أ.عمر الترك*
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ” أَحفُوا الشَّوَارِبَ وأعفوا اللحى ”[1]
نشرت مجلة أكسفورد دراسة لتحديد مدى الحماية التي توفرها شعيرات الوجه واللحية [2]، استخدمت خلال أبحاثها تقنيات قياس الجرعات. وتبين من خلالها أن الأشعة فوق البنفسجية المرتبطة بالاحمرار الجلدي انخفضت بمعدل الثلث على البشرة المكسوة بالشعر، مقارنةً بالأماكن الخالية من الشعر، وبالنظر إلى طول الشارب واللحية وتأثير الطاقة الشمسية. وتبيّن أيضاً أن الشعيرات الطويلة في الوجه توفر حماية أكبر نسبياً من خطر الأشعة فوق البنفسجية.
الحماية من حرارة الشمس وأشعتها
استخدم الباحثون تقنيات قياس الجرعات التي تقيس كمية الأشعة أو الإشعاع المستوعب في وقت معين. وأظهرت النتائج أن اللحى تقي من أشعة الشمس ومن حرارتها بنسب تتراوح بين 90 و95 % بحسب طول الشعيرات[3].
يقول الدكتور نيك لوي، وهو رائد في الأمراض الجلدية في لندن: (يوفر الشعر عموما حماية جيدة ضد الشمس)، وهذا هو العامل الذي يجعل النساء أقل عرضة من أضرار أشعة الشمس، خاصة اذا كان شعرهن يغطي الجزء الخلفي من أعناقهن و جانبي وجوههن. كما تلعب مسألة سماكة الشعر دوراً هاماً حيث يقول: (وكلما ازدادت سماكة الشعر وكثافته ارتفع عامل الحماية من الشمس). ويقول: (غالباً ما كنت أرى عند زيارتي إلى جنوب كاليفورنيا سائحين على الشاطيء من دون شعر على رؤوسهم بسبب الأمراض الجلدية والسرطانية جراء تعرضهم إلى أشعة الشمس الدائمة. أما على وجوههم فلا أثر لهذه الأضرار”.
نظرية أخرى تقول بأن اللحى المتجعدة تكسر أشعة الشمس، تقول أيان ساليس مستشارة أمراض جلدية:(يسافر الضوء في خطوط مستقيمة ولكن عند اصطدامه بالشعر المتجعد، تنعكس موجات الضوء أو تتكسر، وقلما تصل إلى الجلد).
ويتوقف الضرر أيضا على المدة اللازمة لنمو اللحية. كما أن الضرر الناتج من الشمس قد ينجم عن انعكاس هذه الأشعة عبر أسطح الرمال و المياه على الوجه، فنمو الشعيرات على وجوه الرجال يزيد الحماية تحت الذقن والأعناق. ولكن الدكتور “لو” ينصح الرجال ذوي اللحى باستخدام رذاذ واقي للشمس إذا كانت اللحية غير كثيفة.
الحماية من أزمات الربو
تتزايد أعراض الرجال المصابين بالربو جراء حبوب اللقاح والغبار. وهذه الأعراض تتضاءل عند إطلاق شعر الوجه. وتقول كارول ووكر، الخبيرة الطبية بالشعر بأنه يمكن للشعيرات المتصلة بالأنف أن توقف حساسية الأنف قبل استنشاق الغبار وغيره إلى الرئتين.
ويعتقد دكتور روب هيكس، طبيب عام في لندن، أن حبوب اللقاح لا تتوقف عند الشارب وبالتالي لا يعتبر الشارب كفيلاً بحجب الغبار عن الأنف إلا إذا كان حجم الشارب كبيراً جداً. وهذا ما تبين لنا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمرنا بقص الشوارب لأنه ليس له فوائد طبية بقدر ما يجمع من الجراثيم كما تبين بعد ذلك علمياً.
تأخير الشيخوخة
مع مرور الوقت، يساعد شعر الوجه على إبقاء الجلد شاباً نضراً وفي حالة جيدة. والشعر يحفظ الماء على الجلد ويبقيه رطبا ويحميه من الرياح، التي تجفف الجلد، وتخل بحاجز البشرة الواقية، يقول الدكتور لوي: (إذا قمت بوضع مرطب فسوف يصمد تحت اللحية أو الشارب لوقت أطول من المرطب الموضوع على البشرة المكشوفة أو المحلوقة لأن إمكانية زواله أسرع).
