محمد فرشوخ
العدد العاشر – صيف 2009
حين قرأ الحكيم في صلاة الفجر آيات من سورة الصافات، شرع الشباب بعد الصلاة يتساءلون عن الآية التي سيدور حولها موضوع الجلسة، إلى أن حسم الحكيم الأمر فسأل: ما معنى الوقف في الآية:{وقفوهم إنهم مسؤولون}؟ فقال أحد البلغاء فينا: الوقف الحبس. قال الحكيم: جزاك الله خيرا، ثم قال في تفسيرها: جاء في الحديث الشريف: ” ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا، حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور”. والجور هو الظلم. أيها الأحبة توقفوا اليوم عند آيات خاصة تتعلق بالمسؤولية وتفكروا بها وأترك لكل منكم أن يستنتج منها ما يصل إليه فهمه:
-أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {115} (سورة المؤمنون).
– أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ {3} (سورة القيامة).
-أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5} (سورة البلد).
-وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {47} (سورة الأنبياء).
وإذا بنا ندخل في جلسة حوار شارك فيها الجميع أدارها الحكيم ببراعة وخلصنا فيها بالآيات والأحاديث إلى أن الانسان لم يخلق عبثا وأنه خليفة الله في الأرض وأنه سيُسأل عن نفسه أولاً كما في الحديث الشريف: “لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه”. ثم عليه أن يعي مسؤوليته كلٌ على قدر نهمته في الحياة: ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
أردف الحكيم: فلا أجد إلا حملا ثقيلا على أكتاف كل من له عقل وقلب، كل حر بالغ عاقل مكلف سيسأل عما فعل، ومع ذلك تجد نوعاً من الناس يخشى المسؤولية فيعتزل فراراً من السؤال وبالسؤال وقع، ونوعاً ثانياً لا يلقي بالاً لحجم المسؤولية وخطورتها فإذا به يخوض كيفما كان فيغيّر مبادئه كما يغير ثيابه، والسلطة هي الغاية والوصولية هي الوسيلة، وبالسؤال وقع. كما تجد نوعاً ثالثاً من الناس يحمّل نفسه فوق ما يطيق، من دون أن يكلّفه أحد فيستعدي الكبار والصغار حتى إذا يئس من تطبيق عالم المثل دخل في الشتم والسباب واللعن ولم يستثنِ أحدا، وبالسؤال وقع.
ثم قال: ما أجمل الشرع الحنيف الذي يحاكي الواقعية ولا يكلف نفساً فوق طاقتها والمرء مسؤول عما استخلف فيه قال تعالى: وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (سورة الحديد). فلا حاجة أن يقاتل وهو الأعزل ولا أن يقارع بينما هو لا سلطة ولا موقع له. ما أجمل الشرع الذي يجعل العبد مكلفاً بما هو مسؤول عنه ومعفياً مما لا علاقة له به.
جمال الشرع من جمال الحقيقة والواقع، يأخذ العبد نصيبه من الدنيا ويسعى ليكون في الآخرة من الفائزين فيربح الدنيا والآخرة.
كيف نفهم حديث:”من رأى منكم منكراً فليغيره بيده” أي عندما تكون له السلطة والقدرة، ” فإن لم يستطع فبلسانه” أي عندما يتاح له المنبر دون السلطة أي يمكنه النصيحة، “فإن لم يستطع بقلبه “، أي عندما لا يخوله بعد موقعه وانعدام سلطته من تدارك الأمر. وإذا بالرحمة النبوية تواسي ذلك العاجز فلا تصفه بالنفاق ولا بالتقاعس بل تبقي عليه إيمانه وإن كان ضعيفاً. فيقول: “وذلك أضعف الايمان”.
تغيير المنكر في البيت بيد الرجل والمرأة، وبين الأهل بلسانهما وفي المجتمع بالقلب وسيجد الانسان دائماً هماً يشغله عمن سواه قال صلى الله عليه وسلم:” أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك”.
ختم الحكيم المجلس بقوله: عش عمرك، غيّر حين يمكنك التغيير إلى الأحسن، وبلّغ حين يمكنك التبليغ، واصمد حيث ينبغي الصمود، ولا تتطرف فدينك دين الواقعية والعقلانية والوسطية والاعتدال.