أبحاث الحمض النووي لأجناس البشر أظهرت خطوات الهجرة والإقامة الأولى للبشر من شرق أفريقيا إلى غربي جزيرة العرب
موجز تقرير علمي من ترجمة د. محمد فرشوخ
مقدمة:
قبل أن تظهر نتائج هذا البحث، كان السؤال الذي يطرحه عدد كبير من علماء الأنساب الوراثية: هل يمكن تحديد الموقع الجغرافي للمحطات الأولى عندما خرج الانسان الأول من أفريقيا؟ هل انطلق عبر وادي النيل إلى الساحل المصري ثم إلى الشرق الأدنى؟ وهل وصل إلى أوروبا عن طريق الشرق الأدنى أم عبر المغرب العربي إلى إسبانيا؟ أم عبر إلى شبه جزيرة العرب عبر اليمن ؟ وهل يمكن تقدير تواريخ هذه التحركات؟ وهل يمكن استخراج معلومات أوسع عن تلك المرحلة؟
نفذ هذا البحث بالتعاون بين علماء جامعتي ليدز في بريطانيا وبورتو في البرتغال، وشارك فيه 12 عالماً من جنسيات مختلفة، واعتمد على ملاحقة الدلائل الوراثية من خلال الخط الأنثوي في الميكوندريا (القسم المولد للطاقة في الخلية البشرية). وذلك بعد أن بلغ العلم الوراثي وبمساعدة علماء الآثار وعلماء آخرين وعبر تحليل الحمض النووي للإنسان مرحلة تسمح بتتبع مساريه الجغرافي والزمني.
نشر الباحثون نتائج أبحاثهم بواسطة الجمعية الأميركية لعلم الوراثة البشرية وعبر المجلة الأمريكية لعلم الوراثة البشرية، المجلد 90، العدد 2، 347-355، 26 يناير 2012، [1]، وذلك في دراسة مدعمة بالأدلة والأسانيد العلمية. نختصرها بفقراتها الرئيسية التالية:
منطلق البحث:
إنطلقت هذه البحوث من حيث توصلت الدراسات السابقة إلى أن الإنسان الأول عاش في القرن الأفريقي قبل 70 ألف عام.
حددت من قبل الفترة التي وصل فيها الانسان إلى الهند ثم أستراليا (عبر مسح أجري على العرقين الإيراني والهندي)، وإلى منطقة الشرق الأدنى وهي بين 50 و45 ألف سنة. وأظهرت التحاليل أن الشرق الأدنى شكل بعد ذلك الملاذ والخزان للتنوعات البشرية التي انتشرت بعد ذلك في كثير من المناطق الاخرى في سيبيريا وأوروبا وحتى لدى الهنود الحمر سكان أميركا الأوائل حيث بقي هذا المكان الأخير لغزاً محيراً للعلماء.
بات الهدف من الدراسة هو تحديد زمان ومسار المرحلة الأولى للهجرة من أفريقيا إلى المناطق المذكورة آنفاً.
طرق البحث:
تم درس وتحليل المجموعات الوراثية (haplogroups) المختلفة لأعراقٍ عدة، استناداً إلى متواليات كاملة (complete mtDNA sequences) 300 منها نشرت سابقاً كانت بغالبيتها تتعلق بالعنصر الأوروبي و85 حديثة أجراها الفريق الباحث في مثلث: شرق أفريقيا وجزيرة العرب والشرق الأوسط. واخذ الفريق بعين الاعتبار إحتمال الاختلاف الوراثي في كل منطقة فاستعمل عددا مناسباً من العينات البشرية، فمن شرقي أفريقيا: 102 من السودان و77 من أثيوبيا و148 من الصومال. ومن جزيرة العرب: 185 من اليمن و65 من جزيرة سقطرى و249 من دبي. ومن شمال أفريقيا: 81 من المغرب و304 من تونس. عدا عن عينات من الشرق الأدنى ومن القوقاز.
وللتمكن من إعادة بناء الشجرة الوراثية قام العلماء بإجراء 2362 عملية متوالية، مستعينين بمعلومات من إجمالي 32812 فرداً شملهم الاستطلاع.
…( شرح مفصل لفرق البحث ولتقنيات التحليل)….، تمييز المجموعات الوراثية التي كانت مسؤولة بشكل رئيسي عن زيادة في أحجام السكان والمناطق الجغرافية التي شهدت هذا الازدياد للتركيز على العينات المتواجدة فيها ..، إعتماد المئة سنة وحدة لقياس معدلات النمو السكاني،.
