الأستاذ خالد حنون
غريب أمر هذا الدين وغريب معه أمر المسلمين. فالمسلمون في أقصى درجات ضعفهم, ومع ذلك ينتشر دينهم في مختلف أصقاع الأرض مع أن غيرهم يملك كل وسائل القوة ولديه دول راعية ومؤسسات مركزية ناشطة ومع ذلك يعاني من انحسار التدين لدى أتباعه. وإذا ما أصاب النجاح في بعض المناطق فهذا لا يوازي الجهد المبذول. فما السر في ذلك؟
في القرآن آية يجمع المفسرون على أنها نزلت قي صحابة رسول الله ويكادوا يجمعوا على انها نزلت تحديدا بالمهاجرين. : ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”.( آل عمران: 110 ) .لكن سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه أعطى تلك الآية امتدادا واسعا فقد جاء في تفسير القرطبي أنه خطب مرة فقال لسامعيه من الصحابة عندما ذكر تلك الآية:” من فعل مثل فعلكم كان مثلكم.(1).ويُروى عن قتادة أنه قال: بَلَغَنَا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجّها رأى من الناس سُرْعة فقرأ هذه الآية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . ثم قال: من سَرَّه أن يكون من تلك الأمة فَلْيؤدّ شَرْط الله فيها. رواه ابن جرير. (2)
العالم مهووس بالإسلام والفاتيكان يعلن أن المسلمين تجاوزوا أعداد الكاثوليك
لا يكاد يمر يوما في الإعلام الغربي إلا وفيه حديث عن الإسلام والعالم الإسلامي . حتى أنه بات البعض يتفنن في وصف ما يراه ويسمعه عن هذا الدين فالكاردينال جان لويس توران مسؤول الفاتيكان المعني بشؤون العلاقات مع الأديان الأخرى صرح بشكل واضح بأن العالم “مهووس” بالإسلام.(3) وقبل هذا ببضعة شهور طالعنا الفاتيكان بدراسة إعترف فيها أن الإسلام تجاوز الكاثوليكية حيث تشكل نسبة المسلمين الآن أكثر من تسعة عشر في المائة من مجموع سكان العالم مقارنة بأقل من سبعة عشر ونصف في المائة للكاثوليك”.(4)”وبحسب إحصاءات عام 2006 التي أظهرت أن سكان العالم بلغ 6.5 مليارات، فإن عدد المسلمين بلغ 1.25 مليار مقابل 1.13 مليار كاثوليكي من أصل 2.15 مليار مسيحي”. (5)
شهادة قادة الرهبان بالمسلمين
نقلت صحيفة “ذا ديلي تليجراف” البريطانية عن روان ويليامز، كبير أساقفة كانتربري في بريطانيا ورئيس الكنيسة الإنجيلكانية التي ينطوي تحت لوائها اكثر من 70 مليون مسيحي، إمتنانه لمسلمي بريطانيا “الذين يسعون لإقامة مبادئه في حياتهم ويتعاملون معه كمنهج حياة في مجتمع علماني”..مضيفا “إن المسلمين في مجتمعنا البريطاني أعادوا الأخلاق والدين للحياة العامة في مجتمع علماني.وأضاف، نحن بحاجة حقيقية إلى انتشار تلك النقاشات والحوارات في أوساط كل الأديان في المملكة المتحدة وبين بعضهم البعض.. إسلام ومسيحية ويهودية وغيرها”.
وشدد ويليامز على أن الإسلام أعاد الدين لمجتمع “صار يعادي كل من يتمسك بالدين ويتحدث عنه ويسعى لإقامة مبادئه.. نحن لا نستطيع الحديث عن الدين في الأماكن العامة، والناس نأت بنفسها عن كل من يتحدث عن الدين.. إنه أمر غير باعث على الأمل”.
