أ.هادي فرشوخ*
عند عودتي يوميًّا من العمل، أدخل إلى المنزل وأسمع صراخًا وبكاء مصحوبين بموسيقى حزينة تزيد القلب قسوة، والأذنين صخبًا، والأعصاب تشنجًا. أهرع لأعرف المصدر وأجد أنه التلفاز، يروي قصة اغتصاب فتاة تركية بلهجة سورية في غرفة جلوسي. وذلك مع ارتفاع نسبة الاغتصاب في سورية والقتل والقهر. تعودت وأنا صبي في منزل والدي أن أهرب من وحشة الشارع وبشاعة الظلم والقهر إلى المنزل حيث الهدوء والأمان والصدق. وإذا بالظلم والاغتصاب والخيانة والقهر تقتحم بيتي، في غرفة ملأتها ضحكة ابنتي في الصباح نفسه. ويا ليتها كانت حقيقية، إنها قصة مريضة كتبها مريض لينقل المرض إلى منزلي وإلى المنازل الآمنة. الآن عرفت حق المعرفة لماذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم “اذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا” و”من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيراً أو ليصمت”. فقد عمد كاتب القصة الى نقل آفة الاغتصاب إلى منازلنا وتعميم مفهوم الخيانة وتبريره ثم تشريعه ثم التعاطف معه.
باتت المدينة كلها تتأقلم مع هذه المسلسلات، والأسوأ أن الجميع أصبحوا على موعد يومي مع القهر والبؤس والمعاناة، وكأن ما يجري من حولنا من ظلم وقتل وخيانة وطلاق لا يكفي لتحويلنا من بشر إلى وحوش.
هل تدرك الزوجة أنها تدخِل إلى بيتها ما يعمل الزوج جاهدًا على إخراجه. فهو يحاول تأمين الاستقرار وراحة البال والأمان والمرح، بينما هي تدخل نقيض كل ذلك إلى حياتها الأسرية بكبسة زر.
كم أود التخلص من كريم، وفطمة، والقبطان علي، وكل زمرة البؤس، وأن تعود أيام المسلسل التاريخي “عمر” و “قمر بني هاشم”، وأن أخلد إلى النوم وفي رأسي لغة عربية فصحى مليئة بأمجاد المسلمين وبالسيرة العطرة، لا بلهجة محلية تذكرني بالظلم والقهر والقتل الذي يفتك بأهلنا في سورية، عجل الله فرجهم وألهمهم الصبر وأعانهم وأعانني.
لن أستسلم ولو اضطررت إلى إلغاء التلفاز من حياتي ما دام مصدرًا للشر، فواجبي أن أحمي أفراد عائلتي مما يؤذيهم ولو من أنفسهم وهم لا يعلمون.
_____________________
*مصمم غلافات مجلة “الإعجاز”.