Sweat Glands, وفي جلد الكلب غدد تختص بالترطيب وتمييز رائحة الكلاب Apocrine Sweat Glands, لكن الكلب لا يملك غدداً تختص بتنظيم درجة الحرارة لذا لا يملك إلا اللهاث Panting دومًا حتى ولو لم يخرج لسانه من فمه ليعرض أكبر مساحة حيث تخرج الحرارة مع بخار الماء.
يحتوي جلد الإنسان على غدد عرقية تختص بتنظيم الحرارة الزائدة Eccrine sweat Glands. بالمقابل لا يحتوي جلد الكلب على غدد عرق مهمتها تنظيم الحرارة الزائدة فلا يملك سوى اللهاث عند بذل الجهد أو الراحة.
التوافق مع العلوم الحديثة:
قال السيوطي: “عن قتادة.. قال هذا مثل ضربه الله لمن عُرِض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه”, وقال العيني في كتابه عمدة القاري: “(فَانْسَلَخَ مِنْهَا) اتبع هواه فانسلخ من الإيمان”, وقال ابن القيم: “أي خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها… ولم يقل فسلخناه منها لأنه هو الذي تسبب إلى انسلاخه منها باتباع هواه… فلما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته”, وقال ابن عاشور: ”الانسلاخ حقيقته خروج جسد الحيوان من جلده حينما يسلخ عنه جلده والسلخ إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده“, وقال الكلبي: “(و)اللهث… تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات مع الحر والتعب (ولكنها).. حالة دائمة للكلب ومعنى (إن تحمل عليه) إن تفعل معه ما يشق عليه… (أو تتركه) … فهو يلهث على كل حال”, وقال أبو السعود: “تشبيه… ما اعتراه بعد الانسلاخ… بما ذُكر من حال الكلب”, وقال الفخر الرازي: “عم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله… فحصل التمثيل بينهم وبين الكلب لأنهم بقوا على الضلال في كل الأحوال مثل هذا الكلب الذي بقي على اللهث في كل الأحوال”.
وتقوم الغدد العرقية في الجلد بإفراز العرق وخفض درجة الحرارة عندما يبذل الإنسان جهدًا زائدًا كالعدْو الشديد وينهج خاصة في الجو الحار, وجلد الكلب يخلو منها ولذا لا يملك إلا اللُهاث سواء بذل جهدًا أو سكن, ويصور القرآن حال من يفر أمام دلائل الوحي وينسلخ من فطرة الإيمان بهالكٍ فقد جلده الواقي ليصبح كالكلب بلا عرق ولا يملك إلا اللُهاث فضلاً عن كونه حيوانًا بلا عقل.
فسبحان الخلّاق العليم الذي شبه إنسلاخ الإنسان من إيمانه، تشبيهاً علمياً فصوّره كالكلب ليس له ما يخرج له حماوته (أي دناءته)، إلا أن يلهث، فهبط من الرقيّ الإنساني إلى الحياة الحيوانية، لا يكف عن طلب الدنيا والدنيء بلا انقطاع.
__________________________________
* باحث متفرغ في الهيئة العالمية للاعجاز العلمي في القرآن والسنة. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com