رئيس التحرير‏

العدد التاسع – ربيع 2009

إستعرت العنوان من كتاب للعالم المصري الدكتور أحمد زكي رحمه الله أحد السباقين إلى بحوث الإعجاز العلمي في القرآن الكريم منذ منتصف القرن الماضي.

والهدف هو لفت انتباه القارئ الكريم إلى تركيز أسرة التحرير على الإعجاز الكوني من خلال عددي المجلة الأخيرين. والمعذرة إذا كانت بعض البحوث متخصصة أكثر مما يهواه بعض القراء، لكن الغاية هي أنه آن الأوان لكي يرفع عامة الناس مستوى اطلاعهم ومستوى أحاديثهم أقله في المساء والسهرة، وما لا يدرك كله لا يترك جلّه فلنحصّل ما استطعنا. وأملاً في أن يخصص الناس بعض الحديث المفيد من بين الأحاديث التي لا تنتهي وتتناول صراع “الحماة والكنة” والجار والجارة والعامل ورب العمل، ومناقشات المقاهي العقيمة، والسياسات العظيمة علنا نخرج ولو بعض الخروج من ساعات الضيق إلى هنيهات نشعر فيها بعظمة الله وسطوة قدرته وسعة رحمته، وأقل المبتغى أن لا بد من عودة رقيقة إلى لحظة حقيقة، ليس فوقها ولا بعدها حقيقة، حقيقة “وأن إلى ربك المنتهى” و”إن إلى ربك الرجعى”.

استوقفني حديث نبوي شريف يرويه الصحابي الفريد أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، فيه من كل بستان زهرة وفيه إعجاز، كل فقرة فيه تستوجب وقفة تفكر وتدبر، يبدأ الحديث بدخول أبي ذر ليجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده في المسجد، يجلس إلى النبي ويبدأ التعليم فيقول له المعلم صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر! إن للمسجد تحية، وتحيته ركعتان فقم فاركعهما “. يمتثل أبو ذر ثم يشرع بسلسلة من الأسئلة لو وزنت بماء الذهب لرجحته، وأما إجابات النبي صلى الله عليه وسلم فلا ميزان ولا ذهب يقيّمانها، وأول الأسئلة عن الصلاة، وما أدراك ما الصلاة، إلى إن يصل التعليم إلى أبعاد الأكوان فيقول المعلم:” يا أبا ذر! ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة”. أي كنسبة خاتم من حديد إلى صحراء من الأرض.

ونتوقف عند هذه الإجابة من أصل ثلاثين إجابة على ثلاثين سؤال لأبي ذر، لنستطرد استيضاحاً فنقرأ قول الله تعالى في سورة “فصّلت”: { وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ

الْعَلِيمِ }. ونتساءل إذا كان كل ما نراه من نجوم في الفضاء على سعته هو من زينة السماء الدنيا ، فكم يبلغ حجم السماء الثانية التي تحيط بالأولى ولا يمكننا رؤيتها أو رصدها؟ وكم يبلغ حجم السماء الثالثة بالنسبة للأولى والثانية؟ ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة؟ ثم نتساءل مجدداً إذا كانت هذه هي النِّسب فكم يبلغ حجم الكون الذي خلقه الله تعالى إذا كانت كل هذه السماوات لا تتعدى مقدار حلقة بالنسبة لأرض فلاة؟ وها هي البحوث في مجلة “الإعجاز” تلقي بعض الضوء على ما يجب أن نعرفه ويصعب تصوره حتى يعترف الواحد منا بعجزه عن الإلمام بكل ما يحيط به، وبتقصيره عن معرفة الله تعالى حق معرفته وعن تقديره حق قدره وعن عبادته حق عبادته، قال تعالى في سورة الزمر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وقال في سورة الأنعام: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ}.

غفر الله لنا جهلنا وتقصيرنا في حقه وفي حق نبيه وفي حق أنفسنا ووفقنا للمزيد من المعرفة والإقرار والطاعة.