أ.صلاح سلام
نعاني في مجتمعنا من نوع جديد من الجهل، يخلط بعضنا بين المتدين والمتعصب، فينتقد أولئك المتعبدين المنصرفين إلى تدبير شؤونهم، لمجرد النظر إلى لحاهم أو إلى لباسهم العربي، بينما لا يرى بأساً في تصرف المتعصبين على الرغم من سلمية الصنف الأول وعدائية الصنف الثاني.
المتدين لا يرى في الناس إلا إخواناً وجيراناً ومواطنين، ويسلم الناس من لسانه ويده، لا يحمل سلاحاً، ولا يضمر حقداً، يرى في ابن بلده شريكاً وجاراً وصديقاً ومعاهدا.
صرَفه همّ آخرته عن همّ دنياه، يحاذر أن يؤذي إنساناً أو حيواناً أو نباتا، لأنه يراقب الله تعالى في تصرفاته، لذلك يرضى بالكفاف ولا يطعم إلا حلالا، ولا يتردد في أن يسدي خدمة أو معروفاً بلا أجر ولا منّة، ويتورع عن التسبب بالضرر له ولغيره.
والمتعصب لمذهب أو قوم أو عشيرة ينظر إلى بقية مواطنيه بحذر ومنافسة، ويكن لهم العداوة، ويكفي أن يسمع من مرشديه تحريضاً حتى تضطرم في نفسه نار الخصومة والعداوة، فيذهب بعيداً ليحلل لنفسه أموال الآخرين ومقتنياتهم ويتجرأ حتى على أعراضهم ودمائهم.
حقد المتعصب على بعض فئات بني وطنه يؤدي إلى اضمحلال شعوره الوطني، وتحلله من واجباته المستحقة فلا يدفع ثمن الكهرباء التي يستهلكها ولا الماء الذي يشربه ويستخدمه، فيتخطى الحلال إلى الحرام ولا يبالي، يرمي بقاذوراته إلى الشارع ويبني في أملاك الناس، يقاوم رجال الأمن وبمرور الوقت يختفي الأمن ويسود الخوف والقلق في المجتمع بأسره.
والتعصب يؤدي إلى ردود فعل سلبية فيسري ويعدي، حتى إذا فشا في مجتمع حكمت شريعة الغاب، القوي فيه يأكل الضعيف وتنتهك عنده الحرمات وتقل المروءات.
أما عن المسؤولية فهي مشتركة، فعلى العائلة أن تحمي نفسها برعاية القيم بين أفرادها وكذلك المدرسة، وعلى رجال الدين أن يتقوا الله في التوجيه والإرشاد، وللإعلام أن يكف عن التحريض، وعلى الدولة أن تتصف بالوعي والحزم والعدل.
وما لم يوضع للتعصب حد على كافة المستويات فإن المجتمعات المتعصبة تتآكل وتنحدر إلى مزيد من التخلف، فتنخرها العداوات، وتخترقها الأحقاد، فتفقد بمرور الوقت لحمتها الداخلية وثقتها بقادتها وحسها القومي والوطني، إلى أن تنفجر وتتفلت من داخلها فلا ينفعها بعد ذلك جاه ولا سلطة ولا مال، وما تعبت في بنائه الأجيال السابقة يمحوه التعصب في وقت قصير ويصعب بناؤه من جديد. ذاك هو الفارق الكبير بين التعصب والتديّن. وهكذا فني من فني من الحاقدين والمتعصبين وصمد من ثابر من المؤمنين، والتاريخ خير شاهد.