محاربة السعال
اللحى الكثة التي نمت تحت الذقن والرقبة ترفع درجة حرارة الرقبة، وقد تساعد في مقاومة نزلات البرد، على حد قول كارول ووكر:
(الشعر هو العازل التي يبقيك دافئاً. فاللحى الطويلة والكاملة تصد الهواء البارد وترفع درجة حرارة الرقبة)، وتقول كارول: (عندما يكون لديك التهاب في الحلق، يرفع الجسم حرارته لقتل الفيروس. والشعر حول الذقن والرقبة يضيف طبقة أخرى من الحماية).
ويقول الدكتور تشوا: (شعر الوجه يمكن أن يعمل كحاجز مادي لدرجات الحرارة الباردة… ويمكن لدرجة حرارة الجسم الأعلى نسبيا أن تساعد على معالجة السعال… لقد كان لدي مرضى يقولون أنهم كانوا يستخدمون وشاحاً ليلفوه حول رقبتهم لتخفيف سعالهم، ومن الممكن أن تفعل اللحية ذلك أيضا).
الحماية من الطفح الجلدي
يؤدي التوقف عن حلاقة الذقن إلى انعدام وجود الطفح الجلدي. فالحلاقة هي عادة ما تكون السبب الرئيسي للالتهابات البكتيرية في منطقة اللحية، يقول الدكتور مارتن واد، استشاري الأمراض الجلدية في عيادة الشعر والجلد في لندن: (يمكن أن يؤدي إلى طفح الحلاقة, والشعر الغير النام والتهاب الجريبات (التهاب بصيلات الشعر الذي يسبب البقع…، لذلك يستفيد الرجال من اعفاءاللحى)، كما يقول.
الخلاصة
تعتبر اللحى والشوارب القصيرة أداة سليمة لمحاربة الأمراض غير مرغوب فيها، والطفح الجلدي. ولكن كي تستطيع اللحية القيام بمهمتها، يجب غسلها بانتظام خلال النهار. 5 مرات (أثناء الوضوء هو أفضل طريقة)عند القيام بذلك، يطمئن الرجال بعدم وجود أي بقايا للطعام وبالتالي يحافظون على نمط حياة صحي لإطلاق اللحية ومحاربة سرطان الجلد. الطفح الجلدي، والحفاظ على رقبة باردة والحد من السعال.
اعجاز جديد من المستشرقين ليبرهنوا أن رسول الله عليه وسلم هو القدوة والحق وأنه بعث بالحنيفية السمحة وأن الإسلام دلَ على أدوية وطرق وقاية وأساليب حياة رسمها لبني آدم لكي يحظوا بحياة صحية وعفيفة ومباركة. ولا يمكن أن يخلق الخالق جلّ وعلا شيئاً لا دور له في جسم الإنسان ولا بد لكل عضو في الجسم من وظيفة او أكثر، وما هذا البحث إلا إعجاز جديد لعلوم قديمة وأصيلة تركها لنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وسماها من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، حيث قال الصادق الصدوق:
”عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء”. (قال وكيع وهو أحد رواة الحديث: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة) [4].
يبقى أن إعفاء اللحية لا يعني إطلاقها بشكل عشوائي أو مهمل بل ينبغي تهذيبها لتعطي انطباعاً طيباً عن الإسلام والمسلمين، وفي الحديث:
” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ أَنِ اخْرُجْ كَأَنَّهُ يَعْنِي إِصْلاَحَ شَعَرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ ”[5].
فالحمد لله على نعمة الإسلام والحمد لله على نعمة العقل.
* عضو منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – لبنان.
[1] مسند أحمد ط الرسالة (8/ 279) عن عبد الله ابن عمر، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه مسلم (259) (52) ، والنسائي في “المجتبى” 1/16 و8/181-182، وفي “الكبرى” (9294) ، والبيهقي في “السنن” 1/149-150، وفي “الشعب” (6431) من طريق يحيى القطان، بهذا الإسناد.وأخرجه ابن أبي شيبة 8/564، والبخاري (5893) ، والبيهقي في “الشعب” (6432) من طريق عبدة بن سليمان ومسلم (259) (52) ، والترمذي (2763) ، وأبو عوانة 1/189، والطحاوي 4/230 من طريق عبد الله بن نمير، وأبو عوانة 1/189، من طريق محمد بن بشر العبدي، ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر.
[2] A.V. Parisi, D. J. Turnbull, N. Downs and D. Smith
Dosimetric investigation of the solar erythemal UV radiation protection provided by beards and moustaches
RadiatProtDosimetry (2012) 150(3): 278-282 first published online November 16, 2011doi:10.1093/rpd/ncr418
[3] http://www.dailymail.co.uk/health/article-2280717/Beards-good-From-warding-pollen-slowing-ageing-process.html
[4] رواه الإمام مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها.
[5] رواه الإمام مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار.