أ. صلاح سلام
ما من كتاب تقرأه إلا وفيه هفوات وكبوات إلا هذا الكتاب. وما من صحيفة تقرؤها أكثر من مرة أو مرتين إلا صحف هذا الكتاب؛ فكلما قرأت أعدت بلا ملل ولا كلل.
وما من كتاب يسهل على القارئ المبتدئ ويصعب على القارئ المتمرس إلا هذا الكتاب.
وما من كتاب تفيض منه المعاني وتنضج فيه الأفكار بحسب نضج القارئ واتساع مداركه إلا هذا الكتاب.
وما من كتاب قسم الناس قسمين محسومين إما موقن موافق وإما محجوب رافض كمثل هذا الكتاب.
وما من كتاب يحاكي النفس البشرية ويفهم مواطن القوة والضعف فيها، مثل هذا الكتاب.
وما من كتاب يشعر قارئه أنه هو المخاطب دون سواه وأنه هو المقصود شخصيًا، وأن ثمة من ينظر إليه ويرقبه ويستحثه مثل هذا الكتاب.
لو كان هذا الكتاب من صنع البشر لكان بلي واندثر.
ولو كان كتب قبل اعوام مضت لكان الزمن قد عفا على افكاره العلمية ولما تبقى منه إلا بعض أدبياته. فما بال هذا الكتاب يجود على قرائه مع مرور الزمن فيفهم المعاصرون ما لم يعرفه الأقدمون.
مع كل علم جديد أو اكتشاف باهر ينتصب هذا الكتاب ويتحدى مبينًا أنه ألمح إلى هذا العلم قبل أربعة عشر قرنًا.
كيف يمكن لأي من بني آدم أن يكتب كتابًا من ستة آلاف آية، يحفظه الفتيان قبل الراشدين ويجد الجميع في ترداده وتلاوته لذةً وشوقًا وتعلقًا؟
أتذكّر قول أحد صناديد قريش حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتلو بعضًا من آيات القرآن الكريم فيقول لأصحابه من المشركين:
“إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وإنه ليعلو ولا يعلى عليه.”
ليس هذا من قول البشر إنه تنزيل من رب العالمين. إنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. إنه كتاب خالد تعهد الله تعالى بحفظه مهما دارت الدوائر لقوله تعالى: {إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
سبحان الذي أنزله على قلب نبيه المصطفى وسبحان الذي جعل له في قلوب المؤمنين وقرًا وفي نفوس السامعين أثرًا.
ربنا اجعلنا من أهل القرآن علمنا منه ما جهلناه وذكرنا منه ما نسيناه، ووفقنا لتلاوته آناء الليل وأطراف النهار لعلك ترضى.