أ.صلاح سلام
تناقض نعيشه ونمارسه ولا يثير حفيظتنا ولا استغرابنا، ثقافتنا الفردية عالية والثقافة العامة ضحلة. حسن التصرف واللباقة الاجتماعية ميزة ظاهرة تميز أولاد بلدنا فإذا ما اجتمعنا جماعات وأفراد سادت الفوضى والصخب وارتفعت شعارات السخط والنقمة مترافقة مع سيل من السخرية والشتائم.
نسهر على نظافة بيوتنا ولا نتردد في إلقاء القمامة في شوارعنا. واعون سياسياً، لكننا نمارس أبشع انواع العصبية والقبلية. ننتقد الفساد بأنواعه، ثم ننغمس فيه إلى شحوم آذاننا عند كل سانحة في المعاملات الإدارية وفي الانتخابات وحتى في المدارس والجامعات.
نطلب من الناس التحلي بالحلم والصبر والأخلاق، لكننا عندما نقود سياراتنا لا نتورع عن مخالفة قانون السير ولا عن التزاحم ولا عن زجر السائقين الآخرين، ولا يتسع الصدر ولا الصبر لعبور المشاة أمامنا.
ما الذي جرى لشعبنا حتى انحدر بهذه السرعة من التربية المدنية الراقية إلى حضيض الأنانية والتبعية؟ إذا كانت الحرب الأهلية هي السبب فكيف نتصرف بمنتهى الأخلاق حين نلتقي خارج الوطن، فنتبادل التحية والكلام الطيب وحتى الدعوات والمأدبات؟
لماذا نتصرف بمنتهى اللياقة والاحترام عند سفرنا عبر الخطوط الجوية الأجنبية ويكاد يمزق بعضنا بعضاً حين نكون على متن طائرات شركتنا الوطنية؟ كيف تختفي القيم والأخلاق في الوطن لتعود وتظهر خارجه؟
حتى الأجهزة الأمنية المسؤولة عن أمننا أطلقنا عليها توصيفات طائفية أو مذهبية للتشكيك بمصداقية أعمالها ولكي نخرج عن الالتزام بها ومعها عندما تحاول حل المشاكل والأزمات.
أترانا حوّلنا معنى الحرية إلى تفلّت، والاستقلال إلى استئثار؟
لسنا بصدد اللوم ولا اليأس، لكن الحقيقة مفيدة وإن كانت مرّة أو جارحة:
أولاً- لعلنا لم نعد نرضى ببلدنا وطناً نهائياً لجميع أبنائه! بحيث يريد كل منا أن يستأثر به لنفسه ولعائلته ولطائفته ولا يرى فيه مكاناً لغير هؤلاء، وليبحث الآخرون عن بلد آخر يؤويهم! أهكذا تكون المواطنية؟
ثانياً- مصابون بمرض ” الدلع” والجشع، وكلٌ منا يود أن يمد يديه ورجليه ونفوذه على أوسع مدى دون النظر إلى حدود الآخرين. نبني في الأملاك العامة والخاصة، نقطع الطرقات ونعتصم بالقرب من المرافق الاقتصادية فنعطل حركة التجارة وحركة السير.
ثالثاً- الشعور بالفوقية أو الدونية ومؤداهما واحد وهو تظاهر الانسان بما ليس فيه والبعد عن الواقعية، بحيث يتصرف عدد كبير من الرجال كأنهم نجوم هوليود، وعدد لا بأس به من النساء كانهن عارضات أزياء. ويطال التنافس كل المظاهر في اللباس والسيارات وفي المطاعم والحفلات. وفي مكان آخر نحشد الجموع ونلقي الخطب الرنانة ونتوعد ونهدد، سباق محموم ليس له نهاية ولا يحقق السعادة لأحد، يزيد في حدة التوتر وشدة الخصومة وتصاعد الحسد والنقمة والغيرة.
في الوطن مساحة وفسحة للجميع، وإذا كانت الأخلاق موجودة والقيم كامنة والآداب معتمدة، لم يبق من حلّ إلا تطبيق النظام القوي العادل الذي يفرض هيبته على الجميع بلا استثناء، ويطال النافذين كما يطال المجرمين ويتساوى الناس أمامه وتحفظ لديه الحقوق والكرامات. تضع حداً للغاوين والمتمادين، تعاقب من ينظم شيكاً بلا رصيد بالحزم الذي تعاقب به من يرمي القاذورات في الشوارع ومن يتقاضى رشوة لتمرير مخالفة.
ثلاثة لا بد من توفر أحدهم على الأقل لسدّ الخلل: مراقبة الله في أعمالنا، أو صحوة ضمائرنا، أو قيام الدولة العادلة الحازمة، ولسنا نطلب إلا ما يجمع عليه المنطق والشرع والقانون.