ودعا ويليامز المسلمين والمسيحيين إلى التعاون الذي يعزز حياة دينية أفضل في المجتمع ويقوده إلى الأمام، مشيرا إلى أن “الكل يسعى إلى الخير، وأن الخير سيأتي بالتعاون بين المسلمين والمسيحيين، وبالتالي سيتحقق الهدف. كما لفت إلى أهمية المدارس الدينية في تعزيز حوار الأديان والتناغم الاجتماعي والتسامح الديني، قائلا: ليبق للدين حضور في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، وأعتقد أن هناك الكثير قد يحدث داخل أسوارها. وأكد أن المدارس الدينية أثبتت قدرتها على الوصول إلى ما وراء الحدود الدينية وساعدت في بناء حالة من الثقة داخل الأقليات. وتأتي تصريحات ويليامز بعد أشهر من تصريحات أطلقها بشأن ضرورة تطبيق أجزاء من الشريعة الإسلامية في بريطانيا، خاصة في مجال الأحوال الشخصية(6).
وكانت هناك أيضاً تصريحات مشابهة للكاردينال الفاتيكاني البارز جان لويس توران -رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان- شكر فيها المسلمين لأنهم أعادوا الدين بقضاياه للساحة الأوروبية بصفة عامة. وقال إنه ليس أمام أصحاب العقائد المختلفة أي خيار سوى الاشتراك في حوار بين الأديان. وأضاف إن الحديث عن الدين والكتابة عنه أصبحا الآن أكثر من أي وقت مضى في أوروبا. وفي خطاب نشرته أوسرفاتوري رومانو الصحيفة الرسمية للفاتيكان، الجمعة 28-11-2008- قال:”الفضل في ذلك يعود للمسلمين… المسلمون هم الذين طالبوا بوجود مساحة للدين في المجتمع بعد أن أصبحوا أقلية مهمة في أوروبا”.(7)
الواقع والتوقعات لبعض الدول الغربية في الصحافة العالمية
1-أمريكا: في تقرير نشره موقع السي إن إن بعنوان: النمو السريع للإسلام في العالم الغربي، يعترفون أن أعداد الذين يعتنقون الإسلام كل عام في العالم الغربي كبير جداً وهو في تسارع مستمر، ففي 12 سنة تم بناء أكثر من 1200 مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية (بمعدل مئة مسجد سنوياً)، والشيء العجيب أن معظم الذين يعتنقون الإسلام من الأمريكيين يتحولون إلى دعاة للإسلام بعد أن يلتزموا بشكل مذهل بتعاليم الإسلام!
ويؤكد معظم الباحثين وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة بأن أكثر من عشرين ألف أمريكي يعتنقون الإسلام كل عام وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)! فعلى العكس مما هو متوقع بأن أعداد المسلمين الجدد ستنخفض إلا أن النتيجة جاءت على عكس الحسابات، فقد أظهرت الإحصائيات الجديدة أن عدد الذين يدخلون في الإسلام ازداد بشكل كبير بعد أحداث سبتمبر\ ايلول.”.(8)
2-بريطانيا: كشفت صحيفة «تايمز» البريطانية أن تعداد المسلمين البريطانيين ازداد نصف مليون شخص خلال ٤ أعوام فقط، ليرتفع عدد المسلمين البريطانيين إلى ٢.٤ مليون، وذلك وفقاً لبحث رسمى حصلت عليه الصحيفة. وتضيف «تايمز» أن معدل زيادة أعداد المسلمين فى البلد يماثل ١٠ أضعاف المعدل القومى للنمو السكانى، مشيرة إلى أن الزيادة بين المسيحيين بلغت ٢ مليون شخص فقط.(9)
3-فرنسا: وفي صحيفة الرأي بالديلي تلغراف تكتب باربرا اميل متسائلة: هل فرنسا في طريقها لان تصبح دولة إسلامية؟ وتقول الكاتبة إن فرنسا تواجه مشكلة ولكن لا احد يجرؤ على أن يناقشها لان القانون الفرنسي يمنع الإشارة في إحصاءات السكان إلى الأصل العرقي أو الديانة للأفراد. ولكن الأرقام تشير إلى أن نسبة تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين بالمئة من السكان في فرنسا ممن تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين هم من المسلمين مما يعني أن فرنسا سوف يوجد بها أغلبية مسلمة من السكان في غضون خمسة وعشرين عاما. وهذه هي المعضلة التي تواجهها الحكومة الفرنسية.(10)
4-بلجيكا: توقع خبير بلجيكي في علم الاجتماع والإحصاء أن يشكل المسلمون غالبية سكان العاصمة البلجيكية بروكسل، خلال الـ20 سنة القادمة إذا تواصلت وتيرة الهجرة ومعدل المواليد في صفوف سكانها من أصول مسلمة.
