أ. صلاح سلام
هو بين التمني والنداء أن أحبوا العرب، إلى كل صاحب عقل وفطنة، أو قلب ورحمة، أو مصلحة ومنفعة؛ إلى العرب قاطبة، مسلمين ومسيحيين، وإلى العجم سنة وشيعة، وإلى كل من لجأ إلى هذه الأرض الطيبة واستوطن بها قديماً وحديثاً، هرباً من الظلم والاضطهاد؛ إلى كل من ينطق بلغة الضاد سواء كان من العرب أم من سواهم على اختلاف الملة والمعتقد والمنهج والسلوك، نقول أحبوا العرب.
أحبوا العرب والعربية، لا عن عرق ولا عصبية، بل بتبصر وعقلانية، لا ترددوا كلام المستشرقين الذين لا يزالون يجترونه منذ ثلاثة قرون، العرب أنوف معقوفة، وبشرة سمراء، وترف وشهوة، وغلظة وقسوة. لا وفاء ولا شهامة ولا عهد ولا كرامة، إقرأوا للمفكر الراحل إدوارد سعيد، كشف سر من أجبرهم على التزوير ونقض فكرهم وفضح زيغهم. طمسوا بالقصص والأفلام تاريخاً ناصع البياض ومآثر وبطولات، واختراعات وإنجازات، مهدت لما يتنعمون به اليوم من تقدم في العلم وترف في المعيشة. فاقرأوا تاريخ العرب الحقيقي تعشقونهم وتفخرون بالانتساب لهم.
يا مسلمين أحبوا العرب، ففي حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: ” أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي “. وحذار من النفاق، فكيف ندعي الإسلام ونفضل على الأمة العربية غيرها، وكيف نتنصل من عروبتنا ونحاول الانتساب إلى أمم أخرى، أقل ما يقال فيها أنها تكره العرب وتعمل على تفريقهم. أين الكرامة فيمن يتخلى عن اللغة العربية ويباهى بضعفه فيها، ويجاهر بلغة أخرى، أليس في ذلك ضعف في الشخصية وعقدة نقص تجاه الغير؟
يا مسيحيي العرب، يا شركاء الأرض والتاريخ واللغة، يا من عشتم في بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية لقرون، وفي مصر التي تغير الحكم فيها وتبدل مراراً وبقيتم وبقيت كنيستكم القديمة أبدا، لم يسجل التاريخ لكم ومنكم إلا وداعة ومحبة ومساهمة وتسامحاً. أما أزماتكم، فقد كانت بسبب الفرنج أو بسبب صراع المذاهب بينكم، أكثر مما كانت بسبب الاختلاف مع شركائكم المسلمين، ولم تكن أقسى من الأزمات والمصائب التي حلت بالمسلمين خلال مشواركم الطويل المشترك.
من يقرأ تاريخ الحروب الصليبية بتجرد يجد أن الصراع كان ضد الفرنج الأوروبيين ولم يكن ضد مسيحيي الشرق، ويأخذ المستشرقون على صلاح الدين أنه حين استرد القدس جعل وثائق مملكتها وكنيستي المهد والقيامة في عهدة بطاركة الشرق، ولم يدنس كنيسة ولم يهدم صومعة، والرجل لم يثأر ولم يرتكب في القدس مذبحة كما فعل الفرنج من قبل حين غلبوا المسلمين عليها.
لا يمكن لمؤرخٍ نزيه أن ينكر الحياة الآمنة التي عاشها اليهود في الأندلس في جوار المسلمين حتى خروجهم معاً في القرن الخامس عشر، ولم يمكثوا يوماً واحداً بعد ذلك، بل نزحوا مع العرب وحلّوا حيثما حلّوا، في شمالي أفريقيا حتى مصر، وفي فلسطين وسوريا ولبنان حتى آسية الصغرى.
رحى الإسلام أوسع من أرض العرب، فلا نخلط بين الدين وبين السياسة، والعرب مسلمين ونصارى تجمعهم أرضهم ولغتهم والتاريخ، فلا مفر لواحدهم من الآخر.
لا يجدر النفاق بعربي مهما كان دينه ومذهبه أن يتظاهر بالعروبة حين يقوى العرب ثم ينتفض ويتآمر عليهم ويتحالف مع غيرهم عند ضعفهم ولدى تكالب الأمم عليهم. لن يحترمه أحد ولن يثق به أحد ولن يحبه أحد. كيف يجمع النقيضين أن يحب بلاده ويكره العرب، وإلى من فقد شعوره القومي وانتماءه الجغرافي وتراثه الضارب في عمق التاريخ؟ أليس من المعيب أن يحتاج هو وربعه إلى العمل في البلاد العربية ثم ينتقد عرب الجزيرة وعرب مصر وشمالي أفريقيا؟
لا نريد أن نستكبر على غيرنا من الشعوب لكننا، كعرب، لا نقبل بأن يحتقرنا غيرنا وهو بحاجة إلينا، لينظر أهل البصيرة من حولهم، كيف تعصف الأزمات بكبريات الدول والأمم، وكيف يتهافتون لنيل رضا العرب، فيا أهل المصالح والمنافع، حبا الله بلاد العرب بثروات لا تنضب وقيم اخلاقية يضرب بها المثل، فالمستقبل للعرب، ولو كره الكارهون.
إن لم يكن أنقى لقلوبكم فلمصلحتكم: أحبوا العرب.