مراحل البحث:
أظهرت الأبحاث أن الإنسان الحديث كان يستوطن جنوب شرق آسيا (منطقة السعودية) قبل أكثر من 57 ألف عام (تراوح بعضها بين 50 و63 ألف عام). بعد ذلك تفرعت السلالات، (47 ألف عام)، إلى بقية المناطق باتجاه الهند والشرق الأدنى وأوروبا وحتى إلى أميركا الشمالية كما ظهر فرع آخر عاد إلى شرق أفريقيا (ربما عن طريق البحر الأحمر)، فعادت المؤشرات للظهور في إثيوبيا والصومال واليمن من جديد (هجرة معاكسة لاحقاً)، وذلك قبل 16 إلى 20 ألف سنة (العصر الجليدي المتأخر)، وتظهر ذروة التردد على منطقة الخليج العربي قبل 25 ألف سنة، ويشهد التنوع أعلى مستوياته في الخليج والأناضول (وجنوبي القوقاز 13 ألف سنة) وجنوب شرقي أوروبا، بحيث يبدو أن مصدره الأرجح السعودية والشرق الأدنى. واما جزيرة سقطرى في خليج عدن فيرجع تاريخ تأهلها بالسكان إلى 10-15 ألف سنة. بينما تظهر حالة الاستقرار للعصر الحجري المتأخر في الشرق الأدنى قبل 5 إلى 6 آلاف سنة مضت.
وبالعودة لرسم شجرة الأنساب الوراثية يتبين أن الإقامة الثانية للجنس البشري بعد الإقامة الأولى في شرق أفريقيا قبل 60-70 ألف سنة، قد حصلت في شبه الجزيرة العربية بلا أدنى شك وذلك قبل 55-60 ألف سنة.
ويتحدث التقرير أن الطبيعة المناخية القاسية بين شبه جزيرة العرب وبين الشرق الأدنى في تلك الفترة أدت إلى انقطاع حركة الهجرة من الجزيرة باتجاه الشمال لقرون طويلة وأدت إلى استقرار طويل الأمد بسبب توفر المواد الغذائية والمياه العذبة في السعودية وحوض البحر الأحمر وعسير وشملت المرتفعات اليمنية، والمنطقة الساحلية جنوب غرب الجزيرة العربية بما في ذلك حضرموت في اليمن وجنوب عمان، والخليج العربي الذي شكل واحة هامة لحقب طويلة (24-55 ألف سنة).
ومن خلال التدقيق في المواقع الأثرية في منطقة الخليج وبمقارنتها مع حضارات المناطق الأخرى تبين أن هذه المنطقة شهدت تطوراً ثقافياً محلياً، لا يشبه نظائره في الشرق الأدنى ولا في بلاد النيل. وعلى الرغم من العثور على بعض الصلات الجينية بين دبي وعُمان وبين بلاد الشام، فإن هذه الصلات كانت مقطوعة تماما في تلك الفترة، بين ساكني المناطق السعودية واليمن من جهة وبين بلاد الشام من جهة أخرى.
كذلك فإن الهجرة المعاكسة إلى شرق أفريقيا وقعت عدة مرات ما بين 15 و 40 ألف سنة مضت. مما يعزز فرضية العزلة الطويلة الأجل بين شبه جزيرة العرب وبين الشرق الأدنى في تلك الفترات، وفرضية الانتشار العرْضي من السعودية شرقاً وغرباً.
كما أكدت النتائج ما سبقت إليه الحفريات والمكتشفات الأثرية في بلاد الشام، بأن هذه المنطقة شكلت ملجأ بشرياً هاماً للفترة الممتدة بين 13 و15 ألف سنة حيث شهدت استقراراً وتطوراً في التقنيات الزراعية وفي تربية الحيوانات الأليفة تحت أقصى الظروف المناخية من العصر الجليدي المتأخر وحتى وقت مبكر من العصر الحجري الحديث.
ودلت النتائج كذلك على علاقات وهجرة معاكسة من بلاد الشام إلى الأراضي السعودية لفترة 8 إلى 9 آلاف سنة مضت.
النتيجة:
دلّت أبحاث تحليل الحمض النووي، أنه وعلى الرغم من انقطاع بعض صلات الأنساب الوراثية عن أصولها لفترات زمنية محددة، فإن الانساب جميعها وترجع إلى الفترة من 15 إلى 55 ألف سنة مضت، تعود استناداً لأبحاث الحمض النووي المجراة إلى نسب أقدم في مناطق خضراء [2] استوطنها الانسان الحديث في غربي جزيرة العرب[3] قبل 60 ألف سنة ، شكلت مرحلة متوسطة بين تحرك الإنسان الحديث من الساحل الجنوبي للقرن الأفريقي إلى سائر أنحاء العالم. بحيث تعتبر المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية(حسب التسمية الحالية)، النقطة الأولى لتوقف الانسان الحديث واستيطانه ثم انطلاقه بعد ذلك للانتشار في كافة أنحاء العالم.
[1] “ The Arabian Cradle: Mitochondrial Relicts of the First Steps along the Southern Route out of Africa”: The American Journal of Human Genetics, Volume 90, Issue 2, 347-355, 26 January 2012. Society of Human Genetics.
-Summary titled: “DNA evidence suggests the whole world is a little bit Arab”.
Published by “The National” ,Journal edited by ‘ Abu Dhabi Media company”. Feb. 8 2012.
[2] (ملاحظة للمترجم): قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا» ، صحيح مسلم (2/ 701) ومسند أحمد وابن حبان عن أبي هريرة).
[3] (ملاحظة للمترجم): مكان أقدم بيت للعبادة على وجه الأرض: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [سورة آل عمران].