وقال الخبير البلجيكي أوليفي سرفي في تصريحات لصحيفة “ليبر بلجيك” الخميس 13-3-2008: “إذا تواصل المعدل الحالي للهجرة والمواليد في أوساط المهاجرين المسلمين عما هو عليه الآن، فإننا وفي غضون الـ15 أو الـ20 سنة القادمة سنشهد غالبية مسلمة في بروكسل، وخاصة أنها أصبحت مدينة جذب للمهاجرين لأهميتها الاقتصادية والسياسية”.(11)
بعد الذي تقدم لم يعد غريبا أمر انتشار الإسلام لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام :” إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس “. (12) وليس غريبا أن لا تكون هناك دولة أو مؤسسة ترعى أمور الدعوة الإسلامية في العالم كما هو الحال عند الآخرين لأن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته(13). وليس غريبا أن تظل امة المصطفى في كل عصر خير أمة أخرجت للناس لأنه وكما قال غوستاف لبون في كتابه حضارة العرب:”… وللإسلام وحده كل الفخار بأنه أول دين قال بالتوحيد المحض الخالص, وبأنه أول دين قام أتباعه بنشر ذلك التوحيد في أنحاء العالم”.(14).
____________________________________
هوامش:
1- انظر: تفسير القرطبي ج4 – ص172
2- انظر: تفسير ابن كثير.ج2 – ص103
3- موقع:BBC مقال بعنوان: كاردينال بالفاتيكان: “العالم مهووس بالإسلام الخميس 12 يونيو 2008
4- موقع: BBC مقال بعنوان: الفاتيكان: عدد المسلمين تجاوز الكاثوليك . 31 \ 3\ 2008
5- موقع: الجزيرة: مقال بعنوان: الفاتيكان: لأول مرة المسلمون أكثر من الكاثوليك. 31/3/2008
6- موقع: إسلام أون لاين. مقال بعنوان: أسقف كانتربري: شكرا لمسلمي بريطانيا . 28-3-2009
7- موقع: العربية .مقال بعنوان: الفاتيكان يشكر المسلمين على “إعادة الدين” إلى أوروبا. 28 نوفمبر 2008م.
8- انظر:الدين الأسرع انتشاراً في العالم بقلم عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com
9- موقع: المصري اليوم. مقال بعنوان : «تايمز»: نمو تعداد المسلمين في بريطانيا عشرة أضعاف المعدلات القومية ١/ ٢/ ٢٠٠٩ والمقال موجود على موقع: Times onlineبعنوان: Muslim population ‘rising 10 times faster than rest of society January 30,2009
10- موقع: BBC مقال بعنوان: هل ستصبح فرنسا دولة إسلامية؟ 26 يناير 2004
11- موقع إسلام اون لاين . مقال بعنوان: سنة 2028.. بروكسل ذات غالبية مسلمة. 13\3\ 2008
12- الألباني في السلسلة الصحيحة وانظر رواية مسلم.
13- انظر صحيح مسلم والبخاري مع تتمة الحديث
14- انظر: حضارة العرب. تأليف : غوستاف لوبون. ترجمة:محمد عادل زعيتر. ص:142)