أ.صلاح سلام
مما سمعناه في صبانا من أحاديث الشيوخ قصة قاطع طريق تصدى في إحدى غاراته الليلية لعربة تقل راهباً من دير مجاور، ولما علم اللص أن الراهب على غير دينه شهر مديته في وجهه وهدده بالقتل إذا لم يغير دينه على الفور. تردد الكاهن وحاول التلطف في وجه الرجل ثم لم يجد إلا الإذعان وسيلة ينقذ بها نفسه، فقال لقاطع الطريق: حسناً سأعتنق دينك فماذا تريدني أن أفعل؟
بهت اللص وحار في أمره لفرط جهله بعقيدته ودينه، وقال: لا أعرف! فأجابه الراهب بثقة:الآن سأتابع طريقي وعندما تعرف ماذا ينبغي أن أفعل تعال إلى الدير وأخبرني .
إنتهت القصة فما العبرة؟
إحداث التغيير في الشكل واستبدال الوجوه بوجوه أخرى أمر ممكن، والمطالبة بالتغيير ليست سوى حركة تالية يجب أن تسبقها أعمال كثيرة وأمور أعمق. فالأهم والأولى هو أن نعرف مسبقاً ماذا بعد وأن تكون الصورة واضحة منذ البداية للطريق المسلوك ولخط النهاية .
التغيير ليس في المطالبة وليس بالشعارات فحسب، إنما هو في العمق، في المعرفة وفي التنوير وفي التخطيط المسبق، كي لا يدخل على الخط من يحرف المسار وينتهز الفرص فيضيع الجهد المبذول وتتشتت الهمم وتتفرق السواعد.
وأول التغيير هو في الإعداد النفسي، والجهوزية الحقيقية هي في تطوير الداخل الانساني وتعميم هذه المعرفة لدى جمهور الناس.
هل فاتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمضى الثلاث عشرة سنة الأولى من عمر الرسالة في إعداد الفرد قبل أن يمضي السنوات العشر المتبقية من عمره في تأسيس الدولة وإطلاق الدعاة وإعداد الجيوش؟
الفتوح في القلوب والعقول سبقت فتوح البلدان والأمصار، وتحصين الفرد والأسرة قبل تحصين المجتمعات والأوطان، وسبر أغوار النفوس قبل الإمساك بزمام السلطة وقبل التحكم بمصير البلاد والعباد. وفي الحديث الشريف: رجعنا من الجهاد الأصغر (أي المعركة)، إلى الجهاد الأكبر: جهاد النفس والهوى.
والخلاصة أن إحداث التغيير في الشكل أبسط وأسهل من إحداثه في العمق، وسرعان ما يطاح بالأول، لكن ما يستقر في الروع يمكن أن يبنى عليه لأنه ينير العقل ويثبت القلب، وفعله أدوم وأمتن وأصلح. حمى الله هذه الأمة وسدد خطاها.